رغم غياب الإحصاءات الرسمية داخل بلاد الحرمين أو خارجه عن معدلات الفقر في البلاد - وهو حال معظم البلاد التي يحكمها الفاسدون - إلا أن المؤشرات في بلاد الحرمين ما زالت تؤكد أن الأمور تسير نحو الخطر، في المنظمات الدولية والبنك الدولي على سبيل المثال لا يمكن أن تجد في خانة الحديث عن مواضيع الفقر فيما يخص السعودية إلا عبارة "غ/م غير معروف أو غير معلن"، داخليا فإن تصريحات النفي عن أعداد الفقراء دائما هي التصريحات الرسمية، وهي تصريحات نافية وغير مبينة للحقيقة، إنما تكتفي دائما بالنفي من غير أرقام أو حقائق، ولكننا عندما نطالع الأرقام الرسمية والمتعلقة بمشكلة الفقر، والتي يمكن أن نتخذها كمؤشرات للمشكلة فإن الأمر يصبح واضحا. على مستوى وزارة الشؤون الاجتماعية والتي تم تدمجها مؤخرا في عهد سلمان مع وزارة العمل ليصبح اسمها وزارة العمل والتنمية الاجتماعية يمكن أن نجد أحدث التقارير المتعلقة بإحصاءات الضمان الاجتماعي والتي تتحدث عن أرقام عام 1434هـ/2012-2013م والتي تم نشرها في 2016م وهو آخر التقارير، في التقرير تحدثت الإحصاءات عن ما يقارب 1,13 مليون حالة تتعامل معها الوزارة وأن هناك ما يقارب 130 ألف حالة مستجدة سنويا تتقدم بطلبات للوزارة، وهذه الحالات جميعها تشمل من ليس لهم دخل أو أن دخلهم لا يتجاوز 2001 ريالاً شهريا، ومنذ عام 2012-2013م لا يوجد تحديثات لهذه الأرقام.
على صعيد مؤشر آخر فإنه يمكن أن نستعرض نسب من يعيشون بسكن يملكونه، والسكن الكريم كما هو معلوم أحد مؤشرات الفقر والغنى في أي مجتمع، وقد تراوحت هذه النسب ما بين 36-40% من السكان الذين يستطيعون امتلاك مسكنهم، وأزمة الإسكان في السعودية ما زالت منذ سنوات طويلة تراوح مكانها ولا تجد لها من حلول. يضاف إلى ذلك مؤشرات عدة مثل التعليم والصحة والمواصلات وغيرها من المؤشرات التي تؤكد عند استعراضها على أن مشكلة الفقر في السعودية تخفي وراءها أرقاماً مخيفة.
مؤخرا ظهرت تصريحات عن الأمم المتحدة تسلط الضوء على المشكلة حيث قال مقرّر الأمم المتحدة الخاص المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان، فيليب الستون، إن هنالك "مناطق فقيرة جدا في كل من المدن الكبيرة والمناطق الريفية النائية بالسعودية"، رغم أن "معظم السعوديين مقتنعون بخلو بلادهم من الفقر"، وذلك بحسب ما نقله عنه مركز أنباء الأمم المتحدة في 19/1/2017م - الخبر - وتحدث فيليب الستون، خلال ندوة صحفية، في اختتام زيارته الرسمية إلى السعودية، عن أن نظام الحماية الاجتماعية الحالي للفقراء في البلاد يعدّ "خليطا حقيقيا من البرامج غير الفعالة، غير المستدامة، ضعيفة التنسيق، وفوق ذلك، غير ناجحة في توفير الحماية الاجتماعية الشاملة لمن هم في أشد الحاجة لها". ومن المنتظر أن يقدم فيليب الستون تقريرا شاملا لزياراته يتضمن نتائج ما توصل إليه وتوصياته كاملة إلى الجلسة رقم 35 لمجلس حقوق الإنسان في حزيران/يونيو 2017.
إن محاولات إخفاء المشكلة وتزيينها، واللعب في الأرقام الرسمية وتغييبها كلها حلول مؤقتة فاشلة لا يمكنالاعتماد عليها طويلا، فالمشكلة في واقعها كما يعيشها الناس في يومياتهم ومعاشاتهم، ولا يمكن أن تخفي الأرقام الكاذبة حقيقة ما تراه العين الناظرة.
إن أسباب المشكلة باختصار يمكن تركيزها في أسباب ثلاثة:
- التبيعية في تطبيق النظام الرأسمالي في السياسة والاقتصاد والتي لا تضمن بأي شكل من الأشكال أي توزيع عادل للثروات والأموال، والرؤية المشؤومة 2030 ما هي إلا أحد أشكال النظام الرأسمالي في الحكم وخصوصا الجانب الاقتصادي منه.
- فساد الحكام وأعوانهم من آل سعود ومن شايعهم والمخصصات الشهرية الفلكية التي يتلقاها كل فرد فيهم، إضافة إلى الإقطاعات التي يتمتع بها أفراد العائلة المالكة كحصص مقطوعة من آبار النفط والعقود الخاصة في مناجم الذهب والمعادن النفيسة وصفقات التسليح الوهمي الفاسدة لصالح الدول الأجنبية، ونذكر هنا ما كشفته مؤخرا بعض الوثائق والتسريبات من إقطاعات لأراضٍ شاسعة ومناجم السيليكا الغنية ولمدد تصل إلى 30 سنة لصالح شركات تابعة لمحمد بن سلمان.
- بُعد حكام السعودية عن تطبيق أحكام الإسلام في مختلف الشؤون السياسية والاقتصاديةوالاجتماعية ومحاربة الداعين لتطبيق الإسلام والوقوف في صف أعداء الأمة ضدها، وهو الأمر الذي لن يزيد الناس إلا شقاء العيش وضنك المعيشة.
إن المشكلة في وقتها الحالي معرضة للتزايد بشكل كبير، فمعدلات البطالة آخذة بالزيادة بشكل مضطرد، وغلاء الأسعار وزيادة المكوس ترهق الناس في كل يوم أكثر وأكثر، ومشكلة الإسكان آخذة بالزيادة لا النقصان، ومشاكل التعليم والصحة والمواصلات كلها مقبلة على أزمة حقيقية عند ظهور نتائج الخصخصة وما يتبعها من برامج رؤية 2030، والأغنياء بين القوم يزيدون غنى وفحشاً، والحكام لا يزيدون إلا سفاهة وضلالاً، وثروات الأمة منهوبة لصالح الأعداء والحكام العملاء يتصرفون بها كيف يشاؤون، ولا يكون نتيجة ذلك كله إلا تفشي الفقر وزيادة في أعداد الفقراء.
إن المشكلة بحاجة إلى نظام من عند غير البشر، يضمن توزيع الثروات بشكل كامل وبنظام صالح من عند رب البشر، كما أن تطبيق هذا النظام بحاجة إلى رجال صالحين يتقون ربهم فيما يحكمون، ويراقبون الله في سرهم وفيما بين الناس.
إن الحل لكل هذه المشاكل لا يمكن أن يتصور إلا من خلال تطبيق أحكام الإسلام الذي تقيمه دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، فهي وحدها التي تضمن إعادة الحقوق إلى أصحابها، وهي وحدها التي تقتص من السارق وتحاسب الفاسد، وهي وحدها التي تضمن توزيعاً عادلاً للثروات وضماناً شاملاً لكامل مستلزمات الحياة الكريمة، وهي وحدها التي تأخذ من الغني لتعطي الفقير وتضمن أملاك الأمة وثرواتها، فهي الوحيدة القادرة على تطبيق النظام الاقتصادي في الإسلام بشكله الصحيح وما عدا ذلك فلن يزيد الناس إلا شقاء على شقاءهم.
ماجد الصالح – بلاد الحرمين الشريفين
رأيك في الموضوع