تكون الأيام الأولى في حياة أي طفل مولود أيام فرح وسرور لعائلته وذويه، لكن في غياب الراعي وولي الأمر المسؤول عن رعيته فإن الحال مختلفة في غزة هاشم. فهي عند البعض أيام معاناة وقلق وانتظار... وبعدها أيام حزن وعزاء ومواساة...!! فهناك أطفال يولدون وعندهم مشاكل صحية تقتضي العلاج العاجل، ولكن مستشفيات غزة حاليا غير مؤهلة للعلاج بسبب تدهور الوضع الصحي فيها وافتقارها للمعدات والأدوات والأدوية بسبب الحصار الذي يدخل عامه الحادي عشر فيها، ناهيكم عن انقطاع الكهرباء ونقص الماء... مما يضطرهم إلى السعي لنقلهم إلى مستشفيات خارج غزة سواء في القدس أو الضفة الغربية أو الموجودة في كيان يهود... ولكنهم يصطدمون بصخور إجراءات التحويل والموافقة عليها سواء من كيان يهود أو من"السلطة الفلسطينية"، والتي - إن جاءت - تأخذ وقتا لا يتحمله هؤلاء المرضى فيتوفاهم الله قبل ذلك، كما حصل مؤخرا لأربعة أطفال حديثي الولادة الذين أكدت وزارة الصحة بغزة وفاتهم بسبب رفض السلطة الفلسطينية تحويلهم للعلاج خارج القطاع، ليرتفع عدد الوفيات بسبب مشاكل التحويلات الطبية منذ بداية العام 2017 إلى 12 مريضا نصفهم من الأطفال.
وقال أشرف القدرة الناطق الرسمي باسم وزارة الصحة بغزة - في حديث للجزيرة نت - إن هناك 1700 حالة عاجلة لا تزال تنتظر تحويلاتها العلاجية من قبل "السلطة الفلسطينية"، مشيرا إلى أن ما يتم الرد عليه فقط لا يتجاوز 10% من مجمل الحالات.
وكانت السلطة قد اتخذت مؤخرا سلسلة من الإجراءات كوسيلة ضغط على حماس للتخلي عن سيطرتها على القطاع وإعادته لسلطة عباس شملت الكهرباء والرواتب الحكومية وتقليصاً كبيراً للأدوية والمعدات الطبية، وكذلك التحويلات للمرضى، مما زاد في معاناة الناس فيه وجعل الوضع الصحي يقترب من حافة الانهيار. وحمّل القدرة الاحتلال والسلطة مسؤولية وقف التحويلات الطبية لمرضى قطاع غزة، واتهمهما بتبادل الأدوار، فالسلطة ترفض توريد الأدوية لمستشفيات قطاع غزة، وتهمل الرد على التحويلات المرضية، في حين يمنع الاحتلال أهالي المرضى الذين تتم الموافقة على تحويلاتهم، لتتفاقم معاناة مرضى القطاع. وقال بعض من يحاولون مغادرة القطاع للحصول على علاج طبي في كيان يهود والأردن والضفة الغربية إنهم واجهوا تأخيرات غير معتادة في الحصول على الوثائق الضرورية من السلطة الفلسطينية خلال الشهرين الماضيين. وقالت منظمة "أطباء لحقوق الإنسان" إن 90% من أهل فلسطين الذين طلبوا الحصول على تصاريح خلال شهري أيار وحزيران المنصرمين لم يحصلوا حتى الآن على رد، وأن 10 وثائق فقط من أصل 120 تُقدم يوميا بالمعدل تحصل على الموافقة، بما في ذلك أشخاص مع أمراض مزمنة ليس بمقدورهم الحصول على العلاج الذي يحتاجونه في غزة.
