لن ينسى أحدٌ مشاهد النساء اللاتي تجمعن في الشوارع والساحات العامة في البلاد الإسلامية، يطالبن بالإطاحة بالأنظمة القمعية. وكانت تلك المشاهد إشارة مهمة إلى أن المجتمع في بلاد المسلمين يسير نحو الوعي وإن لم يصل للوعي الفاعل الذي يوجد التغيير الحقيقي.
وقد صدمت المشاركة الواسعة للمرأة في احتجاجات السودان الأنظمة القمعية التي كانت تتوقع أن تظل المرأة حذرة وأن لا تشارك في مظاهرات عامة يمكن أن تشكل مخاطر عليهن. وقد أربكت مشاركة النساء أجهزة القمع، حيث أظهرت مدى الرفض الشعبي لهذه الأنظمة. كما كشفت عن الدور المهم الذي يمكن أن تلعبه في التغيير، ولم تتوقع حتى النخب السياسية والثقافية أن تشارك المرأة بهذا الزخم، خاصة وأن ما حدث في مصر المجاورة من اعتقالات وتعذيب للنساء كان بمثابة سيناريو مرعب يبعد المرأة عن أي خطوة تجاه العمل السياسي، رغم ذلك شاركت المرأة في كل الاحتجاجات ما يعني أن حاجز الخوف قد كُسر ولم يبق إلا التزود بالوعي اللازم لإنجاح التغيير الحقيقي.
نعم إن مشاركة المرأة في السودان تبدو لافتة في هذه الاحتجاجات التي بدأت بعفوية، رفضا للأوضاع المعيشية الصعبة، بمشاركة كبيرة للنساء، وخلال مشاركتهن تعرضن للاعتقال والضرب والعنف اللفظي في مدن عدة منذ 19 كانون الأول/ديسمبر الماضي... إن مشاركة النساء في الاحتجاجات الحالية تبدو أكثر زخما مقارنة بالاحتجاجات السابقة، كما أن الطالبات وخريجات الجامعات اللواتي لا ينتمين لأحزاب سياسية أصبحن أكثر مشاركة ووعياً حول مشاركة مزيفة لمنسوبات الحزب الحاكم، والبرلمانيات اللاتي جعلن الأمور تراوح مكانها، وهو ما يعد تطورا مهما رغم عدم اكتمال هذا الوعي لكن المشاركة في حد ذاتها درجة في طريق الوعي الحقيقي البناء الذي لا بد من الوصول إليه في نهاية المطاف، مما يلقي على كاهل الواعيات سياسيا التحرك لأخذ زمام المبادرة لمشروع الإسلام الذي سيمنح المرأة حقوقا لا تقف عند حد لقمة العيش الكريمة بل هي حقوق فرضها العليم الحكيم.
وهناك عدد من النساء ما زلن معتقلات، طبيبات ومحاميات أبدين تصميما كبيرا وهن يواجهن الاستفزازات في المعتقل، وعادة لا يبقي جهاز الأمن النساء لفترة طويلة في الاعتقال إلا نادرا، وذلك في الغالب لتفادي الحرج وسط المجتمع الذي إن زاد وعيه فلن يستمر هذا النظام المترنح بل سيسقط سريعا... ولحد كبير أصبح الاعتقال لا يشكل وصمة مجتمعية للبنات بالنظر لوعي الآباء والأمهات والظلم الواقع على الناس الذي لم يترك لهم مجالاً غير الاحتجاج، حتى إن ربات البيوت في الأحياء التي دائما ما كان يحتمي بها المحتجون في أحياء بري والدناقلة والشعبية، قمن بفتح بيوتهن لإيواء الشباب المطاردين من قوات الأمن، كما أخرجن المياه والطعام للمتظاهرين كنوع من المشاركة وليس للتضامن فقط...
