نحن لا نتحدث عن دولة عمرها سبعون عاما بل نتحدث عن دولة ضاربة جذورها في التاريخ عاشت أكثر من 13 قرنا من الزمان ملكت مساحة تعادل هذه المساحة المسماة بالسودان مئات المرات.
هذه الدولة لا تميز بين الرعية، وهذه الفكرة الآن شائعة في الساحة لا تجد أن هناك اتفاقا يوقع مع شخص حمل السلاح في وجه الدولة وقاتلها مستعينا بالدول الخارجية إلا وتجد أن نصوص هذا الاتفاق تشتمل على التمييز يسمونه بالتمييز الإيجابي! ويراد للمجتمع أن يقسم، وتمزق ويكون هناك تمييز إيجابي لأهل دارفور، وأهل الشرق وأهل النيل الأزرق وجنوب كردفان، والمرأة، وغيرها من الأوهام التي لم يجن منها الناس شيئا إنما تنفذه الدولة، وعندما نتحدث عن حياة إسلامية يتوهم كثير من الناس أننا نتحدث عن مجتمع خالص في أن كل أفراده يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وهذا خاطئ، فالإسلام وأنظمة الإسلام جاءت من الله سبحانه وتعالى الخالق لكنها لم تأت إلى المسلم، وإنما أتت للإنسان لذلك تطبق أنظمة الإسلام وأحكامه على غير المسلمين من رعايا الدولة.
وإذا قرأنا التاريخ بعيدا عن تحريفات الغرب الكافر الذي لون التاريخ لوجدنا أن النصارى من أهل الشام عندما جاءت الحروب الصليبية قاتلوا مع المسلمين، لماذا قاتلوا مع المسلمين؟ لأنهم عاشوا حياة كريمة لم يحيوها في ظل الكفر الذي كان يطبقه عليهم إخوانهم، فالإسلام يستثني غير المسلمين في قضايا العقائد والعبادات والمطعومات والملبوسات والزواج والطلاق والمواريث، يستثني غير المسلم من هذه المنظومة من الأحكام، لماذا؟ لأن هذه الأحكام جاءت من لدن لطيف خبير ﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾.
(المادة 13) في الأحكام العامة تتحدث عن أن الأصل براءة الذمة، بينما في ظل هذه الأنظمة التي نحياها فالأصل أنك متهم والأصل أنك تقيم البراهين على أنك لم ترتكب جرما! حتى إن عسكري المرور يوقفك في الشارع ثم يبحث! الأصل أن تدافع عن نفسك وتثبت له أنك بريء من المخالفات!! هذا نموذج واضح لأن الأصل في الواقع ليس براءة الذمة. نحن نقول استنادا إلى الوحي الأصل براءة الذمة ولا يعاقب أحد من رعايا الدولة إلا بحكم محكمة، بينما يعاقب تحت بند التسويات المالية أو غيرها بواسطة عسكري المرور أو أي شخص آخر يعاقب المسلم فقط بحكم المحكمة، يري الناس أن المحاكم في ظل هذه الأنظمة مسألة بعيدة حتى إن الناس يتخلون عن حقوقهم.
إن نظام الحكم في مشروع دستور دولة الخلافة يبدأ بالمادة (16) نظام الحكم نظام وحدة وليس نظاما اتحاديا. فالنظام الاتحادي أو النظام الفيدرالي الذي استخدمه الغرب الكافر بأن يوحد مجموعة من الدول المتفرقة ومنها ألمانيا، فكانت مجموعة من الدول متحاربة متفرقة، جمعت بالفيدرالية، أمريكا ولايات الشمال الصناعية وولايات الجنوب الزراعية جمعت بالفيدرالية. إن أنظمة الإجرام؛ نظام الإنقاذ وكل الأنظمة التي حكمت السودان لم تطبق نظاماً من عقيدة الناس، فالإنقاذ تبنى النظام الفيدرالي، والفيدرالية تعني تعدد الحكام الذين يستمدون سلطة الحكم ذاتياً من أهل الإقليم وتعدد التشريع وتنشئ كيانا أشبه بالدولة يسهل عملية التمزيق، وهو مشروع حدود الدم الذي وضع أسسه برنارد لويس المستشرق اليهودي والمستشار للرئيس الأمريكي، وأمريكا تحمل في استراتيجيتها سايكس بيكو جديدة، تريد تمزيق الممزق من بلاد المسلمين كما فصلت عمليا جنوب السودان، تريد أن تهيئ بقية المناطق للانفصال بضربة واحدة. النظام الفيدرالي هو جريمة في حق البلاد والعباد لأنه يفضي إلى التمزيق بعيدا عن الدعاية المضللة دعاية الوحدة الجامعة تحت تقسيم الثروة والسلطة، وهذا لا علاقة له بالواقع. الناس الآن تحس بأن البلاد تسير بسرعة الضوء في التمزيق لأن الساسة تبنوا هذه الفكرة التي رفضت من قبل في مؤتمر المائدة المستديرة وفي المسيرات التي خرجت في ستينات القرن الماضي (No Federation for one Nation) وتعني لا فيدرالية لأمة واحدة.
يتبع...
بقلم: الأستاذ المحامي حاتم جعفر (أبو علي)
عضو مجلس حزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع