تنهض الأمم بالعقيدة التي انبثق عنها نظام، ولا تكون النهضة صحيحة إلا بالعقيدة الإسلامية وما انبثق عنها من أنظمة وأحكام.
جاء الإسلام في عصر النبوة فغير عقائد الناس وأفكارهم عن الحياة بعقيدته، ونظم شؤون حياتهم بشرائعه، وابتعث المسلمين ليخرجوا الناس من الظلمات إلى النور ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد. فكان هذا ديدنهم على عهد رسول الله ﷺ وبعد وفاته، فهذا الصحابي رِبعي بن عامر رضي الله عنه أحد خريجي مدرسة النبوة الأفذاذ، والذي برع في فــــنّ حُســن عـــرض الإســـــلام، يقول لرستم قائد الفرس لما سأله: ما جاء بكم؟ فقال: "لقد ابتعثنا الله لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه، فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه، ومن أبى قاتلناه حتى نفيء إلى موعود الله" رواه الطبري في تاريخ الرسل والملوك. ففي لفظ: (ابتعثنا، فأرسلنا) دلالة على أننا مكلفون بأعمال الرسول ﷺ من بعده، فألفاظ بعثنا وأرسلنا هي كأعمال الرسل عليهم الصلاة والسلام؛ فالله سبحانه وتعالى كلفنا بمهمة كان الرسل مكلفين بها، وبما أنه لم يعد هناك أنبياء ورسل، فالأمة الإسلامية تتحمل هذه المهمة إلى يوم القيامة.
والأمة الإسلامية اليوم حتى تحصل لها النهضة لا بد أن تجعل العقيدة الإسلامية الأساس الذي تتجه في حياتها عليه، وتقيم الحكم والسلطان عليه، ثم تعالج المشاكل اليومية بالأحكام المنبثقة عن هذه العقيدة، أي بالأحكام الشرعية بوصفها فقط أوامر ونواهي من الله لا بأي وصف آخر، وبذلك ستحصل النهضة الواجب حملها للأمم الأخرى، لتخرجها من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن جور المبادئ الفاسدة إلى عدل الإسلام؛ وهذه مهمتها إلى يوم القيامة.
وليس الأصل في النهضة أخذ الحكم، وإنما هو جمع الأمة على الفكرة الإسلامية وجعلها تتجه في حياتها نحوها، ثم يؤخذ الحكم ويقام على أساسها، وأخذ الحكم ليس غاية بذاته، وإنما هو طريقة للنهضة عن طريق إقامته على الفكرة، فهو يؤخذ ليقام على الفكرة الإسلامية حتى تحصل النهضة، فقضيتنا هي ليست استلام حكم فحسب بل قضيتنا هي بناء دولة، يبعث الحياة في العقيدة الإسلامية عند المسلمين ويجعل الإسلام مجسدا في واقع الحياة. صحيح أن العقيدة الإسلامية موجودة عند الأمّة، والأمة الإسلامية أمة مسلمة وليست كافرة، ولكن هذه العقيدة فقدت علاقتها بأفكار الحياة وأنظمة التشريع، ولم يعد لدى المسلمين ذلك الحافز الكبير، الذي دفعهم لفتح الدنيا، وحكم البشر، ونشر الهدى، وحمل لواء العدل والحق.
فلا بد أن نجعل الأمّة الإسلامية اليوم تتجه لبناء حياتها على أساس العقيدة الإسلامية، ولإقامة الحكم والسلطان عليها، ثم تعالِج المشاكل اليومية وتنظم شؤون الحياة بالأحكام المنبثقة عن هذه العقيدة، أي الأحكام الشرعية بوصفها فقط أوامر ونواهي من الله، لا بأي وصف آخر، أي حتى تنطق قلوب هذه الأمّة قبل ألسنتها بأن أفكار الإسلام وأحكامه هي سرّ وجودنا جميعاً، وأن إخلاصنا للعقيدة الإسلامية وما انبثق عنها يجب أن يرتفع على كل إخلاص، وأن ولاءنا لها يجب أن يرتفع على كل ولاء، فإذا نطقت القلوب بهذا وصار الله ورسوله أحب للأمة مما سواهما، فإنه حينئذ يكون المشروع المنبثق من العقيدة الإسلامية هو الذي يجمع الأمّة كافة، فتقوم الدولة على أساس العقيدة الإسلامية، وتنبثق عنها القوانين والأحكام وجميع أنظمة الحياة؛ حينها تكون حياة الرضا والعز قد وجدت عند الأمة، وعند ذلك تحصل النهضة الصحيحة.
وبذلك تقام دولة الخلافة، التي ستقوم بحمل رسالة الهدى والنور للبشرية جمعاء وستتمكن وبكل جدارة من أن تتوسع لتشمل جميع بلاد الإسلام، لترفرف راية العُقاب على كل رابية وفي كل مرتفع تفتحه جحافل جيش الإسلام، ولتتحدى جميع دول الكفر، وتصمد لتهديداتهم المنتظَرة، وتتقدم بفيالق جيشها تحت لواء الجهاد؛ لتحطم كل ما يقف أمامها من حواجز مادية، لتنقل الشعوب الأخرى من الكفر إلى الإسلام، ولتتبوأ مركز الدولة الأولى في العالم؛ فتنتزع قيادة السفينة الإنسانية وتنقذها من الغرق في ظلمات المبادئ الأخرى، ولتقودها إلى شاطئ السلامة والأمان في ظل عدل الإسلام؛ وقبل ذلك تقوم بمهمة إنقاذ الشعوب في الآخرة لأنها تسير بهم على طريق الجنة، نتيجة اعتناق هذه الشعوب للإسلام والعيش تحت ظلال حكمه. وإن ذلك لكائن قريبا بإذن الله، «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ نُبُوَّةٍ».
بقلم: الأستاذ محمد صالح
رأيك في الموضوع