في مشهد انقلبت فيه الأدوار في اليمن، وبعد أن كانت أمريكا تعول على التوسع العسكري للحوثيين وفرضهم كأمر واقع، نراها اليوم تعمل من كل جهة لإنقاذ الحوثيين بمخرج سياسي يبقيهم في هرم السلطة في اليمن. وبعد أن كان الإنجليز يسايرون مبدأ فرض القوة الأمريكي، نراهم اليوم يدفعون باتجاه الحسم العسكري في البلاد غير مستعجلين للتوصل لاتفاق مع الحوثيين.
عندما بدأت الحرب في اليمن قبل حوالي خمسة أشهر كان المسيطر على معظم البلاد هم تحالف الحوثي / صالح، فقد سيطروا في 21 أيلول/سبتمبر الماضي على صنعاء، ثم قاموا بمطاردة الرئيس هادي إلى عدن وفي طريقهم كانت المحافظات تسقط في أيديهم كقطع الدومينو، بتآمر من الجيش الذي يقف على الحياد أو يقف إلى جانبهم، بأوامر من الرئيس المخلوع صالح، الذي لا زالت كثير من قيادات الجيش تدين له بالولاء. وهكذا رأينا أن هذا التحالف (الحوثي / صالح) قد سيطر على معظم اليمن، مستندا في ذلك إلى موقف الأمم المتحدة التي اعتبرته طرفا سياسيا، وقال سفير أمريكا في صنعاء حينها إن مطالب الحوثيين مشروعة! بل أعلنت خارجية الدولة الأولى في العالم أنها تتفاوض مباشرة مع الحوثيين، الذين يرفعون شعار (الموت لأمريكا واللعنة على اليهود)، وقالت إنها وجدت فيهم شريكا في محاربة ما تسميه (الإرهاب)، وبهذا وجد الحوثيون تغطية سياسية مثالية لهم تساعدهم في التمدد في المحافظات اليمنية بمباركة أمريكية.
في الجهة المقابلة نجد أن الإنجليز قد تمسكوا بمبادرتهم التي قدموها إبان ثورة الشباب في شباط/فبراير 2011م وقاموا بتسميتها بالمبادرة الخليجية، والتي نتج عنها إزاحة صالح واختيار هادي رئيساً توافقيا لليمن، وقد قامت الفضائية اليمنية بتكريم من أسمته بمهندس المبادرة الخليجية وهو سفير بريطانيا في صنعاء عند نهاية فترة عمله. وظلت بريطانيا تدفع بهادي وتتمسك به رئيساً (شرعيا) للبلاد حتى يومنا هذا، وما فتئت بريطانيا تتقدم بمسودات القرارات في مجلس الأمن؛ إما مباشرة أو عن طريق عملائها في الأردن وقطر، في إسناد واضح (لشرعية) هادي، واعتبار الحوثيين مليشيات انقلابية، في خلاف واضح مع صديقتها اللدود أمريكا، وقد عبرت عن ذلك صحيفة الإندبندنت البريطانية حين قالت (إن الغرب في صراع حول الأزمة في اليمن).
ورغم مسايرة الإنجليز لمبدأ فرض القوة الأمريكي، وقبولهم باقتسام السلطة والنفوذ معهم من خلال اتفاق السلم والشراكة، الذي وقعه هادي مع الحوثيين في صنعاء، إلا أن البلطجة الأمريكية أرادت أن تأكل الكعكة كاملة، معتمدة على تمدد الحوثي عسكريا، فاستمر الحوثي في التمدد إلى عدن معلنا أن هادي لم يعد رئيساً للبلاد، وقام بتشكيل مجلس ثوري سيطر على معظم اليمن.
وعندما استعصت عدن على الحوثيين لافتقادهم هناك الحاضنة الشعبية، وعدم تمكنهم من الحسم العسكري، لجأت أمريكا لورقتها الاحتياطية وهي الحراك الجنوبي جناح علي ناصر محمد، فتم اللقاء الثلاثي بين أمريكا والحوثيين وناصر، في مسقط ثم بقيادات تابعه لعلي صالح في القاهرة، وأعلن الحوثيون أنهم بصدد تسليم المدن الجنوبية للحراك الجنوبي، وبهذا تضمن أمريكا سيطرتها على كامل اليمن سواء بقي الجنوب ضمن الفدرالية اليمنية أو تم فصله وتسليمه إلى قيادات تابعة لها، وقد كشف ذلك علي ناصر محمد في لقاء أجرته معه صحيفة الوطن السعودية ونشره في صفحته في الفيس بوك، إذ قال (إن الحوثيين وصالح عرضوا عليه رئاسة اليمن بمباركة ممثل الأمم المتحدة جمال بن عمر).
