منذ الشروع في معارك (تحرير) مدينة الموصل من قبضة تنظيم الدولة في 17/10/2016 والقتال بين الفريقين يسير بوتائر متباينة، فيشتد حينا ويخبو حينا، فقد كان تقدم القوات المهاجمة أسرع في بداية المعركة ولأسابيع بعدها، فتم تحرير قرى وبلدات متعددة من ضواحي المحافظة، ثم أصابهم تباطؤ واضح في الحركة، ربما كان بسبب ازدحام المدينة، أو هو ناتج عن أمرين، أولهما: شدة الضغوط على التنظيم من كافة المحاور، ما ألجأهم للانسحاب إلى داخل المدينة ليتخذوا - بحسب الأنباء - من المدنيين دروعا بشرية، وعمل خنادق مملوءة بالنفط الأسود نقل من آبار (البعاج) - الشهر الماضي - لإشعالها عند الحاجة، ولتشكيل سحب كثيفة من الدخان تعرقل عمل طائرات التحالف... والأمر الثاني: هو توجيه إيران لمليشياتها بإغلاق الجبهة الغربية لمحافظة نينوى، خلافا لرغبة العمليات المشتركة التي قضت بتركها مفتوحة لدفع مقاتلي التنظيم للهرب باتجاه سوريا، الأمر الذي أوقعهم في حلقة مغلقة فزاد من شراستهم، ولم يترك لهم خيارا غير القتال حتى الموت...! ولا شك أن تلك الوقائع تطيل من أمد المعركة ما يتسبب في زيادة معاناة الأهالي الواقعين بين مطرقة طائرات التحالف الخبيثة وهاونات الجيش والمليشيات، وبين سندان التنظيم والكل لم يرقب فيهم ﴿إلا ولا ذمة﴾، فضلا عن تعسر سبل العيش من قلة الغذاء والدواء وانعدام الأموال لتوقف حركة الحياة.
ومسلسل الموت الذي بات سمة الحياة منذ بدء معركة الموصل، ذلك أن مقاتلي التنظيم يتسللون إلى المناطق التي يستعيدها النظام منهم عن طريق المفخخات. فقد أكد مصدر أمني في تصريحات لوسائل إعلام: "أن 3 تفجيرات متزامنة بسيارات مفخخة، إضافة لما لا يقل عن 3 انتحاريين بأحزمة ناسفة حصلت الخميس 22/12 في سوق بلدة كوكجلي شرق الموصل التي استعادها الجيش في بداية تشرين الثاني الماضي أدت إلى مقتل 30 شخصا على الأقل وأكثر من 60 جريحا بينهم نساء وأطفال وقوات أمنية من الفرقة الذهبية ومكافحة الإرهاب". وفق بيان صادر عن قيادة العمليات المشتركة. وأعلن تنظيم الدولة مسؤوليته عن هذا الهجوم في بيان نشره على تويتر مؤكدا أن العمليات نفذها 3 انتحاريين. (بغداد - أ ف ب).
أما المنظمات الإنسانية فتنبه - يوميا - إلى الخسائر المرتفعة في صفوف المدنيين جراء المعارك الجارية. كما نزح ما يربو على مائة ألف شخص منذ منتصف تشرين أول 2016، وتخشى منظمات الإغاثة أن يبلغ عدد النازحين مليون شخص مع استمرار القتال. وتزداد مخاوف منظمات الإغاثة والمنظمات الدولية يوما بعد يوم بشأن مصير السكان الذين لا يزالون في الموصل. (عيون الخليج). أما خسائر القوات المهاجمة، فقد أقر ضابط عراقي في تصريحات لوكالة (أسوشيتد برس) بأن قواته تعرضت لخسائر كبيرة قرب مستشفى السلام بحي الوحدة. وبثت وكالة (أعماق) التابعة لتنظيم الدولة صورا تظهر آليات عسكرية محترقة يعتقد أنها دمرت في هجمات للتنظيم شرقي الموصل. ونشرت الأمم المتحدة مؤخرا بيانات تشير إلى أن ألفين من القوات العراقية قتلوا الشهر الماضي، كثير منهم في معركة الموصل. بينما تحدث الجيش عن قتله حوالي ألف مسلح من التنظيم خلال المعارك.
وعن مواعيد حسم المعركة، فقد تفاوتت تصريحات المسؤولين العراقيين والأجانب بين متفائل ومتشائم، وتأرجحت بين نهاية العام الجاري، أو حين تنصيب ترامب في 20/1/2017، أو استمرارها لأسابيع أو عدة أشهر بعد إجماعهم على صعوبتها. وكانت الطائرات العراقية قد ألقت أربعة ملايين منشور فوق الموصل حملت دعما معنويا وتعاطفا مع سكانها واقتراب (تحريرهم). (العربية نت ووكالات أنباء).
وعلى الرغم من دخول المعركة أسبوعها الثامن، ما زال مسلحو التنظيم يسيطرون على ثلاثة أرباع المدينة... في حين صرح المتحدث باسم وزارة الدفاع العراقية، يحيى رسول: أن "المرحلة الأولى من المعركة انتهت، بعد تحقيق ما رسم لها من قبل القيادة المشتركة"، "وأن قواته تسيطر على 46 حيا في الموصل، وتحرير الساحل الأيسر بالكامل بات قريبا". وأشار إلى أن "القوات المشاركة في المعركة باتت تسيطر على 44% من مساحة نينوى". أما صحيفة (الواشنطن بوست) فقد "علقت على بطء تقدم القوات العراقية مشيرة إلى أن المعركة تحولت لحرب استنزاف طاحنة"، وأن "القوات العراقية وحلفاءها تكبدوا خسائر فادحة في الأرواح". وأكد معهد دراسات الحرب الأمريكي "أن التباطؤ بالعمليات جاء عمدا في الأسبوع الماضي من أجل تخفيض معدل الاستنزاف بقوات مكافحة الإرهاب". وهكذا درجت صحيفة (نيويورك تايمز)، فقد أفادت بأن "معركة الموصل ستكون على رأس قضايا الأمن القومي للرئيس (ترامب)"، عازية السبب إلى أن الترجيحات تؤكد تأخر الحسم فيها. (موقع البغدادية نيوز). أما توقف المعارك فقد نفاه السفير الأمريكي في بغداد - في مؤتمر صحفي الأربعاء (21/12) - وأكد وجود صعوبة فيها، لازدحام المدينة، وأن جهود التحالف الدولي بإسناد القوات العراقية مستمرة". (السومرية نيوز).
وقبل الختام، فإن حصيلة تلك الوقائع موت وخراب وأحزان، وضياع فرص المستقبل، فضلا عن إعاقات وأمراض نفسية قاسية... فهل سيعيد (المحرِّرون) ما افتقده أهل الموصل وغيرهم بعد كل ما جرى؟ أم عن أي (تحرير) يتحدثون؟ أما نحن فنسعى للتحرير الحقيقي: تحرير الإنسان من سلطان الطواغيت والأنظمة البوليسية والديمقراطية العفنة، وتحكيم شرع الله تعالى في كل شؤون الحياة، بل وتحرير أرض المسلمين من دنس الكافرين في ظل دولة خلافة راشدة على منهاج النبوة، تعظم كل ما رفعه الله عز وجل، وتحط كل ما ذمه الله سبحانه وأهانه... ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾.
بقلم: عبد الرحمن الواثق – العراق
رأيك في الموضوع