ذكرت وكالة أنباء رويترز 22/7/2019؛ (بأن بريطانيا قد دعت لتشكيل قوة أمنية بحرية بقيادة أوروبية؛ لتأمين حركة الملاحة في مضيق هرمز، بعد أيام من احتجاز إيران لناقلة ترفع علم بريطانيا، فيما وصفته لندن بأنها (قرصنة دولة). وقال وزير خارجية بريطانيا جيريمي هنت أمام البرلمان: سنسعى الآن لتشكيل قوة أمنية بحرية بقيادة أوروبية؛ لدعم المرور الآمن للطواقم والحمولات في هذه المنطقة الحيوية، وقال: إن القوة الجديدة (لن تكون جزءا من سياسة الولايات المتحدة)؛ للضغط بأقصى قوة على إيران؛ لأننا لا نزال ملتزمين بالحفاظ على الاتفاق النووي الإيراني..) فما حقيقة هذا الصراع المحتدم؟. وما حقيقة هذه التهديدات والتهديدات المضادة؟ وماذا تريد إيران من تسخين الأجواء في الخليج ومضيق هرمز؟ وماذا تريد بريطانيا من وراء تشكيل قوة بحرية أوروبية منفصلة عن أمريكا وحلفها في الخليج؟ وهل حقيقة تريد إيران إجبار أمريكا للقبول برفع الحظر والعقوبات المفروضة عليها، واستئناف العمل بالاتفاق النووي الموقع سابقا؟ ومن هو الخاسر والرابح الأكبر في هذه المناورة السياسية والعسكرية الحساسة؟
قبل الإجابة عن هذه الأسئلة؛ لا بد أن نذكر بحقيقة موضوع العقوبات على إيران، وما تفعله أمريكا سابقا ولاحقا، ونذكر أيضا بعض الحقائق المحيطة بهذه الأحداث والدوافع لها.
1- الصراع السياسي والعسكري لم يهدأ طوال السنوات السابقة على هذه المنطقة الحساسة من العالم، وذلك لأسباب عديدة منها: قربها من السعودية والخليج، ومنابع البترول المهمة والكبيرة، ووقوعها في منطقة استهلاك وسوق تنافسية استهلاكية كبيرة للبضائع والصناعات الغربية، ووقوعها على مضيق هرمز؛ المعبر البحري الحساس، توسط منطقة الصراع لدول كبيرة في الشرق الأوسط؛ مثل العراق وتركيا والسعودية، وتأثير إيران في قضايا حساسة؛ مثل الصراع بين يهود والمسلمين، ومستقبل عملية (السلام) مع يهود ومستقبل الصراع في سوريا ولبنان.
2- هناك محاولات عديدة من الاتحاد الأوروبي والصين للانعتاق من الهيمنة الاقتصادية الأمريكية، وفي المقابل هناك محاولات أمريكية لإحكام طوق السيطرة والسطوة الأمريكية على هذه الدول، والقضية الإيرانية تندرج ضمن دائرة هذه السياسات الأمريكية المقصودة لفرض الهيمنة الاقتصادية والسياسية على العالم.
3- إن أمريكا هي التي دعت إلى فرض العقوبات على إيران منذ بداية الثورة؛ وكان أبرز هذه العقوبات سنة 2002 وحتى سنة 2012؛ وهو آخر قرار في تشديد العقوبات، قبل رفعها في عهد أوباما، وهي أيضا التي مهدت الطريق لرفع العقوبات عنها، ووقعت اتفاق لوزان سنة 2015 في سويسرا. وشاركتها في ذلك الدول الأوروبية؛ على رأسها بريطانيا وألمانيا وفرنسا، وشاركتها أيضا روسيا والصين؛ وكان من أبرز بنود هذا الاتفاق:
1- تشارك إيران في التعاون الدولي في مجال الطاقة النووية السلمية، وقد يشمل ذلك بناء المحطات النوويةوالمفاعلات النووية للأبحاث والمجال الآخر؛ للتعاون في مجال السلامة والأمن النووي.
2- ينهي الاتحاد الأوروبي كل الحظر الاقتصادي والمالي المرتبط بالبرنامج النووي.. كما ستوقف الولايات المتحدة تنفيذ الحظر المالي والاقتصادي الثانوي المرتبط بالبرنامج النووي؛ تزامنا مع تنفيذ إيران لالتزاماتها النووية الرئيسة، عبر مراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
3- يتمّ إصدار قرار جديد من مجلس الأمن الدولي يؤيد فيه البرنامج الشامل للعمل المشترك، وستُلغى فيه كل القرارات السابقة المرتبطة بالموضوع النووي، وستوضع بعض التدابير المقيدة المحددة لفترة زمنية متفق عليها.. وجرى على إثر هذا الاتفاق توقيع عقود واتفاقات تجارية مع الدول الأوروبية، خاصة مع ألمانيا؛ حيث وقعت عقود تجارية ونفطية كبيرة تصل إلى مليار دولار خلال عشر سنوات قادمة.
