المفهوم الأوّل: الجندر أو النوع (الاجتماعي):
ورد في الفقرتين "ج" و"د" من المادة 3 من الاتفاقية: "... يشير مصطلح "النوع" إلى الأدوار والتصرفات والأنشطة والاختصاصات المبنية اجتماعياً والتي يعتبرها مجتمع معيّن مناسبة للنساء والرجال".
الفقرة "د": "يشير تعبير "العنف ضد المرأة القائم على النوع" إلى كل عنف يمارس ضد المرأة لأنها امرأة أو يطال النساء بكيفية غير متناسبة...".
تهدف اتفاقية إسطنبول إلى مكافحة ما تُسمّيه "العنف القائم على النّوع الاجتماعي" الذي تتعرض له النساء فهي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بنظرية النوع الاجتماعي.
تقوم هذه النّظريّة على أن "الجندر" لا يرتبط بالجنس البيولوجي أي ثنائية الذكر والأنثى بل يجب ترك حُرية الاختيار للأفراد لتحديد جنسهم وميولهم دون ضوابط.
كما ترى هذه النظرية المنحرفة أن الهويّة الجنسيّة لا يجب أن تتحدد بالولادة كون الشخص ولد ذكرا أو أنثى، واعتبرت أنه لا تولد الفتاة فتاة ولا الولد ولدا بل يصبحان كذلك بإجبار من المجتمع والثقافة السائدة، وهو ما تعتبره الاتفاقية انغلاقا ورفضا للاختلاف خاصة في حرية اختيار الإنسان لجنسه.
إن هذا التفكير الفاسد المضطرب هو نتاج طبيعي لحضارة مادية تفصل الدين عن الحياة، أما حضارة الإسلام فهي حضارة ربانية تستقي مفاهيمها من قرآنها الذي أخبرها عن ماهيّة الفطرة البشرية والتي تبسطها الآية الكريمة: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات: 13].
المفهوم الثاني: المغالطة بالربط الخبيث بين العنف ضد النساء وعدم المساواة بين الرجل والمرأة:
ورد في ديباجة الاتفاقية: "وإذ تقر أن الطبيعة البنيوية للعنف ضد المرأة قائمة على النوع، وأن العنف ضد المرأة آلية من الآليات التي تستبقى بواسطتها النساء في وضعية خضوع للرجال؛ الاجتماعية والسياسية".
تعتبر اتفاقية إسطنبول أن طبيعة العنف الذي تتعرض له المرأة من الذكور في البيت كالزوج أو الأخ... أو في الفضاء العام هو نتيجة لعقلية ونفسية مبنية عند الرجل على أساس أنه حين يُعنّفها فذلك لاعتقاد دفين عنده بأنها لا تفهم إلا بتلك الطريقة وأنه يحق له ذلك لأنه ذكر وهي أنثى.
لا شكّ أنّ هذا المفهوم المنحرف خطير جدا لأنه يفتح الباب للصراع والاقتتال بين الذكر والأنثى سواء في العائلة أو في الحياة العامة، مما يشق عصا المجتمع ويفتت الجماعة والتعاون بين النساء والرجال في الحياة العامة. يقول الله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: 21].
إنّ الأصل هو أن الذكر يحنو إلى السكينة والمودة عند الأنثى والعكس صحيح، وبالتالي جعل الاتفاقية الأصل هو الحقد والاستصغار والكراهية يتنافى وما أخبرنا به الله سبحانه وتعالى عن الفطرة البشرية وطبيعتها.
المفهوم الثالث: تجريم الأديان واستهداف الإسلام:
ورد في ديباجة الاتفاقية: "وإذ تقر أن العنف ضد المرأة تجل لموازين القوى غير المتكافئة تاريخيا بين المرأة والرجل، والتي أدت إلى سيطرة الرجل على المرأة والتمييز ضدها، وحرمان النساء من الانعتاق الكامل".
