أقام حزب التحرير/ ولاية السودان منتدى قضايا الأمة الشهري، يوم السبت 7 جمادى الآخرة 1441هـ الموافق 1/2/2020م، الذي جاء بعنوان: (ملف السلام، ومسارات جوبا).
تحدث فيه الأستاذ/ يعقوب إبراهيم، والأستاذ/ النذير مختار، عضوا حزب التحرير/ ولاية السودان.
بدأ الحديث الأستاذ/ يعقوب إبراهيم مقدماً ورقة بعنوان: (ملفات السلام في السودان ومسارات التفاوض)، بين فيها أن الغرب المستعمر هو الذي صنع الدويلات الوطنية بعد هدم دولة الخلافة عن طريق سايكس بيكو، وقال: هي دويلات ضعيفة، مما جعلها ساحة لصراع الدول الاستعمارية التي صنعت حكومات موالية لها تتآمر على رعاياها، واستدل بتصريح مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أخيم شتاينر، لوكالة الصحافة الفرنسية خلال زيارته للسودان: "عندما تعمد حكومة ما إلى تركيع شعبها لعقود، فمن البديهي أن يلتفت هذا الشعب بعد ذلك إلى المجتمع الدولي، ليكون جزءاً من جهود إنهاضه، وأعتقد أن هذا ما يدفعنا إلى تصويب الأنظار إلى السودان في الوقت الراهن". (الشرق الأوسط 31/1/2020م).
وبين أن المشكلة هي غياب الدولة المبدئية، حيث إن الأنظمة التي تعاقبت على الحكم، طبقت أنظمة علمانية عميلة، أفقرت البلاد والعباد، فأنشأ الغرب المستعمر حركات مسلحة، وتكتلات غير مسلحة، مستغلة حاجة الناس للتغيير.
وبين أن بريطانيا خلقت واقع الانفصال في الجنوب في وقت مبكر منذ العام 1922م بقانون المناطق المقفلة، وأن أمريكا، أنشأت الحركة الشعبية في العام 1983م. حتى بترته عبر عميلها البشير، ثم اشتعلت دارفور، بسبب إهمال الحكام رعاية أهلها، وبين أن الحكومة السابقة ساهمت في إشعال الفتن بين القبائل بتسليح بعضها، فبدأ التمرد، وأنشأ الغرب حركات مسلحة كثيرة في دارفور أهمها؛ حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد، وحركة العدل والمساواة، ويقودها جبريل إبراهيم، وحركة مناوي التي انسلخت من جيش تحرير السودان، وهكذا فإن للتدخل والتحريك الخارجي دوراً رئيساً في تفاقم مشكلة دارفور.
وقال: إن الحكومة البائدة قدمت الترضيات والمحاصصات كعلاج، كما في اتفاق نيفاشا، والدوحة، وبين أن الحكومة الانتقالية اليوم تستنسخ تجارب النظام السابق، وهذا بارز في مفاوضات جوبا، التي تسير في مسارات إقليمية منفصلة، كأنَّ هؤلاء الناس لا تربطهم رابطة. وقال وُضعت المفاوضات على خمسة مسارات هي: إقليم دارفور، ولايتا جنوب كردفان، والنيل الأزرق، وشرق السودان، وشمال السودان، ووسط السودان، وبين أن تفتيت المسارات هكذا هي تهيئة أبناء هذه المناطق للانفصال.
وقال إن الاتفاق اشتمل على نقاط خطيرة جداً منها: "منح ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق وضعا خاصاً"، و"السماح لولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق بسن قوانينها"، وقال هذا يعني البدء في تأسيس دويلة تنفصل عن المركز بقوانينها وتشريعاتها.
وقال إن عقلية الحكومة الانتقالية هي نفسها العقلية التي أدار بها النظام البائد ملفات السلام، مما يؤذن بمزيد من التفتيت، وهو يعني ما يلي:
أولاً: تعريض السودان للتفتيت في نسخته الثانية، عبر المطالب الإقليمية، وظهور نداءات باسم ممالك وثنية عفى عليها الزمن (كوش) وغيرها!
