فرح بعض الناس بمقتل العالم الإيراني محسن فخري زادة لأنه محسوب على النظام الإيراني المجرم الذي أذاق المسلمين الويلات في العراق وسوريا وغيرهما، بينما حزن آخرون لأن هذا العالم ينتمي لمحور الممانعة ضد كيان يهود والدليل أن الذي اغتاله هو كيان يهود... وهكذا فإن منصات التواصل الإلكترونية تزخر بالمصفقين لاغتيال زادة، والغاضبين من اغتياله، وكلا الطرفين له أسبابه ودوافعه.
والحقيقة أنها أزمة سياسية حقيقية تحياها الأمة؛ فإن من أبسط وأيسر الأمور التي وضحها الإسلام وخصوصا المتعلقة بالفكر السياسي هي: من هو الصديق ومن هو العدو؟ وموضوع الولاء والبراء، وحرمة الدم المسلم، ولا سلم لمسلم وأخوه في حرب، والمسلمون تتكافأ دماؤهم...
طبعا كل هذه الأفكار الأساسية والمهمة تجسدت عبر العصور بقيادة سياسية واحدة تجمع الأمة على العقيدة والنظام وإن اختلف الناس فيما بينهم بالمذاهب، فهذا حنفي وذاك جعفري، وإن كانوا يصلون ويتزوجون على مذاهب متعددة إلا أنهم جميعهم كانوا يعرفون عدوهم وصديقهم ويعلمون حرمة الدم المسلم ويتحدون ككتلة واحدة في هذا الأمر إلا من شذ وخرج عن هذه الكتلة واصطف مع أعداء الأمة ولذا عومل معاملة العدو لأنه خالف الجماعة.
إن الأزمة السياسية بدأت يوم تفرقت الأمة وتمزقت إلى كيانات تحكمها أنظمة خائنة عميلة أسسها المستعمرون (بريطانيا وفرنسا) بعد أن هدموا دولة الخلافة التي كانت تجمعها، ومن ثم جاءت أمريكا لتنازعهما السيطرة على بلادنا بعد خروجها من عزلتها إبان الحرب العالمية الثانية. من هذه الأنظمة ما يتستر بالإسلام والإسلام منه براء كنظامي إيران وآل سعود. إن الذي يحصل هو أن هذه الأنظمة غيرت مفهوم العدو والصديق عند شعوبها حسب مصالحها ومصالح من يقف خلفها من الدول المستعمرة، وبهذا غيرت مفاهيم الإسلام كلها المتعلقة بالأخوة والوحدة وحرمة الدم المسلم ووحدة القيادة السياسية، وبالتالي اختلط الحابل بالنابل ليصبح العدو صديقاً والصديق عدواً، ودم البعض حلالاً سفكه ودم الآخر حراماً وهكذا؛ تشرذم وتفرق وتمزق ومهلكة وتقاتل... ونسي الجميع كيان يهود الذي اغتال واحتل والراعون له من الدول الكبرى، ونسينا أعداءنا الحقيقيين أمريكا وبريطانيا وفرنسا... وحكامنا معهم.
طبعا المستعمرون هم أكثر المستفيدين والمحركين والمؤسسين لأفكار الفتنة والشقاق وخلط المفاهيم وإلباس الحق بالباطل ليسهل عليهم تمزيق المنطقة.
هذه الطاقات من العلماء أمثال محسن فخري زادة أو المفكرين أو السياسيين الأفذاذ أو القادة العسكريين الموجودين في البلاد الإسلامية هم طاقات يجب توجيهها لمصلحة الأمة ووحدتها وليس لترسيخ تمزقها، ولكن المشكلة تكمن في التشتت السياسي الذي يحياه المسلمون بسبب تفرقهم وتعدد أنظمتهم.
كفانا فرقة وتشرذما وسفكا لدماء بعضنا بعضاً، ولنوحد طاقاتنا وجهودنا وخيراتنا ضد أعدائنا وليس ضد بعضنا بعضا، وأول هذا الطريق يكون بترك الولاء لهذه الأنظمة العميلة، والعمل بجد لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة التي فيها العز وتوحيد الطاقات وحرمة الدم المسلم ورضوان الله في الدارين.
رأيك في الموضوع