قام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوم الأربعاء 06/12/2017م، بأول زيارة إلى الجزائر بصفته رئيساً،وكان قد قدَّم نفسه على أنه "صديق" لهذه البلاد التي استعمرتها بلاده لأكثر من 132 عاماً، رافضاً أن يكون "رهينة الماضي" الاستعماري لفرنسا. وكان في استقباله رئيس مجلس الأمة، عبد القادر بن صالح، نيابة عن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة المقعد. وقال ماكرون، في مقابلة صحفية: "أنا هنا في الجزائر بصفتي صديقاً وشريكاً يرغب في بناء وتعزيز الروابط بين البلدين خلال السنوات المقبلة، من أجل إثمار هذه العلاقات".وأضاف: "إن العلاقات الجديدة التي أود بناءها مع الجزائر وأقترحها على الطرف الجزائري هي علاقة شراكة الند للند مبنية على أساس الصراحة والمعاملة بالمثل والطموح".
يزور الرئيس الفرنسي الجزائر وهو يحمل خطاب رئيس من الجيل الجديد قائلاً: "أعرف التاريخ ولكنني لست رهينة الماضي!". كما قام ماكرون ببادرة لحل أحد الخلافات التاريخية بين البلدين بالإعلان عن "استعداد" فرنسا لإعادة جماجم ثوار جزائريين قتلوا في القرن التاسع عشر بيد الجيش الفرنسي، محفوظةٍ في متحف الإنسان بباريس.وأضاف: "أريد فرنسا واقفة إلى جانب الجزائر، فرنسا تساعد على بناء مستقبل هذا البلد الكبير وتساعد الشباب على النجاح. إنها صفحة المستقبل التي جئت لفتحها مع هذا الجيل الجديد"، وسط الزغاريد التي ارتفعت من شرفات المباني القديمة المحيطة في أجواء ترحيب صاخبة بوسط العاصمة الجزائر!! وقالت الرئاسة الفرنسية إن ماكرون: "يتمتع بصورة جيدة جدا في الجزائر"، موضحةً أنه زارها مراراً حين كان وزيراً للاقتصاد. وخلال زيارة للجزائر في شباط/فبراير الماضي عندما كان مرشحاً للرئاسة، سبب ماكرون صدمةً للكثيرين في فرنسا عندما قال إن استعمار فرنسا للجزائر الذي استمر 132 عاما كان "جريمة ضد الإنسانية". وقد لقي هذا التصريح ترحيباً في الجزائر مقابل انتقاداتٍ شديدة في فرنسا من اليمين واليمين المتطرف. وقال مصدر في الرئاسة الفرنسية أيضاً: "استخدم الرئيس كلمات قوية نالت استحسان الجزائريين، لكن الفكرة اليوم هي طي الصفحة وبناء علاقات جديدة مع الجزائر" مضيفاً أن الشباب سيكونون محور رسالته. ونحن في هذا الصدد نود توضيح عدة أمورمنها:
1- إن جرائم فرنسا الاستعمارية في الجزائر لا تنتهي عند القتل والتعذيب والتنكيل والإبادة التي مورست في أبشع صورها خلال حرب التحرير الأخيرة (1954م-1962م) فقط، ولا عند ما اقترفته من فظائع ومجازر وحشيةٍ خلال كل المعارك العسكرية عبر أكثر من مائة عام بحق أهل الجزائر، ولا بتجنيد الآلاف منهم في حروب لا تعنيهم، ولا في هدم عساكر فرنسا المساجدَ ومنع اللغة العربية وغلق المدارس القرآنية وحرق الناس أحياء، ولا في التجارب النووية التي أجرتها في صحراء الجزائر، إذ لا يمكن اختزال صراع أهل الجزائر المسلمين ضد فرنسا الهمجية في الصدام المادي والجانب العسكري فحسب. بل يجب ألا ننسى أبداً حقيقةَ دوافع الحملة العسكرية الاستعمارية على الجزائر في 1830م، وهي أن أوروبا النصرانية كانت استجمعت حقدها على المسلمين، وكان التحريض الصليبي في مواجهة الدولة الإسلامية العثمانية قد بلغ ذروته في كامل أوروبا، التي تكررت معاركُها منذ أواخر القرن الثامن عشر الميلادي مع أهل هذه الولاية العثمانية (الجزائر) بوصفهم مسلمين، وأصبح إنهاء حالة التمرد في هذه الولاية إرادةً دولية (آنذاك)، فكانت الحملة على الجزائر في 1830م غربيةً كافرةً صليبيةً استعماريةً بقيادة فرنسا الهمجية الحاقدة مندرجةً في سياق الحملة الغربية عامةً للإجهاز على الخلافة العثمانية!! ويجب أن نذكر بأن الاستعمار هو طريقة الغربيين الرأسماليين الثابتة والدائمة لنشر طراز عيشهم وحضارتهم السافلة، ولو بإبادة الشعوب وإفنائها.
2- الوجه الحقيقي لفرنسا - خلافاً لكل ما جاءت به "مبادئ الثورة الفرنسية" من "قيم إنسانية" تتغنى بها فرنسا اللائكية - هو إذاً الوحشية والسفالة والاستغلال فضلاً عن العداوة للإسلام وأهله. وهذا هو شأن كل الدول الاستعمارية، وأمريكا وما تفعله اليوم في بلاد المسلمين خير مثال.
