مفاجأة من العيار الثقيل وغير متوقعة، أصابت كثيراً من الباحثين والخبراء، بذلك الطلب الذي تقدمت به السعودية والعراق والكويت والبحرين، بتأجيل اجتماع وزراء الخارجية والدفاع العرب، الخاص بإقرار بروتوكول تكوين القوة العربية المشتركة، بالرغم من اكتمال التحضيرات، وإعلان حالة الطوارئ، والاستنفار في محيط مقر الجامعة، وهي المرة الثانية في غضون أقل من شهر يؤجل فيها اجتماع القوة العربية المشتركة، حيث كان متفقاً على الاجتماع الأول في 2 آب/ أغسطس 2015م وتم تأجيله في اللحظات الأخيرة.
إن تكوين جيش من قوة عربية مشتركة، تمخض عن القمة العربية الـ 26 تحت شعار (سبعون عاما من العمل العربي المشترك)، التي انعقدت في القاهرة يوم 29/03/2015م، دعت إليها مصر؛ صاحبة الفكرة، والأكثر حماساً لها، حيث خاطبها السيسي قائلاً: (إن المسئولية الملقاة على عاتق القادة العرب تتطلب منهجا للمعالجة للحفاظ على الهوية العربية من التدخلات الخارجية في شؤوننا)، مضيفاً: (إن مصر ترحب بمشروع القرار الذي وافق عليه وزراء الخارجية العرب بإنشاء قوة عربية مشتركة).
وبادرت أمريكا بالموافقة على تكوين هذه القوة، فقد أوضح الرئيس الأمريكي (باراك أوباما) في خطاب حول مكافحة الإرهاب، أن الولايات المتحدة لن تحارب خطر الإرهاب بمفردها بعد الآن، ولكن من خلال شراكة مع الدول التي يتواجد فيها الإرهاب، ويتخذ فيها معقلاً له. ورحب بفكرة الجيش العربي المشترك بحذر. وإن مسئولاً كبيراً في وزارة الخارجية الأمريكية قال: (نحن نرحب بشيء من هذا القبيل خاصة في سوريا وأماكن أخرى)، وأيضاً وعد وزير الدفاع الأمريكي (كارتر) أن بلاده ستقدم الدعم اللازم للقوة العربية المنتظرة.
وقد كشف موقع أمريكي متخصص أن مسئولي وزارة الدفاع الأمريكية بالرغم من دعمهم تشكيل القوة العربية، إلا أنهم لا يراهنون عليها لمواجهة أزمات المنطقة. فقد نقل الموقع عن أحد مسئولي الدفاع الأمريكيين قوله: (لن تتم هزيمة الإرهاب بواسطة قرارات في قاعات المؤتمرات).
وفي السياق ذاته ذكر موقع (ديفنس وان) التحليلي الأمريكي المعني بالشئون الأمنية (إن خطة العرب للتوحد عسكرياً لم تغادر حاجز قاعة المؤتمرات التي تم إعدادها فيها إلى مرحلة التطبيق)، وذهب الموقع إلى أن هذه القوة العربية لن تخوض حروباً فعلية بل هي لحماية الأنظمة من الناشطين المؤيدين للديمقراطية، وأضاف (إن الخطة العربية لتشكيل قوة مسلحة لن يكتب لها النجاح، ذلك لأن الخلافات الكبيرة بين الدول العربية تبقى أبرزها)، وقال الكاتب الأمريكي الشهير، جيمس روب في موقع فورين بوليسي (إن فكرة الوحدة العربية سواء أكانت سياسية أم عسكرية، أثبتت أنها دائما تكون سراباً)، في إشارة منه إلى قوة الدفاع المشترك التي تأسست عام 1950م، وكذلك درع الجزيرة.
وتابع جيمس روب: (وهناك أسباب جيدة تدعو للشك بأن هذه القوات ستتواجد أصلاً، وحتى لو تواجدت فإن الانقسامات الأساسية بين الدول العربية، تؤكد بأن القوات المشتركة تكون أشبه بائتلاف متقلب حسب الرغبات المختلفة.. وكانت مصر من أشد المؤيدين للفكرة).
إن البروتوكول الذي كان من المقرر مناقشته من قبل وزراء الخارجية والدفاع العرب، في 27 من آب/ أغسطس الجاري وتم تأجيل الاجتماع مثار الجدل، يتكون من أحد عشر بنداً أهمها:
- التدخل العسكري السريع لمواجهة التهديدات والتحديات، بما فيها المنظمات الإرهابية.
- المشاركة في عمليات حفظ السلام.
- المساهمة في تأمين عمليات الإغاثة والمساعدات الإنسانية.
- حماية وتأمين خطوط المواصلات البحرية بغرض صيانة الأمن القومي العربي.
وقد انفجر خلاف حاد بين الدول العربية، وكان أبرزه بين المملكة العربية السعودية ومصر، فأوفدت السعودية ولي ولي العهد ليعمل على تقريب وجهات النظر، إلا أن شيئاً لم يحدث. وقد تجلى الخلاف فيما قاله السفير السعودي لقناة العربية، حين وصف قرار الجامعة العربية بأنه غير موفق، بحجة أنه لم يذكر الأسباب التي دفعت بها السعودية لطلب تأجيل الاجتماع. وهذا يدلل على حجم الخلاف واتساع رقعته.
ومن أبرز نقاط الخلاف:
- التدخل يكون بطلب من الأمين العام أم من الدول المعنية أم ممن؟
- شكل التدخل، هل للفصل بين المتحاربين، أم الانحياز لطرف دون آخر، ومن يقود؟
- هل تكون قوة عسكرية ثابتة في مكان واحد، أم متفرقة تتجمع وقت الحاجة؟
- كيفية التدخل في بعض الدول العربية التي لا يوجد بها نظام سياسي معترف به، وهل التدخل سيكون في صورة ضربات جوية وحصار جوي وبحري فقط، أم ستكون هناك إمكانية للتدخل البري.
- وحول القيادة، قيادة عامة مشتركة وثابتة لا تتغير مع تغير العمليات، أم قيادة متغيرة بحسب كل عملية.
- مكان وجود هذه القوة. وقد أبدت كل من قطر والجزائر اعتراضهما أن يكون مقر القوة في مصر.
من الطبيعي أن تفشل مثل هذه الأعمال، ولا تتحول إلى واقع على الأرض، وذلك بسبب وجود العدد الهائل من الحكام ذوي المصالح المتضاربة، والولاءات المتباينة.
إن وجود قوة واحدة للأمة لا يمكن أن يكون عن طريق دويلات سايكس بيكو، شركاء متشاكسون، همهم الإبقاء على الانقسامات، وحماية العروش المتهاوية، وتنفيذ مخططات المستعمرين، بل يكون بوجود جيش سلماً لرجل، إمام المسلمين، مبايعاً على كتاب الله وسنة رسولهe يقاتل من ورائه ويتقى به. اللهم أكرمنا بأن تكتحل أعيننا برؤيته، في خلافة راشدة على منهاج النبوة.
رأيك في الموضوع