انطلقت يوم الخميس الماضي 06 آب/أغسطس 2015م جولة جديدة لمفاوضات السلام بين حكومة جنوب السودان بقيادة سلفاكير، والمعارضة المسلحة بقيادة رياك مشار، ولم تكن هذه الجولة هي الأولى، ويغلب على الظن أنها لن تكون الأخيرة، كما أرادت (الإيقاد)؛ الهيئة الحكومية لدول شرق أفريقيا، والوسيط الأفريقي لحل النزاع، عندما سلم في 25 تموز/يوليو 2015م طرفي النزاع في جنوب السودان مسودة تسوية، وحددت 17 آب/أغسطس الجاري موعداً لتوقيع الاتفاق النهائي، وكان آخر اتفاق تم توقيعه بين الطرفين في 09/11/2014م، ولم يصمد يوماً واحداً.
لقد انطلقت هذه الحرب اللعينة بين حكومة جنوب السودان، ورياك مشار - نائب الرئيس في منتصف كانون أول/ديسمبر 2013م، عندما اتهم سلفاكير نائبه مشار بمحاولة الانقلاب على حكمه، واتخذت الحرب طابعاً قبلياً بين الدينكا التي ينتمي لها سلفاكير، وقبيلة النوير التي ينتمي لها رياك مشار، هذه الحرب التي راح ضحيتها الآلاف، وشردت الملايين لم تكن في حقيقتها حرباً قبلية كما يحاول أن يصور البعض ذلك، وإنما هي حرب بالوكالة عن أمريكا وبريطانيا، حيث تمثل الحكومة بقيادة سلفاكير أمريكا، ويمثل مشار بريطانيا، التي خرجت من انفصال الجنوب خالية الوفاض، بعدما استأثرت أمريكا بالجنوب، ولم تعط شيئاً لبريطانيا؛ التي تعتبر السودان (شماله وجنوبه) منطقة نفوذ قديم، ولها رجالها الذين يستطيعون عرقلة الخطط الأمريكية في السودان، خاصة وأن فكرة فصل جنوب السودان عن شماله كانت في الأصل فكرة بريطانيا منذ أن كانت تحتل السودان وتستعمره.
وعندما أصبح السودان تابعا لأمريكا، أخذت أمريكا الفكرة حتى أوصلتها إلى الانفصال، وتكونت دويلة جنوب السودان. إلا أن بريطانيا لم تقف مكتوفة الأيدي، فمنذ تكوين الحركة الشعبية (حركة الانفصال) بقيادة جون قرنق، حاولت بريطانيا أن يكون لها رجال في هذه الحركة وكان رياك مشار في تلك الفترة في بريطانيا لدراسة الهندسة الصناعية والتخطيط الاستراتيجي، وعاد إلى السودان لينضم إلى هذه الحركة منذ تأسيسها. وقد حصل بينه وبين قائدها يومئذٍ جون قرنق صراع واقتتال فانفصل عن الحركة عام 1991م، وكان جون قرنق يتهم رياك مشار بالعمالة للإنجليز، وأن زوجة مشار وهي (إيما ماكوين) كانت إنجليزية، واتهمها جون قرنق بأنها موظفة لدى المخابرات الإنجليزية وسمَّى الحرب التي دارت بينه وبين مشار بحرب إيما، وقد قُتلت عام 1993م في نيروبي في حادث مروري، وفي العام 1997م، وقع مشار مع الحكومة السودانية اتفاق سلام، إلا أنه لم ينجح، بل استمرت الحركة الشعبية بقيادة جون قرنق هي البارزة والمؤثرة. وبدافع من الإنجليز اضطر مشار للعودة مرة أخرى للحركة الأم تحت إمرة قرنق، ووافقت أمريكا بعودته بسبب ثقل تأثير قبيلة النوير، مع أنها تعرف واقعه، وأوعزت إلى قرنق بالموافقة على عودته لاحتوائه وضبطه تحت قيادته، لأن أمريكا تعرف ثقله لوجود قبيلة وراءه تعد ثاني أكبر قبيلة في الجنوب، إضافة إلى قوة وشراسة مقاتلي النوير. ومع ذلك استمرت الخلافات بين قرنق ومشار داخل الحركة عندما لم يعيّنه في منصب الرجل الثاني في الحركة، بل عين بدلاً منه سلفاكير الذي كان أقل رتبة منه في الحركة، وازدادت هذه الخلافات بعد هلاك قرنق وتولي سلفاكير مقاليد الأمور في الحركة وفي الدويلة الوليدة.
ومنذ انطلاقة جولة المفاوضات الحالية في إثيوبيا ظهر الخلاف جلياً بين طرفي النزاع، حيث شن رئيس وفد المعارضة (تعبان دينق) هجوماً عنيفاً على حكومة الجنوب بقيادة سلفاكير، واتهمها بالمسؤولية عن معاناة الشعب وتشريد المواطنين الجنوبيين، مضيفاً أن منع الحكومة مشاركة وفد الأحزاب السياسية في المفاوضات يمثل دليلاً واضحاً على عدم رغبة الحكومة في عملية السلام، وفي المقابل أعلن (نيال دينق)؛ رئيس وفد حكومة جنوب السودان في عملية السلام رفض حكومته لبعض البنود التي وردت في وثيقة السلام المقترحة من قبل وساطة (إيقاد)، وبخاصة نسب المشاركة في السلطة، حيث تقترح الوثيقة إعطاء المتمردين نسبة 53% في مناطق الولايات الثلاث (الوحدة وجونقلي وأعالي النيل)، و33% للحكومة، وقال هذا أمر مرفوض من قبل الحكومة، وأضاف أن حكومة بلاده ترفض أن تكون العاصمة جوبا خالية من قوات الطرفين (الحكومة والمعارضة)، وأن تتولى حمايتها قوات أجنبية، معتبراً ذلك انتقاصاً من سيادة حكومة الجنوب، التي يقع على عاتقها حماية كامل أراضي البلاد.
وواضح من مسودة (إيقاد) أنها تكاد تكون نسخة طبق الأصل من اتفاقية نيفاشا؛ التي أفضت في نهاية الأمر إلى فصل جنوب السودان عن شماله، خاتمة السوء التي أوصلت شمال السودان وجنوبه إلى شفا الهاوية.
إن مثل هذه المفاوضات ومسودات اتفاقياتها لا تخدم أهل جنوب السودان، ولن تحل مشاكلهم، وإنما هي في مصلحة الغرب الكافر، أمريكا وبريطانيا، اللتين تسعيان للسيطرة على جنوب السودان، لما فيه من ثروات هائلة، وموارد غاضت في بلادهم، ولا يهمهم أن يموت الناس، أو يشردوا في سبيل تحقيق مآربهم الشيطانية.
ولن تحل مشكلة جنوب السودان إلا بقيام دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، والعائدة قريباً بإذن الله، والتي ستقطع يد الغرب الكافر، العابثة ببلادنا، وتعيد لحمة الجنوب والشمال كما كان، بل ويكون الجنوب والشمال جزءا عزيزاً من دولة الخلافة الكبرى القادمة بإذن الله.
رأيك في الموضوع