عقد حزب التحرير في أستراليا مؤتمره السنوي لهذا العام تحت عنوان جريء ومعبر عن الواقع والحقيقة: "أنت بريء حتى يثبت أنك مسلم" ملّخصاً تعامل الغرب عامة وأستراليا نموذجاً مع المسلمين الذين يعيشون فيها. ويأتي المؤتمر هذا العام بعد سنتين عجاف عاشتها الجالية الإسلامية عامة وحزب التحرير وشبابه بشكل خاص، حيث تعرضت الجالية لأبشع أنواع الضغوطات والاستهداف والتشويه والتهديد والمضايقات.
وقد استهدف أبناء الجالية بشكل مباشر في المدارس والجامعات والمساجد وحصل اقتحام لكثير من البيوت وحملات ترويعية، ومعاملات سيئة للمساجين تذكرنا بغوانتنامو وأبو غريب، وذهب بعض السياسيين بعيداً عندما طالبوا بإحداث تغييرات داخل الإسلام نفسه.
أما حزب التحرير فقد تعرض لحملة هوجاء العام الماضي من السياسيين مباشرة وعلى رأسهم رئيس الوزراء الأسبق توني أبوت والذي توعد الحزب في مؤتمرات صاخبة بحظره وملاحقته، وتولى الإعلام وزر الترويج لتلك التهديدات، لا بل وشارك الإعلام بمحاولة شيطنة الحزب وشبابه وإثارة الخوف منه ومحاولة ربطه بأحداث دموية تحصل هنا أو هناك، وذلك لخلق رأي عام مناهض للحزب ومتقبل لحظره واستهدافه.
المؤتمر الذي عقده الحزب يوم الأحد الماضي كان ناجحاً بفضل الله بكل المقاييس، ووجه فيه رسائل إلى كل من يهمهم الأمر.
الرسالة الأولى: هي أن منطقة الإيمان عند حزب التحرير في مأمن، وهي غير قابلة للاختراق أو التأثر، ولذلك فإن رسائل التهديد والوعد والوعيد لم تؤثر على الحزب وأفكاره وشبابه ومواقفه قيد شعرة، وبالتالي على من يراهن على تلك الأساليب أن يأخذ العبرة مما حصل اليوم.
ثانياً: الاستجابة الكبيرة من أبناء الجالية وبالذات الشباب والمثقفون وطلاب الجامعات للدعوة لحضور المؤتمر وجهت لطمة قوية إلى كل من ظن أنه بسياسات التخويف والترهيب سوف يُعزل حزب التحرير عن الجالية. كما أن حضور أطراف جديدة إلى المؤتمر مؤثرة ومحترمة ولها وزنها ومشاركتهم النوعية فيه بعثت برسالة مفادها أن استهداف الحزب وشبابه ومحاولة إسكاته كان لها أثر عكسي لما ابتغاه أصحاب تلك السياسات، وسيكون إن شاء الله لها ما بعدها، وستُفتح آفاق كثيرة للدعوة.
ثالثاً: مشاركة الجالية في المؤتمر عبر فتح المجال لهم لإبداء آرائهم وسرد المضايقات بل والمآسي التي يتعرض لها البعض منهم كانت رسالة بحد ذاتها أن الاستهداف والظلم يوحد الجالية ويقويها ولا يضعفها.
رابعاً: التغطية الإعلامية الواسعة التي حظي بها المؤتمر، حيث حضرت كل وسائل الإعلام المؤثرة في البلد، سواء المرئية أو المقروءة، مما يظهر بأن الذين وراء الإعلام يعلمون أن حزب التحرير عنده ما يقوله وأنه يعبر حقيقة عن آراء الكثيرين في الجالية، وأن له مصداقية حتى وإن اختلفوا معه وهاجموه. وكان الإعلام قبل المؤتمر قد غطى انعقاد المؤتمر وهوّل الأمر إلى درجة أن أحد الإعلاميين المشهورين في إذاعة تو جي بي المشهورة راي هادلي قد طالب بحظر الحزب قبل انعقاد المؤتمر.
لقد ناقش المؤتمر الوضع الداخلي للمسلمين في أستراليا وما يتعرضون له، وكشف زيف ادعاءات الحكومات الأسترالية المتعاقبة في أنها إنما تستهدف الإرهاب، وبين أن المستهدف هو الإسلام بذاته والمسلمين الذين يحملون في قلوبهم كل ولاء للإسلام، وأن هذا هو محور القضية. كذلك تعرض المؤتمر للقوانين والتشريعات الجديدة والتي تستهدف المسلمين سواء في التجسس عليهم وعلى بيوتهم، وحجزهم بدون تبيان الأسباب، ومحاكمتهم بأدلة سرية، وسحب جوازات سفرهم، ومنعهم من السفر وغير ذلك كثير.
وقد بث الإعلام مقاطع من كلمة الأخ عثمان بدر التي كشفت قوة الطرح الذي امتاز به المؤتمر، فقد نقل عنه أن "الإسلام غير قابل للتفاوض أو التغيير، الإسلام هو الإسلام". في حين شن الأخ وسيم دريعي في كلمته هجوماً لاذعاً على بعض ضعاف النفوس من المسلمين الذين قبلوا أن يكونوا جسراً بين الحكومة والجالية وخاطبهم بلهجة قوية مؤثرة، بأن "كيف ترضون أن تجلسوا كالتلاميذ الصغار أمام رجال المخابرات والشرطة الفدرالية ليعلموكم الإسلام الذي عليكم أن تنقلوه وتعلموه للجالية".
لم يغفل المؤتمر أن يربط هذا الذي يجري في أستراليا وفي الغرب عامة بالذي يجري مع إخوانهم في بلاد المسلمين، فالغرب يستهدف المسلمين حيثما وجدوا وحيثما كانوا، وهدف الغرب ثابت في حربه على الإسلام والمسلمين، ألا وهو منع إقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة إن استطاع، وبالتالي إبقاء هيمنته على العالم الإسلامي. وبين المهندس إسماعيل الوحواح في كلمته البعد العقائدي في الصراع وأن المسلمين يدفعون الثمن باهظاً لأنهم على درب الأنبياء والرسل يحملون كلمة التوحيد ويصدعون بها ويعملون لها ويعملون على إقامة دولة لها في وجه الطاغوت الذي يسيطر على العالم اليوم والمتمثل في النظام الليبرالي الديمقراطي الرأسمالي.
مداخلات كثيرة من القدس وبريطانيا أضفت أجواء طيبة على المؤتمر حيث أظهرت وحدة معاناة الأمة ووحدة تطلعاتها.
يوماً بعد يوم يثبت المسلمون أنهم الأقدر على كسب معركة القلوب والعقول، وأنهم بإذن الله يسيرون في طريق النصر والتمكين وأخذ قيادة البشرية، وما ذلك على الله بعزيز.
رأيك في الموضوع