لا شك أن المرأة اليوم تقف وحيدة بعد أن فشل المبدأ الرأسمالي الغربي في الحفاظ على حقوقها وأهمل رعاية شؤونها من حيث كونها إنسانة، لأنه حصر دورها في التنافس مع الرجل وتولي المناصب في العمل والمساواة بالراتب وتحقيق "كيانها" و"استقلاليتها"، إلا أن هذا المصطلح في حقيقته مصطلح يرعب النساء، فهو يطالب بأن تتحول المرأة إلى كل المهام التي يقوم بها الرجل فتتحمل عبء ما لا تطيقه بخروجها جبراً عنها إلى سوق العمل بسبب الأوضاع الاقتصادية الضيقة، بالإضافة إلى القيام بأعباء المنزل وتربية الأبناء، ناهيك عن أنه لا يوجد تعريف واضح لمصطلح المساواة التي تصل إلى حد إلغاء صفة الأنوثة أو الذكورة في الجنس البشري!
وفي حقيقة الأمر أن الغرب الكافر قد اصطنع "خرافة المساواة بين الجنسين" بغرض التكسب الاقتصادي من المرأة، وغطى على هذه الخرافة بأكذوبة "حقوق المرأة"، فالعالم يُحكم بالقوانين والدساتير الوضعية التي انحدرت بالبشرية في كل مجالات الحياة، والذي دفع ثمن ذلك الانحدار إثر تطبيق المبدأ الرأسمالي المتخلف هو المرأة. فهذه المنظومة الفاسدة قد جعلت من المرأة سلعة تباع وتُشترى إشباعاً لشهوات رجال الأعمال، ويكفي أن تتابع بعض الإعلانات التجارية على القنوات الفضائية لترى أن المرأة حُصرت في نموذج "المرأة الجميلة أو المرأة الغبية"، فالرأسمالية حرمت المرأة من أن تكون عِرضاً يُصان وأماً وربة منزل متعلمة ومثقفة وناجحة ومبدعة في مجال العمل بما يتناسب مع قيامها بدورها الأساسي الذي اختاره لها الله تعالى وعاشت به مصانة لمئات السنوات في ظل الخلافة. إلا أن الدولة العلمانية والمجتمع الذي يقيس الأمور بمقياس المصالح والمنفعة المادية قد رمى بالمرأة لتصارع أمواجاً متلاطمة في بحر النظام الاقتصادي الرأسمالي الشرس لتنافس الرجل في سوق العمل لقاء لقمة العيش، بينما أمر الله تعالى الرجل بالتكفل بكامل نفقات المرأة في الإسلام، إن كانت والدته أو زوجته أو ابنته أو خالته أو عمته، بل وأمر الدولة بنفقتها وسد احتياجاتها كاملة إن لم تجد من يكفلها من أهلها. فإن دراسة الواقع تؤكد استحالة المساواة بين المرأة والرجل وأنها مجرد وهم جر المرأة لمستنقع الحياة الرأسمالية القاسية الغامضة، فالعلاقة بين المرأة والرجل في الإسلام هي علاقة مفصلة لا لبس فيها ولا تشويش، تغشاها رحمة الله، قال الله تعالى في سورة التوبة: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾.
وبالإضافة إلى دراسة الواقع والتثبت من أن المساواة بين المرأة والرجل مستحيلة وكانت من نتائجها ظهور المرأة المسترجلة والرجل المخنث وانتشر الشذوذ بين الناس بسبب الحريات وبسبب هذا المفهوم الخطير، فإن الغرب ذاته يعترف بفشله في قضايا المرأة عندما ينظر إليها من وجهة نظر خرافة المساواة، فالفشل أبعد من أن يكون فشلاً في المساواة بين المرأة والرجل كما جاء في الخبر التالي: (تفاقمت مشكلة عدم المساواة بين الجنسين خلال عام 2017، وذلك للمرة الأولى في التاريخ، بحسب بيانات مؤشر الفجوة بين الجنسين الذي يصدره "منتدى الاقتصاد العالمي". وأظهر المؤشر أنه منذ عام 2006 بدأ اتساع الفجوة بين الرجال والنساء، قبل أن تصل في 2017 إلى نسبة 68%. ووفقاً لتقرير المؤشر الذي نشرته وكالة "سبوتنيك" الروسية الخميس، فقد قارن مُعدّو الدراسة الخاصة وضع النساء والرجال في 144 بلداً حول العالم بالمؤشرات الرئيسية: الحصول على خدمات صحية، ومستوى المعيشة، والتحصيل العلمي، والفرص الاقتصادية والنشاط السياسي). (الخليج أونلاين).
