إنّ الناظر في قضية فلسطين منذ نشأة كيان يهود إلى هذه الأيام التي يتعرض فيها المسجد الأقصى المبارك بشكل شبه يومي إلى تدنيس باحاته بقطعان يهود، وممارسة شعائرهم التلمودية في رحابه الطاهرة، وصولا إلى فرض التقسيم الزماني والمكاني وفرض مظاهر سيادة يهود على المسجد الأقصى المبارك كأمر واقع، الناظر في ذلك يمكنه أن يلمس حجم المؤامرة التي ينفذها يهود ويعينهم عليها حكام المسلمين المجرمون منذ اليوم الأول لاحتلالهم الأرض المباركة.
فبالعودة إلى المراحل التي مرت بها قضية فلسطين، منذ أن عمل حكام المسلمين على احتضان القضية لينقلوها سريعا إلى أحضان منظمة التحرير التي أنشأها الغرب على عين بصيرة وأضفى عليها شرعية تمثيل قضية فلسطين من خلال حكام المسلمين الذين سارعوا بالاعتراف بالمنظمة كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، ليتمكن بذلك الغرب من سلخ فلسطين عن عمقها الإسلامي العملاق ليلقي بها في حضن مولود مسخ قزم أُعد ليكون جسر تمرير لمخطط تصفية القضية.
فمنذ اللاءات الثلاث والخطابات العنترية التي كانت تقتضيها المرحلة الثورية، وصولا إلى المبادرة العربية وقرارات الجامعة العربية الهزيلة وحالة الانبطاح، والكل يشاهد أنّ الشيء الأصيل والقاسم المشترك الأكبر بين كل تحركات حكام العرب والمسلمين وقراراتهم تجاه كيان يهود هو أنّهم يتعاملون معه كأمر واقع، وليس محل خلاف، أي أنّ شرعية كيان يهود أمر قائم لديهم وليست محل إشكال أو نقاش، وهو ما تُرجم إلى سلطة فلسطينية هزيلة تعتبر الاحتلال سقفا لكل خططها أو برامجها، وتلقي بالقضية في كل حين إلى أحضان الغرب ومؤسساته المجرمة كهيئة الأمم ومجلس الأمن ومحكمة الجنايات الدولية واليونسكو.
ولحقت بها فصائل وحركات تهافتت وراءها في مستنقع الواقع الذي فرضه الغرب من خلال يهود وحكام المسلمين، فباتت إما من المصفقين الأتباع أو من جوقة المستنكرين كظاهرة صوتية لا تتعداها، دون أن تتلمس طريقا عمليا لتحرير فلسطين.
فعلى الرغم من قدرة جيوش المسلمين وبلاد الطوق طوال العقود الماضية على هزيمة كيان يهود واقتلاعه من جذوره لو أرادوا، لا سيما في ظل تعطش الجيوش إلى منازلة يهود، إلا أنّ حكام المسلمين لم يصدر عنهم أي تحرك نحو التحرير ولو على المدى الطويل، وجل ما لمسناه هو ضمان الحدود وأمن يهود، ولجم المسلمين عن منازلة يهود، وفوق كل هذا إضفاء الشرعية على منظمة التحرير ووليدتها السلطة الفلسطينية واللتين صُممتا من أجل تقزيم القضية وتصفيتها.
والنقطة التي لا يمكن إغفالها في المعادلة، هي معادلة التطبيع وإضفاء الشرعية على الاحتلال، فالعنصر السياسي والفكري هو الأهم في المعادلة ومن ثم تتلوه العناصر المادية والعسكرية، فدحرجة القضية من قضية احتلال أرض مباركة ملك للأمة الإسلامية ويجب تطهيرها من دنس يهود ويحرم الاعتراف بشرعية احتلال شبر واحد منها، إلى قضية مفاوضات ماراثونية على حدود دويلة هزيلة إلى جوار دولة يهود، وحق اللاجئين والعودة، والمستوطنات والأموال، والقدس الشرقية والأماكن المقدسة، ومحاولة ترسيخ ذلك في وعي الأمة والشعوب المسلمة وأهل فلسطين، هو الأخطر في المعادلة. وتحول المقاومين وأصحاب الثورية والكفاح إلى خندق التنسيق الأمني وإنهاء عذابات يهود والتهدئة الطويلة هي الجريمة التي تلتها وبنيت عليها. كذلك التضييق على أهل فلسطين في معاشهم ومحياهم ومحاولة إلجائهم إلى القبول بخطط الحكام وحلولهم التفريطية وبرامج السلطة التصفوية هو أيضا لتكتمل حلقات المؤامرة الهادفة إلى تصفية القضية.
فالواقع أنّ الخصم والعدو في قضية فلسطين ليسوا هم يهود والغرب من ورائهم فحسب، بل حكام المسلمين والسلطة في المقدمة، ولذلك عظمت المصيبة وطال أمدها، إذ لو خُلِّي بين المسلمين ويهود، لهان شأن يهود ولكان تحرير فلسطين أمرا سهلا يسيرا، إذ إنّ بلاد المسلمين لا ينقصها القوة ولا الجيوش، بل شاهد العالم كيف تحركت الجيوش والطائرات والقاذفات في عاصفة الحزم والتحالف الصليبي عندما أرادت أمريكا ذلك.
ومختصر الكلام، أنّ فلسطين تتعرض لمؤامرة عظيمة غايتها تصفيتها وتمكين يهود من أرضها، والذي يعين يهود ويوفر لهم الأمن والأمان والشرعية والغطاء هم حكام المسلمين والسلطة الفلسطينية، وهم عينهم من يتآمرون على المسجد الأقصى المبارك رغم تباكيهم ونواحهم المكذوب عليه، والسبيل للتصدي لهذه المؤامرة وتحرير الأرض المباركة والمسجد الأقصى لا يمكن أن يمر إلا عبر التخلص من حكام المسلمين أعداء الأمة وأولياء أعدائها، فهم من يكبلون الجيوش ويمنعونها من تحرير فلسطين، وهم من يقمعون الشعوب ويحولون بينها وبين التحرر والانعتاق من المستعمِر الأجنبي، وهم من يتآمرون وينفذون الخطط الهادفة إلى دوام سلطان الغرب وسيادته على بلاد المسلمين ومنها فلسطين.
فالبرنامج العملي الوحيد الذي يمكن من خلاله تحرير فلسطين وتخليصها من شرور يهود هو برنامج التغيير الجذري المتمثل بإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة التي تطلق أيدي الجيوش فتدك حصون يهود والمستعمرين، وتحرر فلسطين وباقي بلاد المسلمين. وأي انشغال بعمل دون هذا المستوى هو مضيعة للوقت وتَلَهٍّ عن الوصول إلى الغاية المرجوة والتي يرضى عنها الله سبحانه وتعالى.
ولذلك وجب على الأمة أن تخلع يدها من حكام المسلمين، وأن تعمل على هدم عروشهم الظالمة، وتضم يدها إلى أيدي شباب حزب التحرير، لتشيد صرح الخلافة من جديد فتعلو راية الإسلام فوق ربوع الأرض وفوق أسوار المسجد الأقصى المبارك.
رأيك في الموضوع