كما تضمنت الوثيقة مفاهيم خطيرة عن ضوابط عمل هاته الفئات:
- فـ"العلماء الوسطاء" يعملون على توجيه وتثقيف الناس، منعا من الاختراق من قبل المذاهب والتوجهات الهدامة، استناداً إلى ثوابت الأمة، والقيم الإنسانية الكونية المجمَع عليها! فما هي هذه القيم الإنسانية الكونية المجمَع عليها؟ وإن كان هناك إجماع عليها فهذا يعني أنها جزء من ثوابت الأمة، فلماذا يشار إليها إذن مستقلة؟ وإن كانت ليست جزءاً من ثوابت الأمة فلنا أن نتساءل هل أصبحت هذه القيم مصدراً من مصادر التشريع يستند إليه نداً لثوابت الأمة؟ هل أصبح لدينا مصدر خامس للتشريع بعد الكتاب والسنة وإجماعالصحابة والقياس؟!
- أما "المثقفون النظراء" فيجعلون من التربية والتثقيف أداة تؤهل الشباب والفتيان، لكي يسلكوا في المواقف الحياتية المختلفة، على أساس ما يتوقعه منهم المجتمع! نعم على أساس ما يتوقعه منهم المجتمع، لا على أساس الأحكام الشرعية، أي الحلال والحرام! هذه هي وظيفة المثقفين النظراء، وهم أفقه الفئات الثلاث، أن يكرسوا الواقع وأن يعلموا الناس أن يخضعوا لما تمليه عليهم العادات وما ألفه الناس بغض النظر إن كان حلالاً أو حراماً!
- تقوية قدرات القادة الدينيين الشباب (العلماء الوسطاء) والشباب (المثقفين النظراء) وتنمية مهاراتهم الممكِّنة من تفعيل خطاب ديني إيجابي معتدل، يقوم على الفهم الجمالي والتراحمي للدين الإسلامي الحنيف! وهذا أصل جديد من أصول الفقه لم يفطن إليه أحد من الأصوليين من قبل: الفهم الجمالي والتراحمي للدين الإسلامي الحنيف، ولا ندري كيف تستنبط الأحكام وفق هذا الأصل الجديد!
إلا أن النكتة في الميثاق هي اعتباره عمل العلماء الوسطاء والمثقفين النظراء عملاً تطوعياً إرادياً، يبتغي تعزيز ثقافة التعارف والتسامح والسلم والسلام والأمن والأمان! مما يعني أنه لا دخول مادية لهاته الفئات، أي خونوا الله ورسوله وتجسَّسوا على إخوانكم وبيعوا آخرتكم بدنيا غيركم، مجاناً بدون مقابل!
لقد أعيا الحكام وأتباعَهم إقبالُ الناس المتسارع على التدين، والانتشار الواسع للالتزام بينهم خصوصاً في أوساط الشباب، كما أرهقهم وحيَّرهم أن هذا الالتزام المتزايد لا ينحصر في مواضيع العبادات الفردية فقط وأن المسلمين يطالبون صراحة بتطبيق شرع الله ويتوقون للعيش في دولة تلتزم بأحكامه. لقد أنفقت الأنظمة في العالم الإسلامي وفي الغرب أموالاً طائلة وبذلت جهوداً جبارةً لتشويه أحكام الإسلام وإلصاق تهم التشدد والتطرف و(الإرهاب) بالإسلام والمسلمين، كما بذلت جهوداً جبارة لإفساد أخلاق الناس وإشاعة الزنا والفجور وإلهاء الناس بالسفاسف والتفاهات كالغناء والرقص والرياضة... إلا أنهم يرون يومياً كيف يبور مكرهم، وكيف يرد الله كيدهم إلى نحورهم، مصداقاً لقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾، وهذا المنتدى هو محاولة مستميتة أخرى للتضييق على المسلمين وحرفهم عن الإسلام الصحيح، وستفشل كما فشل ما سبقها من محاولات.
لقد تأسست رابطة علماء المغرب سنة 1960 وأرادت أن تكون الرابط الجامع بين علماء المغرب لصد الهجمة العلمانية الفرانكفونية التي عرفها المغرب قبل وبعد الاستقلال في الحكم والتشريع والاقتصاد والتعليم والعلاقات المجتمعية وكانت للرابطة مواقف مشرفة من مجموعة من القضايا، إلا أنها ارتضت لنفسها من أول يوم لها وفي أول نداء للمغاربة إبان تأسيسها أن تكون جزءا من السياسة المغربية المخزية حيث انتهى المؤتمر التأسيسي بصدور "نداء من علماء المغرب إلى الشعب" جاء فيه: ((أيها الشعب المغربي: كن مطمئن البال على مستقبل الإسلام بهذه الديار ما دام على عرش المغرب محمد الخامس الملك الصالح الذي ضحى بعرشه وكل عزيز عليه في سبيل الإسلام والعروبة والاستقلال، أيده الله بروح من عنده وأبقاه الحارس الأمين على الثروة الإسلامية بهذه البلاد. فلنتحد جميعا تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك المعظم ولنعمل بقول الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه والسلام). لقد بدأت الرابطة منخرطة في الشأن السياسي والديني للمغرب وكان لعلماء المغرب في عديد من القضايا، من خلال توصيات مؤتمراتها، كلمة لكنها بقيت دوما حبرا على ورق إلى أن انتهى بها الحال وبعلمائها إلى الانزواء والانطواء إلا من رحم ربي وأصبحت لا يكاد يعرفها إلا أهل الاختصاص أما العامة فلا يسمعون بها، وفي سنة 2004 أعلن الملك عن إنهاء دور الرابطة وتأسيس إطار جديد لعلماء المغرب (وفي هذا الصدد، أبينا إلا أن يشمل إصلاحنا رابطة علماء المغرب، لإخراجها من سباتها العميق) (خطاب 30 نيسان/أبريل 2004)، وفي سنة 2006 صدر الظهير الذي حول جمعية "رابطة علماء المغرب" إلى "الرابطة المحمدية لعلماء المغرب" يعين الملك أعضاءها وأمينها العام، وبهذا أُقْبر المشروع الجامع لعلماء المغرب لسنة 1960 وأصبحت صفة العالم منحة من الدولة فالرابطة (مكونة من العلماء الموقرين، الذين يحظون بوسامي رضانا وعطفنا) (خطاب 30 نيسان/أبريل 2004) وأصبح العالم رسميا مجرد موظف بفعل التعويضات عن الأعباء التي يتقاضاها من الرابطة بحسب ظهير 2006. ويرأس الرابطة الدكتور أحمد العبادي وهو معروف بارتباطه الأكاديمي بالجامعات الأمريكية.
إن استعراض نشاطات الرابطة المحمدية للعلماء يكشف كيف أنها نذرت نفسها بشكل شبه حصري لما يسمى محاربة التطرف ونشر الإسلام المعتدل المتسامح وحوار الأديان، علماً أنه لم يعد يخفى على أحد أن هذه الشعارات ليست إلا ستاراً لتمييع الإسلام ومحاربته ومحاربة الدعوة إلى إقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي تطبق الشرع، وعليه فإننا نتقدم للقائمين على هذه الرابطة بواجب النصح الذي فرضه الله علينا ونقول لهم: توبوا إلى الله، وانفضوا أيديكم من هذه الرابطة المشبوهة.
رأيك في الموضوع