ثانياً: تغيير هوية أهل البلاد، وإعلان علمانية السودان صراحة، ويبرز ذلك في موقف الحلو.
ثالثاً: استمرار الأوضاع الاقتصادية والأمنية، ودخول أجندات لا علاقة لها بما يعانيه الناس.
وختم كلامه بالنقاط الآتية:
1/ إن المحطات التي تمر بها مفاوضات جوبا، هي نفسها محطات الحكومة البائدة، وتصب لصالح مخططات الدول الاستعمارية.
2/ إن أفكار الحكم الذاتي، والفيدرالية، وحق تقرير المصير، وراءها الغرب المستعمر، وتعني التفتيت.
3/ إن النظرة إلى الحكم باعتباره مغنما، وحصصاً توزع، يفسد الحياة السياسية في البلاد، ويجعل السياسيين مطية لتثبيت أقدام المستعمرين.
أما الورقة الثانية فقد قدمها الأستاذ النذير مختار، التي جاءت بعنوان: (المعالجات)
بين فيها أن أهم أسباب النزاعات والحروب هي محور الظلم، وبين أن التمرد بسبب هذه الحكومات نتيجة للظلم السياسي الواقع على الناس في أطراف البلاد أو وسطها، وقال إن هذا الظلم إنما هو ثمرة مُــرة لعدم تطبيق شرع الله، أي للحكم بغير ما أنزل الله، واستدل بقول الله تعالى في كتابه: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ وقال لا فرق في ذلك بين الحكومات العسكرية أو المدنية، وقال إن سبب الظلم هو غياب الفكرة المبدئية الأساسية لتوزيع الحقوق والواجبات، وأن هذه الفكرة في الإسلام الذي أوجب رعاية شؤون الناس ليسود العدل والسلام، وقال إن الحكام في الإسلام (الخلفاء) يحسون بالمسؤولية على رعيتهم، بل حتى على البهائم فضلاً عن البشر، مستدلاً بقول الخليفة عمر بن الخطاب: "لو عثرت بغلة في العراق لخفت أن يسألني الله لِمَ لَمْ تسوِ لها الطريق يا عمر".
وبين أن حقيقة الحكم في الإسلام رعاية ومسؤولية وأمانة، وليس كيكة ومغنما، واستدل بقول النبي e: «الإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».
وقال إن دولة الخلافة هي دولة رعوية لا تعرف ما يسمى بصراع المركز والهامش أو ثورات الريف، والمحاصصات ولا الجهويات، بل تعرف الأهلية والكفاءة، وأشار إلى خطورة الحكم الفيدرالي الذي هو شرارة الحكم الذاتي الذي هو طريق الانفصال وتمزيق البلاد.
وقال إن دولة الخلافة لا تميز بين أفراد الرعية في ناحية الحكم أو القضاء: ﴿وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ﴾.
وأكد أن من واجب الدولة في الإسلام أن ترفع الظلم، ولا تهادن القتلة بل تقاتلهم حتى يضعوا أسلحتهم، وأشار إلى خطورة ما يسمى بتقسيم السلطة والثروة، مع من يقتل الناس ويروع الآمنين، وقال إن الحكم الذاتي خطير إذ يجعل الولاة يستغلون السلطة ويتقوون بأهلهم مما يؤدي إلى تمزيق البلاد، وفي الإسلام يجب قتال كل من يعرض وحدة البلاد إلى الخطر، مستدلاً بقول النبي عليه الصلاة والسلام: «إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الآخِرِ مِنْهُمَا».
وقال إن العمل الصحيح لتصحيح الأوضاع وإيقاف هذه المهازل هو إيصال الإسلام إلى الحكم عبر إقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
وكانت فقرة التفاعل غنية بالمشاركات من أسئلة وتعقيبات الحضور من سياسيين وإعلاميين، ومهتمين بالشأن العام، حيث أجاب المتحدثان على المداخلات بشكل موفق ولله الحمد.
في ختام المنتدى شكر مقدمه المهندس أكرم سعد الحضور على المشاركة وحسن الاستماع.
بقلم: الأستاذ محمد جامع (أبو أيمن) - الخرطوم
مساعد الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع