إن الحج ركن من أركان الإسلام يؤدى في وقت محدد مرة واحدة في العام، ومن أخطأ في ركن من أركانه بطل حجه وعليه اﻹعادة في عام آخر، وإن كثيرا من الناس لا يتمكن من اﻹعادة فمن المسؤول؟
لقد أوجب الله تأمير أمير للحج يحدد للمسلمين يوم حجهم ويسير بهم في المناسك ويحرص على أن لا يفسد لهم حج. فلم يخل الحج من أمير منذ أن قامت دولة اﻹسلام إلى أن هدمها الكافر المستعمر بأيدي عملائه ومرتزقته، فقد حج رسول الله e بالناس وحج من بعده الخلفاء الراشدون من بعده وسائر الخلفاء ومن لم يحج بنفسه أمر على الحج أميرا.
ومما ورد في وجوب اﻹمارة قوله e «لا يحل لثلاثة نفر يكونون بأرض فلاة إلا أمروا عليهم أحدهم»، والحج أعظم من ذلك. فواقع إمارة الحج متعلقة بأداء شعيرة عامة من شعائر الإسلام، وهذا يتطلب رعاية عوام الناس وتوجيههم حتى يتم حجهم بشكل صحيح، وهذا ﻻ يكون إﻻ بوجود أمير.
إن رعاية هذا المنسك العظيم هو واجب على ولي الأمر، كما هو واجب عليه رعايتهم في التعليم والصحة وغيرها من أعمال الرعاية وإن قصر كان آثما. وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فيجب على الخليفة أن يقيم للناس حجهم كما يجب عليه إنشاء المدارس والجامعات والمشافي، وكل أمر يحتاج إلى رعاية.
قال e: «الإمام الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته»، فرعايتهم واجبة عليه، ومن الرعاية الواجبة تعيين أمير للحج.
إن تعيين مرشدين للحج ﻻ يقوم مقام أمير الحج وإن الملوك ورؤساء الجمهوريات ﻻ يقومون مقام أمير المؤمنين وهم يطبقون الكفر ويعادون اﻹسلام ويقدمون أمر الكافر المستعمر على أمر الله، فليس للمرشدين أن يحددوا للناس يوم حجهم، وأمرهم غير ملزم لعامة الحجيج.
إن الذي يشارك أمريكا وروسيا في قتل المسلمين ليس كثيرا عليه ولا مستهجنا منه التلاعب بيوم الحج بتأخيره حتى ﻻ يوافق العيد ذكرى الحادي عشر من أيلول/سبتمبر فتغضب عليه أمريكا.
أيها المسلمون: إن إقامة الدين من عبادات ومعاملات وحدود وجهاد وسائر اﻷحكام ﻻ تقوم إلا بأمير.
لقد جاء في كتب التفسير معنى يقيمون الصلاة يديمونها وأقام الأمر أدامه، وعند تفسير قوله تعالى ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ﴾ قال الحسن وأبو العالية هم الأئمة إذا فتح الله عليهم، وقال ابن أبي نجيح يعني الولاة، وقال الضحاك هو شرط على من آتاه الله الملك أن يقيم الصلاة، وقال سهل بن عبد الله هو واجب على السلطان، وليس ذلك للناس، لأن ذلك لازم له وواجب عليه، ثم إن اﻵية تمدح الذين إن مكنهم الله أقاموا الصلاة، وهم يؤدون الصلاة قبل التمكين وﻻ معنى للمدح إﻻ على إقامة الدين.
وفي الحديث الشريف عندما سأل الصحابة رسول الله e منابذة الحكام الظلمة بالسيف، قال: «لا ما أقاموا فيكم الصلاة»، وفي الرواية الأخرى «ما صلوا»، وفسرت بمعنى ما أقاموا فيكم الدين، وما أقاموا فيكم كتاب الله.
وكل ذلك يعني أنهم طبقوا الأحكام وجعلوها ملزمة ولم يجعلوها على وجه الاختيار إن شاء الناس التزموا بها وإن شاؤوا تركوها، وبذلك يتحقق معنى الإمامة بأنها حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي.
ولقد فرق العلماء بين فرض العين وفرض الكفاية بدقة متناهية، فقالوا فرض العين هو ما طلب القيام به من كل مكلف بعينه، وفرض الكفاية هو ما طلب إقامته من كل المكلفين، وهنا جاء لفظ إقامته بمعنى تحقيقه على الوجه الشرعي، فيأثم كل المكلفين إن لم يقيموه، وكذلك إن قام به بعضهم ولم تتحقق بهم الكفاية، إلا من تلبس بعمل لإقامته، فأداء الصلاة لا يسقط فرض إقامتها، وأداء الحج ﻻ يسقط فرض إقامة أمير له، ومن لم يعمل لإيجاد هذا الأمير فهو آثم، وكل تعدٍّ على العقيدة وكل تهاون في عبادة ومخالفة للشرع، وكل الدماء والأعراض يسأل عنها كل المسلمين.
أيها المسلمون: إن الملوك ورؤساء الجمهوريات وتعيين مرشدين للحج ﻻ يقوم مقام أمير المؤمنين وخليفتهم، وإنه لا يستقيم للناس حج ولا عبادة وﻻ يطبق شرع وﻻ تحرر بلاد وﻻ تطهر مقدسات من دنس كافر محتل إﻻ بخليفة قال e «اﻹمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به».
كيف سارع المسلمون بانتخاب خليفة لرسول الله e قبل دفنه وقبل تسيير بعثة أسامة للجهاد؟
كيف سارع المماليك لتنصيب خليفة بعد قتل الخليفة على يد المغول قبل إعلانهم النفير العام والسير إلى عين جالوت؟
كيف فهموا ذلك ولغتهم ليست لغة القرآن؟
كيف لم يفهم ذلك من تخرج من كليات الشريعة بأعلى الشهادات؟!
إنه الهوى والهوى دين ولسان الشياطين.
بقلم: سعيد رضوان أبو عواد
رأيك في الموضوع