ما قبل ثورة 25 يناير إلى اليوم أحداث عشناها وشهدنا تحولاتها، في حراك شعبي مميز متلاحم كاد أن يقضي على نفوذ أمريكا في مصر لولا غياب القيادة الواعية المخلصة لهذا الحراك وغياب المشروع البديل الذي يرضي طموح الثائرين ويرضي عنهم رب العالمين،لقد شهدت مصر منذ ثورة 25 يناير 2011 إلى اليوم أحداثا وتحولات سياسية كبيرة، أبرزها فوز مرشح جماعة "الإخوان المسلمون" محمد مرسي بالرئاسة عام 2012 ثم الإطاحة به بعد عام بانقلاب السيسي عليه، ثم تولي المشير عبد الفتاح السيسي الرئاسة عام 2014 إثر فوزه بالانتخابات بأصوات 96،91% من الناخبين، على حسب الروايات الرسمية.
خلال هذه السنوات الست مرت مصر بمحطات مهمة أولها شرارة انطلاق الثورة التي أجبرت أمريكا على التقهقر خطوة إلى الوراء والتخلي عن عميلها مبارك وإخراج رجالها من العسكر إلى الواجهة حتى تجد فسحة من الوقت تلتقط فيها أنفاسها وتعيد ترتيب أوراقها حتى تسرق ثورة الكنانة وطموح شعبها، ثم عملت على ركوب موجة الثورة والثوار واضطرت أن توصل الإخوان إلى حكم مصر لكونهم يقبلون التعامل معهم والركون إليهم ولكونهم أفضل الخيارات السيئة المطروحة أمام الحراك الثائر الذي أظهر العلمانية ورجالها بشكل مهترئ فلم يكن أمامها خيارا بديلا عن الإخوان لتسلمهم حكما مشروطا لا لون له ولا طعم ولا رائحة، وتسلَّم الإخوان ما ألقاه إليهم عدوهم في انتحار سياسي غير مسبوق وألقوا لأمريكا طوق النجاة الذي لم تحلم به ولم يحلم به عملاؤها الذين جهزوا أنفسهم لمغادرة البلاد إلى غير رجعة إلا أنهم سرعان ما أدركوا أنهم بمأمن وعادوا ليمكروا بالناس مرتدين ثياب الواعظين.
إن حلقات التآمر على الكنانة وثورتها كانت شديدة الإحكام، ساعد على نجاحها تغلغل أمريكا داخل المجتمع واتصالها بكل الأطياف والنخب السياسية العاملة؛ فأمريكا لم تكتف برجالها في العسكر ولكنها تمسك بزمام القضاء وتتصل برجال المال والأعمال فنستطيع القول إن الوسط السياسي كله متخم بعملائها، في مقابل عدم وجود وعي لدى أهل الكنانة يكشف خطط أمريكا وتآمرها ويكشف عملاءها ويفضحهم، ولو توفر قليل من الوعي لدى الثائرين في يناير لتغير الوضع تماما، ولو استمع الإخوان إلى نصائح الناصحين من إخوانهم في حزب التحرير لما آلت الحال إلى ما هي عليه.
وبعد انطلاق الشرارة واشتعال الثورة كان لزاما على أمريكا صاحبة النفوذ أن تتحرك لتنقذ نفوذها ولو على حساب عميلها المخلص، فتراجعت خطوة إلى الخلف وأسندت الأمر لعسكرها، ومع تنامي المشاعر الإسلامية وخشية انفلات الأمور من يدها ومع مطالبة الجماهير الثائرة بتحكيم الشريعة سمحت بوصول الإخوان للحكم بوصفهم إسلاميين براجماتيين واقعيين يقبلون رعاية مصالحها، ثم ألّبت الناس عليهم بواسطة رجالها في الإعلام والوسط السياسي حتى أفشلتهم وانقلبت عليهم برجالها من العسكر بعصاهم الغليظة ليعيدوا ترميم جدار الخوف الذي هدمته الثورة ويركّعوا أهل مصر لما تمليه أمريكا عليهم دون قيد أو شرط، وحتى يقضوا على أي تفكير في ثورة محتملة مستقبلا تؤدي للانعتاق من التبعية، إلى جانب إنجاز بعض الأمور التي من شأنها ترسيخ هذه التبعية وحماية وتأمين كيان يهود مستقبلا، وما يحدث في سيناء شاهد ودليل، وما حدث سابقا في رابعة والنهضة من قتل وحرق وسحق بالمجنزرات وما يحدث إلى الآن من خطف للشباب وإخفائهم قسريا هو حلقة من حلقات المسلسل المستمر لتركيع أهل مصر وإبقائهم تحت مظلة الخوف من النظام وزبانيته، وحتى لا يفكر الناس في الاعتراض على قرارات النظام التي تزيد شقاءهم وفقرهم فوق ما هم فيه من شقاء وفقر وبؤس، وتوعدهم بالسحق تحت الدبابات والمجنزرات التي يدفعون ثمنها مقتطعا من أقواتهم.
يا أهل الكنانة! إن ما أدى لسرقة ثورتكم ليس فقط تآمر أمريكا وإنما غياب الوعي عن الثائرين وغياب المشروع القادر على علاج مشكلاتكم وهزيمة أمريكا ومبدئها الذي تحمله، وفوق هذا غياب القيادة الواعية المخلصة التي لا تقبل التفاوض مع عدوها وتدرك ما يصلح حال البلاد والعباد وتعمل لنهضة مصر والأمة بشكل صحيح.
يا أهل الكنانة! إن عقود التجهيل والتهميش وغرس أفكار الغرب ورأسماليته في بلادكم وتلبيسها بلباس الإسلام هي السبب الرئيس في عدم قدرتكم على تمييز عدوكم من صديقكم وثقتكم في كل ما يقال لكم بمعسول حديث بغية خداعكم وصرفكم عن غايتكم وانعتاقكم من تبعية الغرب الكافر، ولن يعيدكم إلى الطريق الصحيح إلا قلع كل هؤلاء الخونة القابعين فوق رؤوسكم من عملاء أمريكا وسدنة معبدها، وكامل النظام بكل أركانه ورموزه، والانعتاق الكامل من التبعية للغرب الكافر بكل أشكالها وصورها وكل ما يؤدي إليها، وحمل مشروع الإسلام المنبثق عن عقيدته والذي يعني أن يكون مطلبكم هو استئناف الحياة الإسلامية من خلال الخلافة على منهاج النبوة، وفوق هذا كله أن تسلموا قيادتكم للمخلصين من أبنائكم شباب حزب التحرير فهم فيكم الرائد الذي لم ولن يكذبكم والذي يعي على ما يصلح حالكم ويرتقي بكم وبالأمة بعمومها ويعيدها دولة أولى سيدة الدنيا كما كانت لا دويلات متشرذمة مفتتة تقبل في ذيل الأمم بعضها في حجمه لا يغطي عورة نملة، بهذا فقط تعود ثورتكم لمسارها ويعود الأمر لكم وتدور الدائرة على عدوكم الذي ينكل بكم وببلادكم.
يا أهل الكنانة! إن مكر أمريكا وأدواتها بكم لتنوء منه الجبال وسيظل مكرها بكم حتى تدركوا أن خلاصكم مع حزب التحرير وما يحمله، فعجلوا بحمل هذه الدعوة لتقام فيكم الخلافة على منهاج النبوة فتنهي عقود تبعيتكم وتعيد لكم عزتكم وكرامتكم وتبقي لكم ثرواتكم التي ينهبها الغرب ليل نهار تحت سمع وبصر ورعاية حكامكم النواطير، فبادروا فهي قائمة لا محالة بكم أو بغيركم، فلعل الله يكتب النصر على أيديكم فتكون مصر بكم مصر المنورة وتفوزوا فوزا عظيما وستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾
بقلم: عبد الله عبد الرحمن*
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر
رأيك في الموضوع