في حادثة ليست الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة طالما بقيت الرأسمالية تحكم بلادنا بجشعها ونفعيتها، لقي العشرات إن لم يكن المئات مصرعهم في مياه البحر المتوسط الأربعاء 21/9/2016م، بعد غرق قارب كان يقلهم قبالة الشواطئ المصرية كان متجها إلى أوروبا عبر ساحل البحر المتوسط، وأعلن مسؤول محلي بمحافظة كفر الشيخ (إن المركب غرق قبالة سواحل المحافظة وكان على متنه 600 مهاجر) وذلك في أكبر عملية هجرة غير شرعية تتم عبر سواحلها، وما كان لهؤلاء وغيرهم ترك بلدهم لو وجدوا فيها ما يسد رمقهم ويضمن لهم حياة كريمة، ويشعرهم أنهم آمنون فيها على أرواحهم وأعراضهم وأموالهم، وما كانت الكنانة لتلفظهم على اختلاف هوياتهم لو كان فيها حكام يخشون الله ويعملون لنيل رضوانه، وتباينت ردود فعل الإعلام في تناولها للحادثة الأليمة كمن ينكأ الجرح دون أن ينظفه ويسعى إلى تضميده، ودون إلقاء أي تبعة على النظام الذي جعل الفرار من الكنانة حلما يراود أهلها! وحتى في محاولتها لإيجاد علاج لتلك المشكلة والتي لم تخرج عن الرؤية الأمنية التي يتبناها النظام مغلفة بحزمة قوانين لا تسمن ولا تغني من جوع، بل تزيد المشكلة وتزيد القهر والظلم الواقع على أهل الكنانة.
إن المسؤولية كلها تقع على هذا النظام الذي يمعن في التضييق على أهل الكنانة في أرزاقهم وأقواتهم، ويبيعهم ويتربح منهم فيما هو مملوك لهم من غاز وكهرباء ونفط ومياه، ويمعن في جباية ما تبقى في جيوبهم من أموال بما يفرضه عليهم من ضريبة تلو الضريبة، تزيد أعباءهم وتثقل كواهلهم، بينما جعل الإسلام كل هذه الثروات ملكا للأمة قال e: «الناس شركاء في ثلاث: الكلأ والماء والنار» وحرم فرض الضرائب عليهم فقال: «لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ صَاحِبُ مَكْسٍ».
إن أرض الكنانة التي أطعمت الدنيا سابقا مؤهلة لذلك الآن بخيراتها وثرواتها ومواردها وطاقاتها الطبيعية والبشرية الهائلة التي لو استغلت لعاش أهل مصر حياة طيبة كريمة ولما اضطروا للهجرة، ولصارت الهجرة إليها لا منها، فمصر تملك ما لا تملكه غيرها من موارد وثروات كفيلة بأن تجعلها في مقدمة الدول إن لم تكن الأولى، ولكن هذا غير ممكن الحدوث في ظل نظام السيسي الذي منّى أهل مصر بالعيش الرغيد وهو كأسلافه منغمس في العمالة لأمريكا حتى أذنيه، أسلم لها البلاد والعباد والثروات والخيرات تسرح وتمرح فيها وتنهب كيف تشاء، فما الذي تحتاجه الكنانة حتى تتسع لأهلها وغيرهم وحتى تستغل خيراتها وثرواتها استغلالا صحيحا منتجا بعيدا عن نهب الكافر المستعمر؟!
إن ما تحتاجه الكنانة ليس حزمة من القوانين التي تنظم الهجرة أو تجرم الهجرة غير الشرعية وإنما تحتاج إلى من يديرها بمنهج صحيح يضمن عدم نهب الغرب لثرواتها، وبقاء هذه الثروات فيها لأهلها ويقوم بهم ومعهم بإنتاجها واستغلالها وتوزيعها على الناس بشكل صحيح يضمن رفاهيتهم ورغد عيشهم، إن الكنانة بحاجة إلى قلع حكامها العملاء والانعتاق من كافة أشكال التبعية والعمالة للغرب الكافر وإقامة حكم رشيد لها وللأمة خلافة على منهاج النبوة تضع الأحكام الشرعية موضع التطبيق فتُلغى كلُّ امتيازات أعطيت للكافر المستعمر في بلادنا وتخرج شركاته الناهبة لثرواتنا ذليلة صاغرة بعد أن ظلت لعقود خلت تنهب ثرواتنا ولا تعطينا منها إلا فتات الفتات وما منجم السكري منكم ببعيد.
يا أهل الكنانة! إنه لا ضامن لعيشكم إلا الإسلام وأحكامه ونظامه في ظل خلافة على منهاج النبوة تضمن لكم حقوقكم في ثروتكم الهائلة التي لا تعد ولا تحصى من نفط وغاز وذهب ومعادن وحتى الرمال، كل هذه الثروات التي تكفي لكي لا يصبح في أرض الكنانة فقير أو محروم، ولكنها تحتاج إلى أحكام الإسلام التي تضمن كيفية وعدالة توزيعها وتحرم على الدولة بيع منابعها أو منح امتياز استخراجها لشركات الغرب بل توجب عليها أن تستخرجها بنفسها أو تستأجر من يفعل على أن تعيد توزيعها بين رعاياها بالتساوي بغض النظر عن الدين أو اللون أو العرق أو الطائفة، وتمنع تداول الثروة بين الأغنياء دون الفقراء بعدالة توزيعها بشكل صحيح يعكس نظرتها التي لا تفرق بين غني وفقير وقوي وضعيف ومسلم وغير مسلم، بل هم جميعا متساوون في الحقوق الواجبات.
يا أهل الكنانة! إن فراركم من مصر ليس حلا لمشكلاتكم فأنتم تتركونها وتتركون حقوقكم فيها نهبا لمن أجبروكم على تركها والفرار منها، فاخرجوا عليهم ثائرين محرضين وأجبروهم هم على الهروب منها والفرار نحو سادتهم في الغرب الكافر، واحتضنوا من يحملون همكم وهم الأمة ويسعون لنهضتكم نهضة صحيحة تضعكم في سيادة الدنيا؛ إخوانكم شباب حزب التحرير، فهم أهل لقيادتكم بما يحملون من أفكار الإسلام ومشروعه وبما لديهم من جاهزية لتطبيق أحكامه والقدرة على العبور بكم من كل ما تواجهون من أزمات سواء اقتصادية أو غير ذلك، فأسلموهم قيادتكم وحرضوا أبناءكم وإخوانكم في الجيش على نصرتهم وإقامة الخلافة معهم فعسى الله أن يكتب الفتح والنصر بكم وعلى أيديكم فتدركوا ما تبقى من ثروات الأمة وتمنعوا الغرب من نهبها وتعيدوا الكرامة لأمة أذلتها الدنيا في غياب راعيها وخليفتها فتنالوا عز الدنيا وكرامتها والدرجات العليا في الجنة.
بقلم: عبد الله عبد الرحمن
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر
رأيك في الموضوع