صحيح أن هناك قاعدة فقهية، مستنبطة من أدلتها الشرعية: (الوسيلة إلى الحرام حرام)، أعطت الوسيلة الموصلة للغاية حكم الغاية، ولكن هذا بشرط أن تكون الوسيلة مباحةً أو فرضاً، أما إن كانت الوسيلة حراما، فلا تجعلها الغاية مباحة ومبرَّرة، بل تبقى الوسيلة حراماً. ومن هنا كانت الغاية لا تبرر الوسيلة، أي الغاية الواجبة أو المباحة لا تجعل الواسطة المحرمة مباحة، فلا يُتوصل للنصر بالغدر، ولا يُتوصل للفتح بنقض العهد. فكما أن الغاية يجب أن تكون مما أتى به الشرع، كذلك يجب أن يكون ما يُوصل إلى هذه الغاية مما أجازه الشرع؛ لأن الغاية والواسطة كل منهما من فعل العبد، والذي يجعل هذا الفعل مباحاً أو محرما، هو الدليل الشرعي، وليست النتائج التي تنتج عن الفعل، ولا الغاية التي يُهدف إليها، قال الله تعالى: ﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ﴾ [المائدة: 49]، فالحكم بما أنزل الله، وليس الحكم بما نتج عن الأعمال، أو بما تُوصِل إليه هذه الأعمال، فيكون حكم الواسطة كحكم الغاية، وهو الدليل الشرعي، أي أن كون الدليل الشرعي هو الذي يقرر إباحة الغاية أو تحريمها، دليل على أن الغاية لا تبرر الواسطة؛ أي لا تجعلها مباحة إذا كان الدليل الشرعي قد جاء بتحريمها. ولذلك لا تكون الواسطة مباحة، لأن غايتها مباحة أو واجبة أو مندوبة، أو لأن غايتها فيها نفع أو خير أو نصر، بل تكون مباحة إذا أباحها الشرع، وتكون محرمة إذا حرمها الشرع؛ لأن كل فعل من أفعال المسلم، له دليل شرعي يُستنبط منه.
وهذا على النقيض من البراغماتية، وهي الغاية تبرر الواسطة، والتي هي ركن أساس من أركان المبدأ الرأسمالي، الذي نتج عن النظرية الميكافيلية، التي تقول: إن صاحب الهدف باستطاعته أن يستخدم الوسيلة التي يريدها، أيا كانت وكيفما كانت، دون قيد أو شرط. والميكافيلية مصطلح يعبر عن مذهب فكري سياسي أو فلسفي يمكن تلخيصه في عبارة "الغاية تبرر الواسطة حتى لو كانت مُحرّمة".
ومن أخطر أنواع البراغماتية في بلاد المسلمين؛ البراغماتية الملتحية، التي رضيت أن تكون مجرد أداة تستخدمها الأنظمة العلمانية، لتجميل صورتها القبيحة.
فالبراغماتية الملتحية، عقلية مهزومة ديدنها الانبطاح، فلو كانت في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لقالت: "يا عمر، لماذا فتحت على المسلمين جبهات حربية عسكرية في مصر وبلاد فارس وبلاد الروم، وعرَّضت دولة المسلمين للخطر العظيم، وقتل آلاف الجنود في حروب دامية تستمر سنين طويلة؟ ألا تنتظر حتى تصبح دولة الإسلام أقوى بكثير من هذه الدول؟ ألا تخشى لو طَبّقت الإسلام دفعة واحدة دون تدرُّج في البلاد المفتوحة، الإثقال على الناس ونفورهم من الإسلام، يا عمر؟!"
وللحيلولة دون الوقوع في سرطان البراغماتية في كيان دولة الخلافة، كانت المادة 183، من مشروع دستور دولة الخلافة، الذي أعدّه حزب التحرير: "الغاية لا تبرر الواسطة، لأن الطريقة من جنس الفكرة فلا يتوصل بالحرام إلى الواجب ولا إلى المباح. والوسيلة السياسية لا يجوز أن تناقض طريقة السياسة". (مشروع دستور دولة الخلافة)
بقلم: الأستاذ محمد صالح
رأيك في الموضوع