منذ بدأت مأساة الروهينجا والعالم كله - ومنه العالم الإسلامي - يتفرج دون أن يحرك ساكنًا، في مشهد يؤكد تواطؤ العالم على جريمة التطهير العرقي للمسلمين الروهنجيا التي ضربت عرض الحائط بجميع القيم والأعراف الإنسانية، ويشهد على حقيقة الموقف الدولي المجرم الذي تقوده أمريكا ترامب وأوروبا العجوز، والدول الكبرى في آسيا وعلى رأسها الصين والهند، اللتان عاونتا في قتل المسلمين في بورما، ولا يُستهجن ذلك عليهما، فالصين مثلًا تقوم بالممارسات نفسها ضد المسلمين في تركستان الشرقية منذ بضع سنين مع سكوت مُطبِق من قبل أردوغان تركيا، على الرغم من أن ساكني ذلك الإقليم المحتل من قبل الصين هم من العرق التركي، والهند أيضًا مارست إجرامها وعنصريتها على المسلمين في كشمير، فلم تقلّ الصين والهند إجرامًا عن حكومة بورما، وضحاياهما مأساتهم كمأساة الروهينجا.
على الرغم من توقيع بنغلادش وميانمار اتفاقًا في 23 من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي لبدء عملية إعادة بعض اللاجئين - البالغ عددهم نحو مليون - الذين فرّوا من ميانمار في الأشهر الأربعة الماضية، فإن وكالة "أسوشيتد برس" قد ذكرت الخميس أن حكومة ميانمار تستخدم التجويع كـ"سلاح ممنهج" ضد مسلمي الروهينجا، حتى لا يفكر اللاجئون الفارون إلى دول الجوار بالعودة إلى ديارهم، فيعرفوا أن الجوع والتنكيل سيكون في انتظارهم إن هم عادوا، وقالت الوكالة إنه "بينما لا تسمح حكومة ميانمار للصحفيين بتغطية الأوضاع في ولاية أراكان التي يشهد فيها مسلمو الروهينجا اضطهادًا واسعًا، فإنها قد لاحظت من خلال نحو عشر مقابلات علامات البؤس والجوع وسوء التغذية على اللاجئين الفارين إلى بنغلادش". إضافة إلى الجوع والتنكيل فقد عمدت حكومة بورما وجيشها إلى إحراق بيوت الروهينجا، حتى يدرك اللاجئون أيضًا أن لا دار لهم يعودون إليها، في هذا السياق قالت منظمة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة: "إن صور الأقمار الصناعية التي أظهرت علامات اشتعال الحرائق وتدمير المباني في 40 قرية كانت دليلًا على أن الروهينجا لن يستطيعوا بعد العودة بأمان".
وهكذا، لم تكن الاتفاقية التي وُقِّعت بين بنغلادش وحكومة سو تشي الحاصلة على جائزة نوبل "للسلام"! إلا لتهدئة الرأي العام العالمي، وشعوب العالم الإسلامي، ولا أقول الأنظمة العالمية أو الدول القائمة في العالم الإسلامي، فهي جميعها شهود زور على تلك الاتفاقية، وتعلم أنها لن تنفّذ على الأرض، وقد شهد بذلك مدير منظمة حقوق الإنسان العالمية في آسيا (براد آدامز)، حيث قال: "إن تدمير الجيش البورمي لقرى الروهينجا خلال أيام من توقيع اتفاق إعادة اللاجئين مع بنغلادش يدل على أن الوعد بعودة آمنة كان مجرد حيلة للعلاقات العامة"،وأضاف: "إن صور الأقمار الصناعية أظهرت ما ينفيه الجيش البورمي، أظهرت أن قرى الروهينجا لا تزال تتعرض للتدمير، وأن تعهد الحكومة البورمية بضمان سلامة مواطني الروهينجا العائدين لا يمكن أن يُؤخذ على محمل الجد".
إن مسئولية الانتصار بالقوة للمسلمين المستضعفين في الروهينجا تقع على عاتق الأقربين من إخوانهم في بنغلادش وباكستان، وكلتا الدولتين قادرة على نصرتهم ورفع الظلم عنهم، ولولا اعتراف المجتمع الدولي المجرم بميانمار كدولة لما استحقت أن تكون حتى محمية أو مقاطعة في دولة، لذلك فإن بنغلادش التي يقطنها نحو مائتي مليون مسلم تستطيع أن تسحق جيش ميانمار وحكومته في يوم أو بعض يوم، وكذلك الأمر بالنسبة لباكستان التي يسكنها نحو مائتي مليون مسلم ويعدّ جيشها سادس أقوى جيش في العالم، فإنها تستطيع أن تطهر بورما من البوذيين الوثنيين في بعضٍ من نهار، وللمفارقة تعدّ دولة بنغلادش من الدول الأولى عالميًا مساهمةً في قوات حفظ السلام الدولي التابعة للأمم المتحدة (القبعات الزرق) وباكستان كذلك بالدرجة الثانية، فكلتا الدولتين ترسل قواتهما لأفريقيا وغيرها من دول العالم البعيدة جدًا عنها، ولكنها لا تقوم بواجبها تجاه إخوانها من ذوي القربى، وهم على مرمى حجر منها! كل ذلك بسبب خيانة القيادة السياسية والعسكرية التابعة للدول الاستعمارية التي تحتفي بمآسي المسلمين أينما كانوا!
تشهد الأحداث يومًا بعد يوم على أن دول الكفر الحقيرة ستظل تنال من المسلمين وتنهش لحومهم كما ينهش الذئب الغنم طالما ليس للمسلمين راعٍ يذود عن حرماتهم؛ عَنْ النَّبِيِّ e قَالَ: «إِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ» صحيح مسلم، لذلك حتى يفي المسلمون - القريب منهم والبعيد - بواجب نصرة إخوانهم المستضعفين في بورما، فإن عليهم تنصيب ومبايعة الإمام الذي يقود جيوش المسلمين فيعيد مسلمي بورما أهل بيت تلك الديار وأسيادها، كما كانوا إبان حكم المسلمين لشبه القارة الهندية ومنها بورما، ويقتص ممن ظلم المسلمين وأخرجهم من ديارهم، فيسن فيهم سنة رسول الله e في بني قريظة، ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ﴾، ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ﴾.
رأيك في الموضوع