منذ أن أنشأت الدول العظمى كيان يهود عداءً للإسلام وخدمة لمصالحها، ورغم الدعم اللامتناهي الذي قدمته تلك الدول الاستعمارية لدويلة يهود اللقيطة، ورغم كل مظاهر القوة التي أوحى كيان يهود بأنه يملكها، إلا أنه في قرارة نفسه كان مرتبكاً ويعلم أن كيانه وقوته وشرعيته قد بُنيت على أوهام.
فشرعيته التوراتية المزعومة لا تعنيه إلا وحده، لا بل وإنه مختلف عليها عندهم نفأنفسهمبقببىيبتبىبابييؤباااأنفسهم، وما جماعة ناطوري كارتا وكثير من المثقفين اليهود إلا دليل على ذلك.
أما الشرعية التاريخية، فهي نكتة سمجة، فكأنك تقول تعال نعيد تقسيم العالم حسب تواجد الشعوب والجماعات قبل آلاف السنين، وليعد كلٌ إلى حيث كان. نعم سيقول يهود إن هذا الحق هو لنا فقط من دون البشر بوصفنا شعب الله المختار، وهنا مقتل هذا الاحتجاج. والأمم المتحدة وقوانينها لا تعطي الشرعية لكيان مغتصب، لأن الأمم المتحدة وما انبثق عنها تحتاج نفسها إلى شرعية، فالكل يعلم أنها انعكاس لموازين القوى تتغير بتغيرها.
أما شرعية اعتراف حكام العرب أو زعماء السلطة الفلسطينية بها، فحتى المجانين يعلمون أن هذه الحثالة لا تمثل نفسها أصلاً، وظهورها وعلوها إنما هو تابع لظهور وعلو يهود، فهم من أوباشهم وأتباعهم، ولا يمثلون الأمة.
بقيت شرعية واحدة قد يركنون إليها، وهي شرعية القوة والسلاح والواقع، ويعلم العقلاء أن جزيرة ما لم تبتلع محيطاً يوماً ما، وأن الأيام دول، وكيانٌ تنهيه وإلى الأبد خسارة معركة واحدة من المعيب أن يسمى دولة.
تساقط شرعيات كيان يهود وازدياد الكراهية له في العالم، والنظرة إليه على أنه عامل عدم استقرار ومؤجج للصراع والكراهية، لا بل والذهاب أبعد من ذلك عند الكثير من المؤسسات الغربية التي أصبحت تشير إلى أن كيان يهود أصبح يشكل عبئاً على الدول الغربية وأن نفعه أقل بكثير من ضرره، ثم النفقات العالية على مشروع فاشل في زمن تلفه الأزمات الاقتصادية. كل ذلك جعل كيان يهود وجمعيات اللوبي اليهودي الموالي له في الغرب توسع دائرة استخدامها لسيف ترهيب جميع من يرون فيه خطراً ولو بعيد المدى على كيانهم بحجة معاداة السامية، فاتسعت دائرة من يشملهم سيف الترهيب ذلك من إعلاميين وسياسيين وفنانين وكتاب ومؤلفين وأكاديميين ورياضيين ورجال دين، لا بل حتى ومن أناس عاديين، وقد تتسع غداً لتشمل القراء والمشاهدين.
ولئن كانت صناعة الهولوكوست كما يقول اليهودي نورمان فنكلشتاين في كتاب يحمل ذلك الاسم قد استخدمت لأغراض التهجير ولأغراض الابتزاز المالي والمادي، فإن تسليط سيف معاداة السامية زورا وبهتانا على كل ذلك الطيف ليس إلا خطيئة من الخطايا التي ارتكبها اليهود واليهودية عبر ثلاثة آلاف عام، كما يقول إسرائيل شاحاك في كتابه المعنون بذلك أيضاً، والذي جهد القوم بسحبه من السوق أو حرقه.
أكاد أجزم أن الساسة الغربيين ومؤسسة القرار في الغرب لا زالت تحمل في طياتها العداء نفسه الذي حمله سلفهم تجاه يهود، ولذلك هم لا يصنعون خيرا ليهود عندما يوسعون القوانين التي تستهدف كل من ينتقد كيان يهود وجرائمه وتصرفات بعض اللوبيات اليهودية، تحت يافطة مكافحة معاداة السامية، لأنهم يعلمون علم اليقين أن ردة فعل الشعوب الأوروبية على تلك التشريعات الجائرة ستكون مزيدا من الحقد والكراهية على ذلك الكيان وأتباعه.
وفي هذا السياق أصنّف ما فعلته الولايات المتحدة الأمريكية عندما عمدت في 16/12/1991 إلى إلغاء القرار 3379 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10/11/1975 والذي اعتبر الصهيونية شكلاً من أشكال التمييز العنصري.
هذا السم المدسوس في العسل الذي يقدمه الغرب ليهود جعل عميان البصيرة منهم يزيدون في قائمة التجريم بحجة معاداة السامية. فبعد أن كانت معاداة السامية تعني معاداة اليهود بسبب إثنيتهم، وإذا بالقائمة تشمل عناوين أخرى، نقد الدين اليهودي، نقد الصهيونية، نقد كيان يهود وجرائمه وسياساته، نقد المستوطنات، مقاطعة بضائع يهود، رفض استقبال سياسيين يهود، رفع إشارة النصر لفلسطين، الوقوف مع أهل غزة، بل ووصل الأمر بهم أن يجبروا بلدية أوبرفيليه الفرنسية على سحب مرتبة مواطن الشرف من مروان البرغوثي والتي كانت قد منحته إياها على اعتبار أنه (رجل سلام وحوار يعمل من أجل الحل السلمي) كما قالوا في قرارهم.
مئات القضايا التي ترفعها اللوبيات اليهودية في الغرب سنوياً بحجة معاداة السامية لا يفسرها إلا شيء واحد، وهو أن الناس في الغرب ينظرون إلى سيف معاداة السامية على أنه سيف مثلوم، ما عادوا يخشونه ولا يخشون بطشه، وإذا كان الأمر عند الغربيين كذلك فالأحرى بالمسلمين وبالذات من يعيش منهم في الغرب أن ينظروا إلى ذلك السيف على أنه من ورق، وليتحدَّوه بجرأة وقوة وحق.
رأيك في الموضوع