يحصر هذا المفهوم علاقة الرجل بالمرأة من منظور الصراع لا غير أي أن جل مفاهيمها ومنطلقاتها تقوم على نظرة ترى أن هناك تنافسا تاريخيا بين النساء والرجال على التسلّط وأن هناك انتصارا تاريخيا للرجل على المرأة.
وهنا يحيلنا لفظ "تاريخي" على كلّ ما هو دين مع التركيز على الإسلام بشكل خاص، فمثلا بالنسبة للعالم الإسلامي يُقصد بموازين القوى غير المتكافئة تاريخيا: أحكام الإسلام.
ونجد تأييدا لما انتهينا إليه في كتاب عبد المجيد الشرفي "الإسلام والحداثة" ص 225 إذ جاء فيه حرفيا:
"الأفكار الشائعة في اعتبار منزلة المرأة الدونية في المجتمعات الإسلامية عموما والمجتمعات العربية على وجه الخصوص، تعود إلى ما اختص به الإسلام من تعاليم وأحكام عطلت مساهمتها في الحياة الاجتماعية وجعلتها تحت سلطة الرجل أبا كان أم زوجا حبسها في البيت لتكون أداة متعة وإنجاب وخدمة".
هذا القول ليس إلا ترديدا لما قاله المفكرون العلمانيون في الغرب حيث يرى كل هؤلاء أن الميزان المختل تاريخيا بين النساء والرجال سببه الأساسي هو الدين والعادات والممارسات الاجتماعية التاريخية التي تؤصل لدونية النساء وعبوديتهن.
وعلى هذا الأساس الفاسد تقوم اتفاقية إسطنبول التي تسعى النخب السياسية والأكاديمية العميلة في تونس لتمريرها لمزيد من تأصيل المفاهيم العلمانية في المجتمع.
المفهوم الرابع: تسليط الدولة لتنصيب محاكم التفتيش في عقائد المسلمين:
ورد في المادة 12 الفقرة 1 و5 من اتفاقية إسطنبول أنه "بالتغيير في أنماط السلوك الاجتماعية والثقافية عند النساء تتخذ الأطراف التدابير الضرورية للدفع والرجال من أجل استئصال الآراء المسبقة والعادات والتقاليد وكل ممارسة أخرى قائمة على فكرة دونية المرأة أو على دور نمطي للنساء والرجال...
...الفقرة 5: يضمن الأطراف أن الثقافة أو العادات أو الدين أو التقاليد أو ما يسمّى "الشرف" لا تعتبر مبررا لأعمال العنف التي يشملها نطاق هذه الاتفاقية.".
يتضح من هذه المادّة أنّ الاتفاقية تجنّد الدولة لتكون خادمة لمشروع علمنة المجتمع ونشر الشذوذ فيه وإن كان البلد مسلما كما هو الأمر بالنسبة لتونس.
إنّ هذه الاتفاقية تُحوّل الدّولة إلى جندي خدوم لمشروعها يحارب أحكام الإسلام في ترسيخ متجلّ لحقيقة الفكر الدّيمقراطي الرأسمالي الذي يدّعي أن الدولة يجب أن تكون محايدة عن أي أجندة أيديولوجية وتقف موقفا محايدا من جميع الأطراف لتحافظ على الحقوق والحريات، لتجعل هذه الاتفاقية من الدولة معادية بصفة صريحة للدين وعلى رأسه الإسلام.
فعن طريق الدولة تضطهد هذه الاتفاقية البشرية جمعاء وتقمع حاجاتها الفطرية لتوجهها قسرا نحو مجتمع جديد ونظام جديد هو نظام الشذوذ والشواذ، مما يبين الانهيار والسقوط الأخلاقي لهذه المنظومة الفكرية الذي تحركه قوى العولمة الاستعمارية.
بقلم: الأستاذة حنان الخميري
الناطقة الرسمية للقسم النسائي لحزب التحرير في ولاية تونس
رأيك في الموضوع