نشر موقع الجزيرة نت 13/7/2018 أن السلطات السعودية قامت باعتقال الشيخ الداعية سفر الحوالي وثلاثة من عائلته وأبنائه بتاريخ 12/7/2018. والشيخ سفر الحوالي هو عالم من أرض الحجاز يبلغ من العمر حوالي 65 عاما، ويعاني من عدة أمراض في القلب، وصعوبة الكلام نتيجة إصابته بسكتة دماغية سابقا، وكان يعمل رئيسا لقسم العقيدة والمذاهب المعاصرة في جامعة أم القرى الإسلامية، وقد اعتقل نتيجة انتقاداته للحملة الأمريكية في منطقة الخليج سنة 1990 وسنة 2003، وأودع السجن أكثر من مرة عام 1994، ومرة أخرى عام 1999؛ نتيجة أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر تجاه الأسرة الحاكمة ومساندتها للقوات الأمريكية، وفتح بلادها لهذه الحملة. وله العديد من المؤلفات مثل "العلمانية نشأتها وتطورها وأثرها"، و"القدس بين الوعد الحق والوعد المفترى"، و"كشف الغمة عن علماء الأمة"، وكتاب: "وعد كيسنجر والأهداف الأمريكية في الخليج"؛ وكان عبارة عن رسالة إلى علماء السعودية ضد الحملة الأمريكية وموقف حكام آل سعود منها. وألف كتابا بعد انتفاضة الأقصى سنة 2000 سماه: "الانتفاضة والتتار الجدد". وقد كتب كتابا في الفترة الأخيرة 2017 بعنوان "المسلمون والحضارة الغربية"، وزاد غضب الحكومة السعودية ضده في الآونة الأخيرة نتيجة انتقاداته لإنفاقها المليارات لرئيس أمريكا ترامب، ونتيجة سياسات الانفتاح على الحضارة الغربية.
لقد ازدادت حملة الملاحقة والسجن للعلماء في بلاد الحرمين؛ فبلغ عدد السجناء منهم الآلاف. ومنهم من مضى على سجنه حوالي 22 عاما دون محاكمة؛ مثل الشيخ وليد السناني. فما هو السبب وراء هذه الحملات والملاحقات، علما أن السلطة السياسية من آل سعود قد استندت إلى السلطة الدينية طوال تاريخها؛ منذ استلامها للحكم في بلاد نجد والحجاز؟!
الحقيقة أن هناك أسباباً عدة؛ جعلت السعودية تقوم بالملاحقة والتخويف، والاضطهاد الممنهج للعلماء، من هذه الأسباب:
1- التغيير الحاصل داخل المملكة؛ وخاصة في الانفتاح على قوانين الغرب. وقد ظهر ذلك في أعمال عدة تخالف أحكام الإسلام، وتخالف ما ألفته المملكة وشعبها طوال الفترة الماضية منها؛ الحفلات الغنائية المختلطة، والترخيص بفتح الملاهي ودور السينما، والكازينوهات، ودخول المرأة الملاعب الرياضية، وإنشاء هيئة الترفيه، بدل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهناك مشروع سياحي لم تبدأ المملكة بمباشرته بعد؛ وهو إنشاء مدينة سياحية في مدينة جدة الساحلية على منوال المدن السياحية الأوروبية، ويسمح فيه بكل المنكرات الموجودة في الغرب. وهذه الأمور الانفتاحية السريعة، قد لاقت رفضا واستنكارا عند شريحة واسعة من الشعب داخل السعودية؛ وعلى رأسهم العلماء، وخاصة القرار الصادر بإلغاء هيئة الأمر بالمعروف، واستبدالهيئة الترفيه والانفتاح بها.
2- مواكبة الحرب الأمريكية ضد الإسلام السياسي المدافع عن حقوق المسلمين وبلادهم ضد هجمة أمريكا وشرورها وسياساتها في بلاد المسلمين. وهذا الأمر لا يجوز السكوت عليه؛ وخاصة أنه يستهدف قيم الإسلام وأفكاره الرئيسة؛ مثل فكرة الحكم بالإسلام، وفكرة معاداة الكفر، كما يستهدف بلاد المسلمين ضمن مخططات سياسية مشتركة، بين الحكام وقوى الاستعمار، لذلك وقوف المخلصين من العلماء على رأس الصفوف، يبينون للناس هذا الشر المستطير، الذي يستهدف قيم الأمة وفكرها، ويستهدف بلاد المسلمين... فكانت الحملة ضد العلماء لبث الرعب والإرهاب في أوساطهم لإسكاتهم ولتخويف باقي العلماء ممن تثور فيه الحمية الدينية.