وكأنه لم يكف عباس وسلطته الورقية تنازلهم عما تبقى من فلسطين، لم يكفهم تخاذلهم واستخذاؤهم وتبعيتهم المطلقة لإملاءات يهود...، فاستغلوا مرض الأطفال والنساء والشيوخ كورقة ضغط على حماس، ولم يسلم حتى الأطفال الرّضع من تآمرهم وصراعهم على الكراسي غير آبهين بتلك الأرواح الطاهرة التي ترتفع إلى بارئها تشكو ظلم البشر، وتشكو حال الأمة في غياب راعيها وحاميها الخلافة، التي ترعى الصغير والكبير في كل أحواله واحتياجاته، فمنذ زمن رسول الله e حتى سقوط دولة الخلافة العثمانية والدولة تولي قطاع الصحة اهتمامًا كبيرًا، من بناء خيم لعلاج الجنود المصابين وتقديم الرعاية الطبية لهم في الغزوات، إلى بناء المستشفيات لخدمة الناس وراحتهم بغض النظر عن العرق أو الدين أو الجنس... مثل مستشفى المنصوري الذي أُنشئ في القاهرة عام 1283م، والذي كان يتسع لأكثر من 8,000 مريض، لكل واحد فيه ممرضان اثنان، وسرير وفراش ووعاء أكل خاص به، حتى يتوفر له كامل الراحة والعلاج بالمجان. والمستوصفات والعيادات المتنقلة التي ترعى ذوي الاحتياجات الخاصة والذين يعيشون في المناطق النائية. بل وأيضا إذا أصبح المريض في دور النقاهة أدخل القاعة المخصصة للناقهين، حتى إذا تمَّ شفاؤه أُعطي ثيابًا جديدة، ومبلغًا من المال يكفيه إلى أن يصبح قادرًا على العمل! وذلك حتى لا يضطر إلى العمل في فترة النقاهة فتحدث له انتكاسة!
كل ذلك أمثلة قليلة على اهتمام الدولة الإسلامية بشئون الرعايا وحاجاتهم الطبية آنذاك. ولقد توافرت دائمًا مراكز الرعاية الصحية الرائدة في العالم وطواقم الخدمات الطبية وصناعة الأدوية، وكان حكام الدول الأجنبية يذهبون إلى دولة الخلافة لتلقي العلاج فيها. وإن دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة القائمة قريبا بإذن الله ستوجد نظام رعاية صحية يؤمن الاحتياجات الطبية لجميع الرعايا، بغض النظر عن العرق أو الدين أو المذهب أو الجنس، إذ إن توفير الرعاية الصحية والطبية هما من واجبات الدولة، ويجب أن تكون بمتناول جميع رعاياها بسهولة، فيجب توفير العيادات والمستشفيات والمرافق العامة لعلاج الناس، وجميع الخدمات الصحية مجانًا للجميع... فلا تسل حينها عن مدى الطمأنينة التي ينعم بها الفقير في المجتمع الإسلامي عندما يعلم أنه إذا مرض فسيجد مثل هذا المستوى من الرعاية المجانية دون أن يحتاج إلى إراقة ماء وجهه أو البحث عن وساطات أو شفاعات أو تنازلات لينال ما يستحق من الاهتمام والعلاج، أو يمد يده متسولاً ليتم علاجه، أو أن يموت أو يرى موت أحبائه أمام ناظريه وهو يقف مكتوف اليدين عاجزا عن مساعدته أو تخفيف آلامه كما هو حاصل الآن في النظام الرأسمالي الذي لا يهتم بالإنسان إلا بقدر منفعته لهم، فأصبح العلاج والمستشفيات تجارة ومراكز استثمارية تقدم العلاج فقط لمن يملك ثمنه الباهظ! وورقة ضغط سياسية يكون ضحيتها المرضى...
فكم من فرحة أمّ في فلسطين لم تكتمل بوليدها، وكم من ترقب وأمل انقلب إلى حزن وألم لوفاة الأم أو الجنين أو كليهما على حواجز نصبها الاحتلال بين المدن والقرىتمنع التنقل بينها ولا رقيب ولا حسيب! وكم من طفل وامرأة وشيخ في غزة مات وهو ينتظر السماح له بالعلاج خارج القطاع، ولا حتى اعتراض من سلطة عباس، بل بالعكس يشاركون في هذه المعاناة!!... فالأمة يتيمة لا أمّ لها ولا راعيَ يرعاها بغياب الخلافة التي ترعى شؤون الجميع... فيوما بعد يوم وساعة بعد ساعة، وكلما مشينا وأينما نظرنا في كل الميادين والاتجاهات نرى الحاجة الماسة للخلافة، فلا خلاص لأطفال المسلمين وحرائرهم إلا في ظل الخلافة على منهاج النبوة التي ستقوم قريبا بحول الله تعالى.
بقلم: مسلمة الشامي (أم صهيب)
رأيك في الموضوع