في ظل تصاعد الدعوات النازية والفاشية والقومية اليمينية المتطرفة في الغرب، والتي تُوّجت بمجيء ترامب في أمريكا، ثم الخطوات العملية التي اتخذها ترامب وهدد باتخاذ المزيد منها ضد المسلمين، والوعود التي أطلقتها الحركات المشابهة في أوروبا في حال وصولها إلى الحكم، وفي ظل أعمال القتل والحرق والإساءة المتزايدة التي تستهدف المسلمين وكل مظاهر وجودهم في الغرب من مدارس ومساجد وتجمعات وغيرها، في ظل ذلك كله برز سؤال كبير، كاد أن يغطي على المشهد بأسره، وهو ما مصير المسلمين في الغرب؟ هل سيُرحّلون؟ هل سيُحرقون؟ هل تنتظرهم مجازر جماعية؟ أم سيُضطهدون لحملهم على المغادرة خوفاً؟ أم سينجح الغرب على صهر الأغلبية منهم تحت طائلة القتل أو الترحيل كما حصل في الأندلس من قبل؟
الحقيقة أن توجيه الأسئلة في ذلك الاتجاه المرعب هو تضليل كبير، والقصد منه تحقيق النصر قبل ودون خوض المعركة.
أما الأسئلة الحقيقية التي يعرفها الساسة والمفكرون في الغرب ولكنهم لا يجرؤون على طرحها، ويحاولون إخفاءها خلف دخان تهديدات اليمين الكثيفة، فهي كالتالي:
هل تستطيع أوروبا فعلاً أن تبقى على قيد الحياة فيزيائياً بدون المسلمين؟
وهل يستطيع الغرب أن يدفع فاتورة استهداف المسلمين بمجازر جماعية؟
ثم مَن الرابح ومن الخاسر حقيقةً إذا حصل الطلاق بين الشرق والغرب؟
للإجابة على هذه الأسئلة لا بد من التعامل مع الحقائق العلمية بعيداً عن طبول الحرب اليمينية الوهمية.
حتى تستمر دورة الحياة في بلاد ما، فيجب أن يكون معدل النمو السكاني 2.11 طفل لكل عائلة. والإحصائيات تقول إن معدل النمو السكاني في أوروبا مجتمعة وطبقاً لإحصائية عام 2007 لا يزيد عن 1.38، وعليك أن تجمع الكلاب إلى الأطفال في عملية الإحصاء حتى تصل إلى المعدل المطلوب.
ومع كل المحاولات والإغراءات المادية التي بذلتها أوروبا لتشجيع الأسرة البيضاء على زيادة النسل، إلا أن تأثير الفكر الرأسمالي النفعي والأناني والمادي والخالي من الشعور بالمسؤولية عن الآخرين، كل ذلك جعل أرحام الأوروبيات عقيمة وأصلاب رجالها جافة، ولم تنجح كل تلك المحاولات والإغراءات.
لم تبق وسيلة أمام أوروبا للهروب من موت قريب محتوم إلا استقبال المهاجرين. وشاءت أوروبا أم رفضت، كرهت أم أحبّت، فإن نظرة إلى خريطة العالم الديمغرافية تقول إن المسلمين هم وحدهم في هذا العالم القادرون على تصدير جزء من مخزونهم البشري والشاب لإنقاذ أوروبا من ذلك الموت المحتوم.
وسبحان الله مذل الجبابرة، والذي جعل دواء أوروبا الصليبية هو فيما تراه داءها، وأن يُكرر معجزة موسى عليه السلام في قصر فرعون.
أمّا للجواب على السؤال الآخر وهو دفع الفواتير، قد يقول قائل إن اختلال الموازين الكبيرة بين الغرب والمسلمين من حيث الضعف والقوة والإمكانيات والهيمنة يجعل الغرب قادراً على التخلص من ملايين المسلمين دون أن يخشى دفع أي ثمن، والحقيقة أن هذا هراء ما بعده هراء، ويعلم الساسة والمفكرون وصناع القرار الغربيون أن درجة الرخاء التي يعيشها الغربيون في الغرب وحرصهم على نمط العيش الرغيد، وتعلقهم بأهداب أي حياة، يجعل من موازين القوى وموازين الرعب تتقارب، ثم إن المسلمين في الغرب ليسوا لقطاء بل لهم امتداد حقيقي في العالم يغطي معظم الكرة الأرضية، ولن ينعم الرجل الغربي والأوروبي بالحياة أبداً إذا ارتكب مجزرة جماعية في حق المسلمين في الغرب، بل سيكون ذلك مقدمة لقطع الشرايين التي تمد الغرب بالحياة، تلك الشرايين المتمثلة في ثروات بلاد المسلمين.
أما السؤال الأخير حول مَن الخاسر الأكبر إذا حصل الطلاق بالتراضي وانسحب المسلمون من الغرب لبلادهم، فمن هو الخاسر الأكبر؟
المسلمون سيعودون إلى أهلهم وبلادهم، وسينخرطون بما لديهم من وعي وتجربة مع أبناء أمتهم من نهوض ببلادهم وتغيير واقعها، ولا شك أن ذلك سيقود إلى إنهاء الوجود الغربي في بلاد المسلمين وبكل أشكاله.
أما الغربيون فسيقبعون في قارتهم العجوز لا يرون إلا العجائز تسير في الطرقات، وسيرون أعداد المقابر تزداد بينما تكاد تندثر البيوت التي يشع منها الضوء.
إن الفكر اليميني الفاشي المتطرف معروف بسطحيته وغبائه رغم صوته العالي، ويظنون بسطحية أفكارهم تلك أن ما قاله المفكر الإنجليزي جوزيف كبلنك (1865-1936) في بيت شعر له ومعناه "الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا" هو حقيقة غير قابلة للنقاش، لكنهم سيرون أن الحقيقة كل الحقيقة هي فيما قاله الله تعالى ﴿إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾، وفيما قاله رسول الله e: «إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِي الْأَرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا».
وكما تضيء شمس الله شرق الكون وغربه، فإننا نؤمن أن شرق الأرض وغربها ستستظل وستحيا يوماً ما براية لا إله إلا الله محمد رسول الله، بعز عزيز أو بذل ذليل.
وما ذلك على الله بعزيز.
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في أستراليا
رأيك في الموضوع