3- سير المملكة في قضايا سياسية منحرفة عن أحكام الإسلام، وفي الوقت نفسه تخدم مشاريع الكفار، وترهق الاقتصاد داخل السعودية؛ وخاصة أن السعودية بدأت تعاني بشدة من الفقر ومن الديون المتراكمة، ومن اضمحلال الأجور، وزيادة الضرائب، وتخصيص شركات الماء والكهرباء وغير ذلك... ومن هذه القضايا السياسية والعسكرية دخول السعودية في الحرب اليمنية، ودخولها في دعم تنظيمات عسكرية في الشام، ودخولها كذلك في دعم الحشد الشعبي بصورة خفية ضد تنظيم الدولة الإسلامية، ودخولها في المناكفات السياسية في بعض دول الخليج؛ مثل قطر وفرض حصار اقتصادي عليها. ودخولها كذلك في مشروع تصفية قضية فلسطين؛ بما يسمى (صفقة القرن)، واستعدادها لتحمل أعباء مالية كبيرة لتنفيذ هذه الصفقة مستقبلا. هذه الأمور أثارت العلماء والخطباء، ودعتهم للاستنكار وإعلاء الصوت. فكانت النتيجة السجون والتعذيب لإسكاتهم وإرهاب من يفكر بإعلاء صوته ضد سياسات المملكة في خدمة سياسات أمريكا ومشاريعها.
4- الصراع السياسي الحاصل داخل المملكة، وقيام الحكام بالقضاء على الخصوم السياسيين. وقد طال هذا الصراع شريحة واسعة من السياسيين، ورجال الأعمال والمفكرين، والعسكريين، وقامت بزجّ قسم منهم في السجون. وهؤلاء لهم مؤيدون في أوساط العلماء؛ وخاصة من الوسط السياسي السابق في عهد الملك عبد الله. فقامت الحكومة بحملة اعتقالات احترازية للسياسيين ولمؤيديهم من العلماء أو المقربين منهم.
إن في هذه الأحداث الجارية هذه الأيام؛ داخل بلادالحرمين لعبرةً لأهل الحجاز بشكل عام، وللعلماء منهم بشكلخاص؛ بأن الحامي لمقدرات الأمة ودينها وأموالها؛ ضد الكفر والكافرين هو حكم الإسلام؛ عن طريق رجال مخلصين تختارهم الأمة - وليس أمريكا وبريطانيا وغيرهما - وكان الأصل أن تقوم الأمة منذ سنوات على هذه الفئة المارقة المجرمة، لخلعها وبيعة حاكم مخلص من جنس الأمة، يرعاها ويرعى كل شئونها بالإسلام. وكان الأصل كذلك أن يقوم العلماء منذ زمن بعيد على هؤلاء المجرمين؛ ممن ينهبون خيرات الأمة ويسخّرون البلاد والعباد، في خدمة مشاريع الغرب ويساندونهم في الحرب على بلاد المسلمين؛ كما جرى في حرب الخليج الأولى والثانية. وكان الأصل كذلك أن يقفوا ويساندوا إخوانهم ممن سجنوا سابقا أثناء الحرب على العراق؛ مثل الشيخ سفر وغيره الكثير ممن لم يخرجوا حتى اليوم من سجون حكام آل سعود. فكان الأصل أن يكون الموقف واحدا من هؤلاء العلماء؛ في الرفض والاستنكار وتأليب الأمة على الحكام. ولكن للأسف فإن القسم الأكبر من العلماء؛ إما أنهم سكتوا على المنكرات العظام أو أنهم سايروا الظلم، وقبلوا المعاشات والأعطيات من هؤلاء الحكام المردة المجرمين؛ فكانت النتيجة لهذا السكوت هي وصول الأحوال إلى ما وصلت إليه من التجرؤ على دين الله وعلى العلماء.
إن الإسلام وحده الذي يكرم العلم والعلماء بحق وحقيقة، أما غير الإسلام فإذا أكرمهم في فترة ما - كما حصل من حكام آل سعود فإن ذلك يكون لغاية خبيثة. وإن الإسلام هو الذي ينقذ ما تبقى من قيم الإسلام داخل بلد الحرمين وغيرها من البلاد، ويحافظ على قيم المجتمع من الانهيار والانفتاح على قيم الكفر والكافرين. وإنالإسلام هو الذي ينقذ الوضع الاقتصادي من الانحدار والتردي. ودولة الإسلام هي التي تخلص أهل الحجاز من الحرب الدائرة ضد إخوانهم في اليمن، وتوجه هذه الحرب نحو العدو اللدود في الأرض المباركة فلسطين.
وهذه دعوة صريحة واضحة للعلماء، ولعامة الناس في أرض الحجاز أن يقوموا على هذه الزمرة المارقة قبل أن تخرّب البلاد والعباد، وتُطعم أموال الناس لأمريكا وكيان يهود، فيزداد الفقر والتردي. نسأله تعالى أن يكرم أهل الحجاز، وكل بلاد المسلمين بحكم الإسلام في ظل خلافة راشدة على منهاج النبوة. آمين يا رب العالمين.
رأيك في الموضوع