من خلال النظر في هذه الأمور الثلاثة، نرى أن أمريكا افتعلت المشكلة مع إيران وذلك لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية على المستوى الإقليمي والدولي. وليس المقصود إيران بالدرجة الأولى، ولا الموضوع النووي؛ إنما هي شماعة وذريعة لتحقيق هذه الأهداف. فإيران لا تهدد بمشروعها النووي السلم الدولي، ولا الإقليمي؛ لأنه تحت السيطرة والمراقبة الدولية. وإيران لم تخرج يوما (عمليا) عن سياسات أمريكا في المنطقة، ولم تتعرض لها رغم أن أمريكا قامت وما زالت بأعمال سياسية وعسكرية كبيرة في المنطقة؛ على رأسها الحرب على الإسلام، والحرب في الشام، والحرب على العراق وأفغانستان سابقا. وإيران لم تتخلف عن أيٍّ من هذه الأعمال الكبرى في خدمة السياسة الأمريكية. بل إن إيران وباعتراف كبار الساسة فيها دعمت هذه المشاريع، وتعزز أعمال أمريكا في السيطرة على المنطقة سياسيا وعسكريا. أما موضوع التصريحات التي تتناولها وسائل الإعلام، أو بعض الساسة في إيران ضد أعمال أمريكا في الخليج؛ فإنها لا تغير من الحقيقة شيئا، إنما هي كتصريحاتهم بالصلاة في القدس، وإزالة كيانيهود من الوجود، وتدمير أمريكا. إن أمريكا تشعل المنطقة بالتهديد والوعيد الإيراني ضد أوروبا، وتمثل دور الشرطي والحارس في هذه المنطقة الحساسة من العالم وذلك لتحقيق أهداف عديدة منها:
1- إجبار الدول الأوروبية على الخضوع لإملاءات أمريكا في الشرق الأوسط، وعدم وقوفها في وجه مشاريعها الدولية؛ الاقتصادية والسياسية خاصة موضوع هيمنة الدولار، ومحاولات الانفكاك منه بالتعاون مع الصين وروسيا. وتسليط سيف العقوبات على ألمانيا على وجه الخصوص؛ وذلك بسبب معاكساتها الكثيرة لسياسات أمريكا؛ ومنها دعم أوكرانيا للانضمام للاتحاد الأوروبي، وتعاونها مع الصين في مجال الاتصالات، وتقديم ضمانات ائتمانية للشركات الألمانية التي تتعامل مع طهران، ومنها كذلك عدم مشاركة أمريكا للقوة البحرية.
2- جر الدول الأوروبية عسكريا إلى مستنقع الخليج، وإشعارها أن القادر الوحيد على القيام بشرطي المرور هي أمريكا.. خاصة أن أمريكا سوف تفتعل مشاكل كثيرة للسفن الأوروبية؛ العسكرية والتجارية، وستلجئها في النهاية للانضمام إلى حلفها من أجل الحماية ومواجهة الخطر الإيراني.
3- استنزاف أوروبا اقتصاديا في موضوع مفتوح لا يُعرف أوله من آخره، ولا تستطيع الدول الأوروبية حسمه سريعا؛ بسبب تصلب الموقف الإيراني، وأسلوب التحدي والتحدي المقابل. وهذا بالتالي يشعر أوروبا بحجمها الاقتصادي، وحاجتها لمساعدة أمريكا، ودول المنطقة لتنفيذ مثل هذه المشاريع.
وهناك أهداف أخرى ترسمها أمريكا؛ تتعلق بإقامة حلف عربي عسكري يخدم المشاريع الأمريكية... والابتزاز المالي لدول الخليج بسبب هذا التهديد المفتعل. وكذلك التمهيد لإجبار يهود على السير ضمن مخططات أمريكا في حل القضية الفلسطينية وإشعارها أنها الوحيدة القادرة على حمايتها.
أما ردة الفعل الأوروبية وعلى رأسها بريطانيا وألمانيا فإن هذه الدول تدرك تماما ماذا تريد أمريكا، وتدرك الخطر الكبير على اقتصادها من خلال إلغاء العقود التجارية، والنفطية مع إيران، وتدرك معنى إبرام اتفاق جديد تستأثر فيه أمريكا بما تريد، وتفرض ما تريد على المجتمع الدولي، وتستثني من العقوبات من تريد تجاه إيران، وتدرك ما معنى تصعيد التوتر في الخليج، وفي المعابر المائية، وتدرك جيدا من وراء ذلك. فهي تدرك أن أمريكا جاءت بأساطيلها بترتيب وتنسيق كامل مع إيران، وتدرك أن تسخين إيران للأجواء ليس المقصود منه أمريكا. وتدرك أن إيران ستقوم بردات فعل كثيرة داخل مياه الخليج، وأنها ستكون المستهدف الأول. وفي الوقت نفسه تدرك هذه الدول أنها غير قادرة فعليا على مواجهة تحديات تقف أمريكا وراءها. وأن حلفها لن ينجح بالاستمرار لمدة طويلة.
إن الأمر المؤسف في مثل هذه الصراعات بين الحيتان الضارية؛ هو أن مقدرات المسلمين وأموالهم هي وقودٌ لهذه المعارك. وأن الشعوب تجوع وتعرى وتموت بسبب الحصارات الاقتصادية، من أجل خدمة أمريكا ومخططاتها.
إن هذه الأحداث وغيرها الكثير في البلاد الإسلامية؛ يجب أن تدفع الشعوب للانعتاق من عبودية أمريكا، وذلك أولا بالانعتاق من هؤلاء الحكام، الذين يشكلون المعاول بيد أمريكا.. لذلك يجب على الشعوب إذا أرادت الحياة الحقيقية الكريمة أن تنقض على هؤلاء الرويبضات، وتخلعهم كما يخلع الثوب النتن النجس عن الجسد الطاهر الطيب.. فهذه أمة طاهرة طيبة؛ الأصل أن تُحكم بكتاب ربها وسنة نبيها، وأن يقودها أطهار أبرار كما كان سالف عهدها.
رأيك في الموضوع