آخر حلقة في مسلسل هوس القتل الجماعي بإطلاق النار عشوائياً في شوارع وأسواق ومدارس وجامعات وكنائس أمريكا، كانت تلك الحادثة التي أودت بحياة سبعة عشر شخصاً في مدرسةٍ ثانوية في مدينة باركلاند بولاية فلوريدا، لن تكون قطعاً الحلقة الأخيرة لذلك المسلسل الدموي، كما لن يكون بطل تلك الحلقة الدموية الشاب ذو التسعة عشر من عمره آخر المهووسين بثقافة القتل الجماعي، فكثيرون ممن امتلأت عقولهم بتلك الثقافة القاتلة يتحسسون زناد سلاحهم وهم يبحثون عن ساحات جرائمهم واختيار ضحاياهم.
ما إن تقع جريمة من هذا النوع في أمريكا، وما أكثرها، حتى يبدأ الإعلام وبعض السياسيين والمنظمات المشتغلة بحقوق الإنسان، بالحديث عن انتشار السلاح بين أيدي الناس وسهولة الحصول عليه وحمله، والمطالبة بتقنين ذلك والحدِّ منه لعلاج الظاهرة.
وحتى يبرهن أولئك على صحة ما يذهبون إليه، فإنهم يعيدون مرّةً بعد مرّةٍ سرد حوادث القتل العشوائي وعدد ضحاياه وأعمارهم ومكانه وتاريخه، مع ربط كل ذلك بموضوع انتشار الأسلحة.
لكن خارج أمريكا، فإن حوادث القتل تلك في أمريكا تنكأُ جراح الكثير من شعوب الأرض، التي كانت أو لا زالت ضحية لنفس ثقافة هوس القتل الذي مارسه حكام أمريكا وصانعو سياساتها الخارجية ضد تلك الشعوب والتي كلفتها مئات الآلاف بل ملايين الضحايا والجرحى والمرضى والمشردين؛ فهذه فيتنام تتحدث عن ضحاياهاوتلك الفلبين ونيكاراغوا وبنما والعراق وأفغانستان والصومال والسلفادور وووو وقائمة جرائم أمريكا تطول.
لكن قلةً قليلة تحاول أن تجد الرابط بين الجرائم التي يرتكبها الأفراد المهووسون بالقتل داخل أمريكا وغيرها، مع تلك الجرائم الأكثر وحشية والأكثر دموية والأكثر ضحايا التي يرتكبها الحكام والساسة وصنّاع القرار الغربيون عامة والأمريكيون خاصة خارج بلادهم.
لا يجد هؤلاء أية صعوبة في الإشارة إلى قيم الغرب الرأسمالي ونظرته العنصرية والاستعمارية من جهة وقيم الفردية والتمييز العنصري والاستعلاء بل والأمراض النفسية المنبثقة عن تلك القيم، على أنها الرابط بين جرائم الأفراد وجرائم الحكام والدول.
لقد برع الغرب الرأسمالي عامة والأمريكي خاصة في اختلاق وخلق الذرائع لتبرير جرائمه ضد شعوب الأرض، فيقول بول نيتش رئيس جهاز التخطيط في الخارجية الأمريكية عام ١٩٥٠ "تمتلك أمريكا قوةً كونيّة، لهذا سيكون من الضروري أن نحدِّدَ لنا عدوّاً كونياً، وعلينا أن نضفي على هذا العدو كل صفات الشيطان، بحيث يصبح كل تدخلٍ أو عدوانٍ لأمريكا مبَرَّراً مسبقاً، وكأنه عملٌ دفاعيٌ تجاه خطرٍ يشمل الأرض كلها"، وهذا ما نشاهده اليوم من اتخاذ الإسلام كعدوٍّ وشيطنته لتبرير حربه.
أما في داخل أمريكا، فإن قيم الرأسمالية النفعية الشرهة، والنظرة العنصرية الاستعلائية، قد أوجدت في المجتمع الأمريكي سلطة جديدة فوق السلطات المعروفة، ألا وهي سلطة المافيات العنصرية، ومحترفي الإجرام والتي هي امتداد للجماعات العنصرية الضاربة في عمق التاريخ الأمريكي، الذين يخدمون كبار السياسيين والرأسماليين، إن لم يكونوا منهم.
لكن السؤال الأهم والتحدي الكبير الذي يواجه الإنسانية اليوم، هو كيف يوضعُ حدٌّ لتلك الجرائم التي تطال الإنسان وتسفك دمه وتعصفُ بأمنه من كل الجوانب؟؟؟
إن المشكلة تكمن في طبيعة الفكر الرأسمالي وقيمه من جهة وفي هيمنة الدول الرأسمالية على العالم من جهة أخرى، وهنا يكمن العلاج، أي بإيجاد بديل حضاري جديد، تعلو فيه القيم الروحية والمعنوية والأخلاقية والإنسانية على القيم المادية دون أن تلغيها، وتتولى قيادة البشرية دولةٌ أخرى وأمةٌ أخرى تتمثلُ فيها تلك القيم الرفيعة، وتتولى تلك الحضارة وقيادتها الفكرية والبشرية، عملية إنقاذ الإنسان من براثن الحضارة الرأسمالية القاتلة، فتأخذه إلى برِّ الأمان والطمأنينة، وليس غيرُ الإسلام مؤهلاً للقيام بهذه المهمة العظيمة، ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾. لكن هذا مشروط بأن يعود الإسلام والمسلمون لقيادة البشرية اليوم كما كان بالأمس، وهو كائن إن شاء الله عما قريب.
رأيك في الموضوع