بعد ما يقرب من ست سنوات على انطلاق ثورة الشام، ما زال ما يسمى "المجتمع الدولي" يلعب دور العاجز المسكين، الذي ليس بيده أن يقدم لشعب أبادته طائرات الإجرام الروسي وأنهكته صواريخ أسد المجرم، سوى الإدانة والاستنكار، إلا أن الحقيقة الصارخة أن هذا "المجتمع الدولي" هو شريك أساسي في هذه الجريمة، كيف لا وقد سقطت جميع أوراق التوت التي تستّر بها طوال عقود من الزمن، حتى جاءت ثورة الشام فكشفت زيف شعاراته البرّاقة، وأظهرت حقده المكنون على الإسلام والمسلمين.
فمنذ بداية ثورة الشام ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يعقد الاجتماعات واللقاءات لأجل سوريا وأهلها، وما كانت هذه الاجتماعات لتردع طاغية الشام عن غيّه، ولا لتوقف شلال الدماء في أرض الشام، بل كان على العكس من ذلك، حيث يرى المجرم أسد في هذه الاجتماعات واللقاءات ضوءاً أخضر للاستمرار في جرائمه التي يرتكبها كل يوم، حيث تحمل في طيات بنودها إدانة للفاعل دون تسميته، كما أنها لا تخلو من إدانة (الإرهاب) الذي أصبح تهمة لكل من يرفض السير في مشاريع الغرب وعلى رأسه أمريكا.
وأخيراً وليس آخراً "عقد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يوم الجمعة 21/10/2016م جلسة استثنائية لمناقشة الوضع الإنساني المتدهور في حلب. وعُقدت الجلسة بناء على طلب 16 دولة دعت في رسالة إلى المجلس لمناقشة "تدهور" حقوق الإنسان في حلب و"فشل" نظام الرئيس السوري بشار أسد وحلفائه في الوفاء بالتزاماتهم الدولية في هذا المجال" (الحرة)، وإنّ الناظر لهذه الجلسات والاجتماعات يجدها لا تختلف عن سابقاتها، سواء في طرحها للمشكلة أو الحلول، إلا أن المدقق يجد أن هذه الاجتماعات التي تحدث بين الحين والآخر، تكون إما بطلب من أمريكا وحلفائها وأتباعها، وإما بطلب من دول الاتحاد الأوروبي والتي تحاول أن يكون لها موطئ قدم في الشأن السوري، وهذه الجلسة التي عقدت يوم الجمعة 21/10/2016م جاءت بطلب من بريطانيا، والتي رأت في التنافر الروسي الأمريكي العلني صدعاً وخرقاً ربما تستطيع أن تستغله لتوجد لها دوراً في الأزمة السورية، فإضافة لما قامت به فرنسا من تقديم مشروع قرار بشأن حلب في مجلس الأمن، عملت بريطانيا على عقد هذه الجلسة في مجلس حقوق الإنسان، وقدمت مشروع قرار باسم مجموعة من 16 دولة حول حلب في هذه الجلسة، وقد نص القرار على وقف الطلعات الجوية فوق حلب، وإعادة العمل بقرار وقف الأعمال العدائية، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى المدينة، والسماح للجنة التحقيق الدولية بدخول سوريا للقيام بعملها، وإيصال كل المتورطين بجرائم حرب وأخرى ضد الإنسانية إلى المحاكم المحلية أو الدولية.
ويتوجه القرار إلى "الحكومة السورية وحلفائها"، من دون تسمية محددة لهؤلاء الحلفاء بالاسم على عكس القرارات السابقة، ما يعني أن هذا المشروع يشمل روسيا بشكل غير مباشر، مما يدلل على محاولة بريطانيا التقرب من أمريكا ليكون لها دور ما وذلك بإدانة روسيا من خلال مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
وهكذا يمرُّ هذا الاجتماع كغيره من الاجتماعات والمؤتمرات التي عُقدت طوال سنوات ثورة الشام دون أن يقدم شيئاً من حل لأهل الشام. وإنه وإن كان في ظاهره الحرص على الدماء، ومحاولة وقف القصف والأعمال العدائية، إلا أنه في حقيقته محاولة من بريطانيا لإيجاد شرخ في العلاقة الأمريكية الروسية، فهذه الدول لم تكن في يوم من الأيام حريصة على دماء المسلمين، بل كانت وما زالت شريكة في الجرائم التي تُرتكب في حق المسلمين، والدليل على ذلك مواقفها المخزية خلال ست سنوات من عمر ثورة الشام. وقد جاء في جواب سؤال بتاريخ 20/10/2016م لأمير حزب التحرير العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة حفظه الله ما نصه "وهكذا فإن فرنسا وبريطانيا وباقي الدول الأوروبية تتجه إلى مزيد من توتير علاقاتها مع روسيا، معربة عن رفضها لروسيا وسياساتها، وكل ذلك على أمل أن يكون لهذه الدول مكان في الأزمة السورية بصفتها القضية رقم 1 دولياً، وليس في نوايا تلك الدول خير للمسلمين، فالمسألة عند الدول الأوروبية ليست المجازر التي ترتكبها روسيا ضد المسلمين في سوريا، إذ كانت مواقف هذه الدول تتسم بالكثير من عدم المبالاة للدماء التي تسيل أنهاراً في سوريا خلال ست سنوات، وإنما المسألة هي أن تشترك هذه الدول بوصفها دولاً عظمى في حل المسألة السورية" انتهى.
والحقيقة التي أنقلها للقارئ هي أن أهل الشام لا يرون في هذه الجلسات والاجتماعات إلا مزيداً من التآمر عليهم والمكر بهم، وإن في الشام رجالاً قد عقدوا العزم على أن يواصلوا المسير حتى تحقيق أهداف الثورة من إسقاط النظام المجرم، وإقامة دولة الخلافة على منهاج النبوة، وإنهاء نفوذ الغرب الكافر في بلاد المسلمين، وإن الصراع الذي يدور على أرض الشام ليس صراعاً دولياً بل هو صراع بين أمريكا وأحلافها وأتباعها من جهة وبين أهل الشام المخلصين من جهة أخرى، وأما روسيا فهي تعمل كما تأمرها أمريكا، فإجرامها الوحشي كله يصب في خانة أمريكا وجرائمها بحق المسلمين، وأما بريطانيا وفرنسا فهما تعملان على التشويش على أمريكا وسياستها في سوريا ليكون لهما دور في القضية السورية، وإنه وإن عظم مكرهم وتفاقم كيدهم إلا أن مكر الله أكبر، قال تعالى: ﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾.
رأيك في الموضوع