إن المنظومة الغربية التي طُبقت على البشرية على مدى مائة عام، بعد أن غُيب حكم الإسلام عن العالم بعد هدم الخلافة العثمانية سنة 1924م، هي منظومة فاشلة في رعاية شؤون الإنسان، رجلاً كان أم امرأة، فكلٌ له احتياجاته المختلفة، وقد خلقهم الله تعالى وحدد لهم أدوارهم في هذه الحياة، ومَن أعلمُ مِن خالق الإنسان بحال المرأة وحال الرجل؟ فلم يستخدم الإسلام مصطلح المساواة بين المرأة وبين الرجل؛ لأن الإسلام جاء لينظم وليعالج وليضع الحلول الجذرية لمشاكل الإنسانية باختلافاتها، فجعل الإسلام للمرأة والرجل علاقة مميزة وخصها بأحكام شرعية بما يتوافق مع فطرتهما، وهذه الأحكام هي مواد الدستور في دولة الخلافة، ونقتبس هنا من مشروع دستور الخلافة لحزب التحرير:
المادة 114 – تُعْطى المرأة ما يُعْطى الرجل من الحقوق، ويُفْرَضُ عليها ما يُفْرَضُ عليه من الواجبات إلا ما خصها الإسلام به، أو خص الرجل به بالأدلة الشرعية، فلها الحق في أن تزاول التجارة والزراعة والصناعة وأن تتولى العقود والمعاملات، وأن تملك كل أنواع الملك، وأن تنمي أموالها بنفسها وبغيرها، وأن تباشر جميع شؤون الحياة بنفسها.
المادة 116 – لا يجوز أن تتولى المرأة الحكم، فلا تكون خليفة ولا معاوناً ولا والياً ولا عاملاً ولا تباشر أي عمل يعتبر من الحكم، وكذلك لا تكون قاضي قضاة، ولا قاضياً في محكمة المظالم، ولا أمير جهاد.
المادة 120 – الحياة الزوجية حياة اطمئنان، وعشرة الزوجين عشرة صحبة. وقوامة الزوج على الزوجة قوامة رعاية لا قوامة حكم وقد فرضت عليها الطاعة، وفرض عليه نفقتها حسب المعروف لمثلها.
إن الحل اليوم ليس في تكريس خرافة المساواة بين المرأة والرجل التي فرضها الغرب الكافر المستعمر على بلاد المسلمين وانبرت الأنظمة الحاكمة الفاسدة لتنفيذها، بل الحل هو في الرجوع إلى الإسلام، ويجب العمل لفضح هذه الكذبة التي أرهقت النساء المسلمات وغير المسلمات وأقضت مضاجعهن، فهي ضد الدين وضد الفطرة السليمة؛ فالمرأة المسلمة تعرف حقوقها الشرعية وواجباتها ولكن النظام الرأسمالي المطبق قد زج بها في دوامة العري والانحلال والاختلاط ودنيا الأعمال، فلن تجد المرأة الكرامة ولن تُسر بآدميتها إلا في ظل الإسلام، فالمرأة ليست وحيدة والحل الوحيد للخروج من مآزق العيش بالرأسمالية العلمانية الجبرية هو العمل لإسقاط هذا المبدأ الكافر الذي تحمله البلاد الغربية الاستعمارية السرطانية والذي نشرته وسممت به بلاد المسلمين، ففي دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة القائمة قريبا بإذن الله تعالى ستعيش المرأة في ظل دستور وقوانين ربانية وستنعم بحياة إسلامية تصون كرامتها وتحفظ حقوقها وتوفر لها وللرجل حياة مطمئنة غير معقدة وعملية ومحددة التكاليف.
بقلم: غادة محمد حمدي
رأيك في الموضوع