حينها فطن الإنجليز للخطة الأمريكية وقاموا بإنزال عسكري غير مسبوق بالعتاد الثقيل من الإمارات، وبالجنود المدربين من قبل الجيش الإماراتي في صحراء العبر في حضرموت، بل بجنود وضباط إماراتيين، وكان من نتيجة ذلك قلب مفاجئ لموازين القوى في الميدان، فطرد الحوثيين شر طردة من عدن، ثم توالت هزائمهم في المدن الجنوبية لا بل امتدت ما يسمى المقاومة الشعبية إلى عقر دار المدن الشمالية التي يسيطر عليها الحوثيون، وسارت المصفحات الإماراتية المتطورة صوب تعز وإب وصنعاء، وأعلن هادي أنه سيحرر كافة المدن اليمنية دون استثناء، وقال رئيس أركانه من مدينة مأرب إن الجيش (الوطني) سيدحر المشروع الفارسي ولن يتوقف حتى يطهر كل اليمن، في إشارة واضحة أنه سيتابع الحوثيين إلى صنعاء.
وبهذا انقلب المشهد في اليمن، وطفقت أمريكا تبحث عن حل سياسي يبقي الحوثيين في الوضع القادم في اليمن وذلك يظهر في آخر أعمالها السياسية، فقد اجتمع كيري مع نظيره الروسي والسعودي في قطر، وأعلنوا أن ذلك لبحث حل سياسي للأزمة اليمنية والسورية. ودعا مبعوث الأمم المتحدة ولد الشيخ وفداً رفيع المستوى من قادة حوثيين والرئيس المخلوع صالح، إلى مسقط، وأعلن المبعوث الأممي أن جميع الأطراف وافقت على حل سياسي للأزمة، وذهب وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إلى أبعد من ذلك حين أعلن الجمعة من روما أن الحوثيين جزء من أبناء اليمن، وأن لديهم دورا يلعبونه في مستقبل البلاد!
وبهذا يتضح أن أمريكا عازمة على فرض حل سياسي يكون فيه للحوثيين نصيب في السلطة في اليمن.
إلا أن ذلك قد لا يرضى به الإنجليز في ظل التقدم العسكري الكبير الذي ينجزونه يوما بعد الآخر في ميادين القتال، فقد صرح وزير الخارجية اليمني رياض ياسين أنه ليس هناك مبادرة جديدة تم تقديمها لهم، وفي تصريح سابق لقناة الجزيرة قال ياسين إنه ليس هناك مكان للحوثيين في الوضع القادم في اليمن.وقال نائب الرئيس هادي، خالد بحاح إنه لن يتعامل مع القيادات الحراكية في الخارج، في إشارة واضحة إلى قيادات الحراك التابعة لأمريكا. بالإضافة إلى تصريحات رئيس الأركان المقدشي يوم السبت أن الجيش الوطني سيحرر جميع المدن اليمنية.
وختاما نقول إن الصراع الغربي على اليمن سيستمر سواء توصل الطرفان لاتفاق سياسي يتقاسمان فيه النفوذ والثروة، أو استمرت المعارك لفرض الحل العسكري ومن ثم الاستحواذ على خيرات البلاد، نقول: إن هذا الصراع سيستمر وللأسف بدماء أهل اليمن، وبتدمير بلادهم، ولن ينقذ اليمن إلا أن ينفضّ أهلها عن تلك القيادات الخائنة التي ما انفكت تثبت يوما بعد الآخر ولاءها للغرب الكافر، وانسلاخها عن جسم الأمة.
ولن تعزّ اليمن وأهلها وتعود سعيدة إلا بما كانت به سعيدة في السابق وهو أن تنعم بتطبيق شرع الخالق سبحانه في علاه، وتكون ضمن مشروع الأمة القادم قريبا إن شاء الله، ألا وهو خلافة على منهاج النبوة، تصان فيها الدماء وتحفظ فيها الكرامات وتحمل فيها الدعوة إلى الخير ليعم ربوع العالم.
رأيك في الموضوع