تصاعدت حدة المعارك بين الجيش التركي وحزب العمال الكردستاني، فقد شنت المقاتلات التركية في 12/9/2015 سلسلة من الغارات على معسكرات حزب العمال الكردستاني في قنديل وخواكورك وآفا شين والزاب ومتين وغارا وباسيان شمال العراق، مما أوقع 60 قتيلا بين صفوف المقاتلين، بحسب وسائل الإعلام التركية.
وكان قد أسفر هجوم شنه حزب العمال الكردستاني في داليدجا في أقصى جنوب شرق تركيا على الحدود مع العراق عن مقتل 16 عسكريا، ويعتبر هذا الهجوم في داليدجا أعنف عملية ينفذها حزب العمال الكردستاني منذ استئناف المواجهات مع الجيش التركي.
وقامت القوات التركية بعملية توغل بري داخل العراق، حيث قال رئيس الحكومة التركية المؤقتة أحمد داود أوغلو يوم 11/9/2015 ، معلّقا على العملية البرية شمالي العراق "يتم الدخول عند الضرورة، ولكن لم يتم البدء بعملية برية واسعة، وعند الضرورة، فإن قواتنا المسلحة ووحداتنا الخاصة تدخل وتخرج، ويمكن البدء بتحرك بري واسع كما في عام 2008 إذا اقتضت الحاجة".
وبالرغم من احتدام حدة المعارك إلا أنه لا بد من ملاحظة أن الخطر الذي أعلنت تركيا تخوفها منه وجعلته خطا أحمر هو قيام كيان كردي شمال سوريا على الحدود مع تركيا فقد صرح أردوغان في 26/06/2015م بقوله "لن نسمح أبدا بإنشاء دولة شمالي سوريا على حدودنا الجنوبية، وسيستمر كفاحنا في هذا السبيل مهما كانت التكلفة"، فالخطر بحسب تصريحاتهم يكمن في شمال سوريا، والحزب الكردي الذي ينشط عسكريا في شمال سوريا هو (حزب الاتحاد الديمقراطي) (بي واي دي) الذي تعتبره تركيا الفرع السوري (لحزب العمال الكردستاني) (بي كي كي) وتصنفه كحركة إرهابية، وقد سيطر (بي واي دي) على مساحات واسعة شمال سورية بالتنسيق مع نظام بشار، وبدعم وإسناد من قوات التحالف الأمريكي.
وعلى الرغم من هذا فإن تركيا أعلنت مع بدء حملتها العسكرية على حزب العمال الكرستاني أنها لن تتعرض لحزب الاتحاد الديمقراطي وذلك بحسب تصريحات لمسئول تركي نشرها موقع إيلاف في 15/8/2015 (...قال المسؤول إن "حزب الاتحاد الديمقراطي ليس على قائمة اهدافنا. ولن نهاجمه طالما أنه لن يهاجم تركيا". إلا أنه أوضحأن أنقرة لديها مشاكل مع الحزب متهما عناصره بالتحالف مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد. وقال إن أنقرة أطلعت الولايات المتحدة على هذه المخاوف فيما يعمل البَلدان على إقامة منطقة خالية من تنظيم الدولة الإسلامية داخل سوريا.)
ونشر موقع رووداو الكردي في 11/8/2015 نقلا عن (نائب المتحدث باسم وزراة الخارجية الامريكية مارك تونر، في رده على سؤال مراسل شبكة رووداو الإعلامية في واشنطن نامو عبد الله، إن إتفاقهم مع تركيا يتضمن عدم الهجوم على حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي PYD في سوريا، مؤكدا أن واشنطن لن تسمح بذلك. وحول تصريح وكيل وزارة الخارجية التركية فريدون سيريليو أوغلو الذي قال فيه: "إذا حاول مسلحو تنظيم داعش، أو مقاتلو حزب الاتحاد الديمقراطي الكوردي PYD الدخول الى المنطقة الامنة، فستقوم القوات الأمريكية والتركية بضربهم"، قال تونر: "لست مطلعا على تصريح سيريليو أوغلو، لكن اتفاقنا مع تركيا هو لأجل تنفيذ الغارات الجوية وليس المنطقة الآمنة".
فتركيا لا تنوي التعرض لحزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا بالرغم من أن تحركات الحزب تشكل بحسب اتهامات المسئولين الأتراك خطرا مباشرا على الأمن القومي التركي. مما يدل على أن العملية العسكرية التركية ليس دافعها أصلا "الأمن القومي التركي" وإنما هي عملية موزونة بحراسة مصالح أمريكا في المنطقة، وتحقيق مكاسب انتخابية لحزب العدالة والتنمية بعد الإخفاق الذي لحق به في الانتخابات السابقة حيث لم يحقق الأغلبية التي يحتاجها ليتمكن من تغيير نظام الحكم إلى نظام رئاسي.