وبالتأكيد فإن هذه المشاركة هي انعكاس لما تذوقته المرأة من نظام الإنقاذ الذي لا يرعى الشؤون ولا يقيم لهن مكانة ويكفي أنهن في ظل الفقر والمسغبة وارتفاع الأسعار وتراجع القوة الشرائية للجنيه، خرجن من بيوتهن يعملن في أي عمل يعملن (فراشات) ومشرفات على ترحيل التلاميذ وبائعات شاي ومأكولات وخادمات في أحيان أخرى، وهي أعمال محدودة الدخل مع العناء الشديد الذي تلاقيه المرأة وهي تعود لمنزلها نهاية اليوم تعاني اكتظاظ مواقف السيارات، وقد تمكث إلى الليل لتعود لمنزلها وتقوم بأعمال المنزل... هذه الأوضاع تستوجب العمل للتغيير.
لماذا قامت المرأة في السودان بتلك الخطوة غير المتوقعة؟ ربما لأنهن، شأنهن في ذلك شأن كل مكونات المجتمع بل النساء هن أكثر تضررا، إذ إنهن أكبر ضحايا تلك الأنظمة الفاسدة التي أخفقت في احترام الكرامة الإنسانية وفشلت في أن توفر لهن لقمة العيش الكريمة. ومن ثَمَّ، فهن المستفيدات الرئيسيات من التغيير إن حدث تغيير حقيقي، يعيد للمرأة مكانتها وكرامتها المسلوبة، ولا يكون ذلك إلا بعودة الإسلام للحكم نظاماً كاملاً للحياة.
والمعروف شرعا أن للرجل والمرأة حقاً في الحياة السياسية، فقد كان رسول الله e، يطلب من أصحابه أن يقدموا إليه المشورة والنصيحة، فيقول أشيروا علي أيها الناس، وموقف السيدة أم سلمة "أم المؤمنين"، من صلح الحديبية خير شاهد ودليل، وكانت المرأة تمارس حقها في الأمور العامة في الدولة الإسلامية على أوسع نطاق، لقد كانت تبايع ولي الأمر، وتراجعه فيما يريد اتخاذه من سياسة، وقد يعدل عن رأيه نزولا على رأي المرأة، والتاريخ الإسلامى مليء بمشاركة المرأة السياسية، فالمشاركة السياسية التي كفلها الإسلام للمرأة هي أحكام شرعية مردها قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ في مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾، فهذه المبايعة التي وردت بنص واضح وصريح يجعل من دور المرأة في الممارسات السياسية حقيقة واقعة في عهد النبوة، وهو ما طبق عمليا في عهد الرسول e، وبرهان ذلك مبايعة المرأة للرسول e في بيعة العقبة الثانية، التي كانت بمنزلة عقد سياسي مهد لنشأة الدولة الإسلامية الأولى في المدينة المنورة، ومعلوم أنه كان من بين الأنصار الذين بايعوا الرسول e على الولاء والنصرة، امرأتان شاركن في وضع حجر الأساس في الدولة الإسلامية الأولى، كما أن النساء خرجن في مكة عام الفتح، يبايعن النبي e، على الطاعة، في المنشط والمكره، ولهذا فإن النبي، e، جلس في خيمة يبايع هؤلاء النسوة، ومبايعة ولي الأمر هي من أخص خصوصيات السياسة العامة للدولة. وفي عهد عمر بن الخطاب رضوان الله عليه، أراد أن يضع حدا أعلى للمهور، فلا يزاد عليه، وخطب في الناس، وقال: ألا لا تغالوا في مهور النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا لكان أولاكم بها رسول الله e، فقامت إليه امرأة من صفوف النساء وقالت له: (ليس هذا إليك يا عمر) كيف تقول هذا والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه، ﴿وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً﴾ فقال عمر: أخطأ عمر وأصابت امرأة، وهذا نوع من المشاركة في سياسة أمور الدولة، فلا أقل من أن تشارك المرأة اليوم في تغيير يوجد الإسلام في سدة الحكم، ولذا فمن حق المرأة أن تشارك في الاحتجاجات على أن يكون الحكم بالإسلام هو قضيتها المصيرية.
لهذا يجب أن تكون مشاركة المرأة واعية محصنة بمعرفة حقوقها السياسية الشرعية وأن لا تقبل بإعادة تدوير الأنظمة الفاسدة التي أرهقتها وظلمتها، وأن تعمل على التغيير على أساس عقيدة الإسلام الذي تعتنقه، ألا وهو إقامة دولة العدل والإنصاف دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
رأيك في الموضوع