عَنْ عَائِشَةَ تَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ ﷺ قال: «إِذَا ظَهَرَ السُّوءُ فِي الْأَرْضِ أَنْزَلَ اللَّهُ بِأَهْلِ الْأَرْضِ بَأْسَهُ» قَالَتْ: وَفِيهِمْ أَهْلُ طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ قَالَ: «نَعَمْ، ثُمَّ يَصِيرُونَ إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى». رواه أحمد.
إن الدافع وراء الكتابة حول هذا الأمر هو مقدار حجم الهجمة الشرسة التي تستهدف أبناء المسلمين وبناتهم، أسرهم ومجتمعاتهم، قيمهم وأخلاقهم الفاضلة، وإن رهط الأكابر المجرمين من ساسة وقادة يعملون على برامج متسارعة ومتلاحقة تستهدف الإسلام وأهله وكل ما ينبثق عنه من عفة وطهارة وشرف، غايتهم إغراقنا في الرذيلة والفساد ﴿وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ﴾. وهذه البرامج تخضع بشكل مباشر لما يسمى منظمة الأمم المتحدة تحت مسمى الثقافة والحضارة والمدنية، وأداة التنفيذ هي أنظمة الحكم العميلة في بلاد المسلمين من قادة وزعماء وصفهم النبي ﷺ بالرويبضات، أي التافه الذي يتكلم في أمر العامة. وإن هؤلاء القادة يتعززون بالمعاصي ويتفاخرون بفعل المنكرات وحمايتها، ما أوصلهم إلى ذلٍ لا يفارق قلوبهم، فقادوا كل عمل يغرس الدياثة؛ فمنعوا الأب والأخ من الغيرة على شرف ابنته أو أخته والزوج على زوجته، ووضعوا لذلك قوانين تحت مسمى "العنف الأسري" من طرف الأب أو الزوج... معارضين نصوص كتاب الله تعالى وسنة رسوله ﷺ، حتى اتهموا الدين بالعنف والإرهاب، وأن هذه التشريعات لا تصلح لهذا الزمان ولا تتماشى مع حضارة الغرب والمدنية الحديثة! فالله تعالى يقول: ﴿وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً﴾. وقال ﷺ وهو يحمي الأسرة من الداخل فقال: «مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي المَضَاجِعِ».
فكانت الدياثة مذهبهم والتهتك والعري دينهم حتى يحرمهم الله تعالى الجنة أو ريحها، قال ﷺ: «ثَلَاثٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْعَاقُّ وَالِدَيْهِ، وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ الْمُتَشَبِّهَةُ بِالرِّجَالِ، وَالدَّيُّوثُ». رواه أحمد. وهو الذي لا يغار على عرضه. وقال ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ يَغَارُ، وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَغَارُ، وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِ» رواه مسلم والبخاري.
إن الناظر في هذين الحديثين يجد بشكل واضح أن الهجمة الشرسة هذه موجهة إلى وحي الله رب العالمين، والناظر إلى هذه الأحداث المتسارعة والنشطة للجمعيات النسوية والمعسكرات الصيفية والسفر إلى الخارج من غير محرم والدخول إلى المسابح المختلطة، والمظاهر التي نراها لدى الفتيات المترجلات المتبرجات المستهترات المتفلتات من الرقابة الأبوية والأخوية أو الزوجية إلا رقابة من يسعى إلى هدمهن وتدميرهن (أي الأنظمة والمؤسسات التي تشجع على هذا الأمر). وكذا الحال مع الشباب الذين يلبسون السراويل المقطعة ويضعون السلاسل الذهبية أو الفضية في أعناقهم أو الأقراط في آذانهم وأنوفهم حدث ولا حرج، إنه اعتداء على دين رب العالمين واغتيال له عندما تنتهك حرماته وتعطل أحكامه وتغيب عن الواقع بدعوى الحرية والمدنية والديمقراطية! إن الله رب العالمين يقول على كل هذه الزخارف والملذات: ﴿وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ * وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ﴾.
أيها القارئ الكريم: هل تذكرت يوم الحساب، يوم الرجوع للوقوف بين يدي الله تعالى، يوم البحث عن أمر يخلصك من أعمالك في الدنيا التي دمرت فيها دينك وأفسدت فيها حياتك واشتركت مع الشياطين وحزبهم في كل الأعمال القذرة يوم لا ينفع الندم أو التلاوم؟ قال تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ * وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ﴾.
وحتى نتصدى لكل هذا الفساد والإفساد وحتى نمنعهم من اغتيال ديننا وشريعة ربنا عز وجل وأن يطمسوا معالم سنة حبيبنا محمد ﷺ، لا بد من فضح مخططاتهم وكشف أساليبهم والتعرض لهم بشكل مباشر ومكشوف لأنهم لم يعودوا يحاربوننا من وراء حجاب، بل إنهم يستهدفون ديننا وعزنا وكرامتنا وقيمنا ورفعتنا صراحة، والله تعالى أمرنا أن نتمسك بكل ذلك فقال تعالى: ﴿فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ﴾.
هذا أمر الله تعالى لنبينا ﷺ ولنا؛ أن نتمسك بالوحي وأن نطيع الله تعالى ورسوله ﷺ وأن نتفاعل مع هذا الدين بكل حبٍ وتقدير واحترام حتى يزداد إيماننا ونتميز بصفة المؤمنين حقا. قال تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾.
إنهم يحاربون فطرة الله التي فطر الناس عليها، إنهم شياطين في جثمان إنس، وقد أمرنا الله تعالى بعدم اتباع خطوات الشيطان، فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالاً طَيِّباً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾.
إن كل ما يحدث في هذه الهجمة هي قول على الله بما لا يعلمون، ينصبون أنفسهم آلهة على العالم حتى يدمروه. ولقد جاء في الصحيح عند مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئاً! قَالَ: ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ. قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ». لاحظ أخي المسلم أن من أعظم الفتن هدم الأسرة والتفريق بين الزوجين وتشريد الأولاد والتحلل من القيم والفضيلة والعفة والطهارة.
أيها المسلمون: إن هذه الهجمة الشرسة لا يتصدى لها التصدي المطلوب سوى دولة الخلافة وجيشها الحامل لدعوة الإسلام والحامي لبيضتها، وكل مسلم يجب أن يكون مضطلعا بمسؤوليته ومتمسكاً بالأمانة التي حمله إياها الإسلام «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ...»، يجب عليه التصدي لهذه البرامج التي تدمر الدين وتغتاله، وهذا التصدي واجب على جميع الأمة رجالا ونساءً، والكل مدعو للوقوف أمام الحكام الرويبضات الذين لا يعرفون للدين حرمة ولا يقدرون الأعراض فهم الشر بعينه وهم الخطر الداهم، فإذا لم نعمل على التصدي لهم طالنا عقاب الله تعالى. قال ﷺ: «مَا مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي هُمْ أَعَزُّ مِنْهُمْ وَأَمْنَعُ لَا يُغَيِّرُونَ إِلَّا عَمَّهُمْ اللَّهُ بِعِقَابٍ» ابن ماجه.
بقلم: الأستاذ سعيد الكرمي
رأيك في الموضوع