كما يجدر ملاحظة أن حزب العمال الكردستاني لم يكن يوما على قلب رجل واحد في حقيقة أمره، فواقع حاله أنه منقسم بين الارتباط بأمريكا والارتباط بأوروبا، وقد ظهر بعد اعتقال أوجلان الخلاف الداخلي في الحزب فقد انشق عثمان أوجلان شقيق عبد الله أوجلان والتحق بالسليمانية تحت حماية حزب جلال طالباني عميل أمريكا، كما أن الخلاف على قيادة الحزب حسمه عبد الله أوجلان بتقديم مراد قره إيلان على جميل بايك ومدد له دورتين، وبعدما استلم جميل بايك بدأ يظهر في سير حزب العمال الكردستاني ضعف في التجاوب مع إطلاقات أوجلان حول عملية السلام مع تركيا.
وفي لقاء جميل بايك مع صحيفة الشرق الاوسط نقل موقع رووداو الكردي في 27/6/2015 طرفا منه جاء فيه (.."نحن من يدير الحركة وليس أوجلان"، ولفت بايك إلى أن لكل من أوجلان و"حزب الشعوب الديمقراطي"، وقنديل" دوره الخاص"، و"هذه الأطراف الثلاثة تكمل مع بعضها الدور الكبير، "هـ.د.ب" يعمل من أجل تقدم الديمقراطية في تركيا، وهو لا يستطيع أن يقرر باسم حزب العمال الكردستاني، فنحن من يقرر باسم حزب العمال، ونحن من نقرر الاستمرار في النضال المسلح من عدمه، ولا يستطيع أوجلان و"حزب الشعوب الديمقراطي" إصدار هذا القرار، وأشار إلى أن "أوجلان أسير في يد الأتراك، ولا يستطيع قيادة الحركة من سجن إمرالي وتحت ضغط وظلم تركيا، نحن ندير هذه الحركة الآن" مؤكدا "شرطنا الأساسي لاستمرار عملية السلام هو إطلاق سراح أوجلان". "وأوضح بايك "اليوم لا نناضل من أجل تأسيس الدولة، لأننا نرى أن الدولة هي ضد الحرية والديمقراطية والفرد، أما الآن فنحن نعمل من أجل النظام الكونفدرالي، ونريد حل المشكلة الكردية ومشكلة الشعوب الأخرى في تركيا عن طريق هذا النظام، نحن في البداية اعتمدنا تأسيس الدولة أساسا لحل المشكلة الكردية، لكننا شاهدنا أن الدولة لن تحل مشكلتنا ولن تضمن الديمقراطية والحرية للمجتمع، لذا تركنا تلك المرحلة وأحدثنا تغييرا في استراتيجيتنا".
فيظهر أن جميل بايك على خط منافس لخط أوجلان، ومع ذلك فقد نشرت صحيفة ديلي تلغراف بحسب ما نقله عنها موقع أريبيا نيوز في 118/8/2015 (نشرت صحيفة ديلي تلغراف أن قادة تنظيم حزب العمال الكردستاني عقدوا محادثات غير مباشرة مع الولايات المتحدة، بالرغم من إدراج واشنطن لهم كإرهابيين، يلتمسون منها التدخل والتوسط في حربهم مع تركيا... وقال بايك إن جماعته كانت ترفض أي فكرة لوقف إطلاق النار من جانب واحد في القتال الأخير مع أنقرة، لكنه أردف بأنه سيقبل وقفا لإطلاق النار بموجب ضمانات أمريكية. وقال بايك "ما لم يكن هناك ضمانات فلن نتمكن من اتخاذ خطوات أحادية الجانب" و..." كشف أيضا الدور المحتمل لأمريكا في المساعدة لإنهاء الصراع". واتهم بيك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالتدبير المتعمد لانهيار هدنة العامين لأسباب انتخابية، وقال إنه استخدم وكلاء لاستفزاز حزب العمال عمدا لكي يرد...)
لذلك فالمتوقع أن تستمر الحملة التركية على حزب العمال الكردستاني إلى ما بعد إنتهاء الإنتخابات التركية، حيث من المتوقع أن يظهر دور أوجلان بعد ذلك فيتأكد دوره كقائد لحزب العمال الكردستاني، ويكون أردوغان قد حقق انتصاره الإنتخابي بدماء الأكراد، لتبقى أمريكا ممسكة بخيوطهم جميعا، وهم يتنافسون في خدمة مصالح أمريكا وحراستها.
فعسى الله سبحانه أن يعجل بالفرج من عنده على أمة الإسلاموأن يحبط مخططات أمريكا وعملائها، وأن يردهم على أعقابهم لا ينالون خيراً.
رأيك في الموضوع