3- الهوة إذاً سحيقة بين حكام الجزائر اليومَ ومدى ارتباطهم بدول ومؤسسات الغرب بل وتواطؤهم مع مستعمر الأمس في طمس الهوية والدين، وبين ما مِن أجله ضحى أهلُ الجزائر المسلمون بقوافل لا تحصى من الشهداء. والسبب في ذلك هو لعبة "الاستقلال المزيف"، وغياب الوعي السياسي الصحيح (من زاوية الإسلام) عند المسلمين!!! أما استقبال رؤساء فرنسا الاستعمارية بالزغاريد الكاذبة، فإن الإعلام الموجه والتابع يتعمد دوماً إبراز الصورة المعاكسة تماماً لحقيقة ما يضمره الشعبُ المسلم في الجزائر من كره وعداء لأعداء اليوم والأمس!! إذ كل ما تعانيه الجزائر اليوم هو بسبب الاستعمار، في انتظار جولات قادمةٍ من المعارك ضد المستعمر البغيض على الصعيد السياسي والثقافي والاقتصادي لاسترجاع الأصالة والهوية والانعتاق التام.
4- تبرز سخافة طلب الاعتراف الرسمي بما اقترفته فرنسا ثم الاعتذار ومعالجة ما سمي "ملف الذاكرة والتاريخ"، وربما التعويض عن الجرائم!!! إذ المعالجة الصحيحة (من الإسلام) لملف الذاكرة هيأن فرنسا دولة استعماريةٌ عدوةٌ للإسلام والمسلمين، كانت وما زالت. كما أن زيارة ماكرون للجزائر وتودده لأهلها إنما هو مكر الثعالب وخداع الذئاب. وإن الثأر للشهداء ليس باسترجاع جماجمهم، وإنما بإنهاء نفوذ فرنسا من الجزائر، وإقامةِ خلافة المسلمين التي تكيل لفرنسا الصاع صاعين. وكان يفترض ألا يتم استقبال الرئيس الفرنسي ولا دعوته أصلاً فضلاً عن الترحيب به في الجزائر.
5- يراهن رئيس فرنسا على دور أكبر للجزائر في خدمة مصالح فرنسا من خلال توظيفها في احتواء الاضطرابات في البلاد المجاورة جنوباً؛ مالي والنيجر وليبيا، والتعامل والتصدي لمخاطر توسع انتشار الجماعات المسلحة في منطقة الساحل. فقد أشار الرئيس الفرنسي خلال زيارته إلى أنه يتطلع للمستقبل من أجل بناء علاقاتٍ صلبة مع بلد اعتبره غايةً في الأهمية وشريكاً أساسياً سواء فيما يتعلق بمحاربة "الإرهاب" أو بالهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، معرجاً على دور الجزائر المهم في الملف الليبي خاصةً، والذي لا بد أن يكون لها دور فيه!
6- وإذ ركز الرئيس الفرنسي على الشق الاقتصادي في العلاقات مشدداً على ضرورة تأهيل الشباب ومعلناً عن إنشاء مدرسة لهذا الغرض، ومؤكداً في الوقت نفسه على أن هذه الطاقات يجب أن تُستغل في بناء علاقاتٍ اقتصادية متينة كون البلدين بحاجة إليها كجسر ممتد لتمتينها، فإن ما تريده فرنسا اليوم حقيقةً هو "تطبيع" العلاقات مع نسيان الماضي!! أي هو إبقاء نفوذها على جميع الأصعدة في البلاد حفاظاً على مصالحها المتعددة الأوجه والمختلفة الأشكال في الجزائر المسلمة الغنية بكل أنواع الخيرات والثروات، حيث تريدها جغرافياً وثقافياً واقتصادياً امتداداً لها، وبالمختصر تريدها جزائر فرنسية، علماً أن نفوذ فرنسا في الجزائر يسير في توافق مع ما ترتضيه بريطانيا التي تمسك حالياً بالبلد.
متى يحل موعدُ يقظة المسلمين الحقيقية لتعود لهم عزتهم وكرامتهم؟ والتي لن تتحقق إلا إذا أدرك المسلمون أن الإسلام ليس ديناً مفصولاً عن السياسة، بل هو دين منه الدولة، التي عند قيامها ستتمكن الأمةُ الإسلامية من حسم المعركة مع الأعداء. ولكن قبل ذلك لا بد من كشفِ حقيقة الصراعِ وطبيعة التحديات، في جميع البلاد الإسلامية، وهو ما يمكِّن من معرفةِ أساليب العمل على أساس الإسلام الذي هو حصن الأمة المنيع، من أجل تغيير واقعها المرير، وقطع دابر العدو المستعمِر المتربص بها، إلى غير رجعة. ولن يكون ذلك إلا بإقامة دولة الخلافة على منهاج النبوة والسعي لبسط نفوذها على جميع أقطار البلاد الإسلامية، وإيصال دعوة الإسلام إلى جميع أنحاء المعمورة.
بقلم: صالح عبد الرحيم – الجزائر
رأيك في الموضوع