يكثر الحديث دائما عن ديمقراطيات الغرب وحرياته التي تتمتع شعوبه بها، لدرجة أن الإنسان الشرقي بات يحلم ليلا ونهارا في معيشة فيها هكذا شفافية وحرية واستقلالية. نعم، فالإنسان الشرقي لم ينعم باختيار حاكمه ولا زوجه ولا عمله ولا حتى مجال دراسته. فكل شيء مفروض علينا فرضا في العالم الشرقي بينما الحياة تسير بالاختيار والحرية والاستقلالية في بلاد الغرب. هكذا يسوق لنا دائما، بأن الجنة ونعيمها موجودة في الغرب ودوله وأن النار وجحيمها موجودة في الشرق ودوله. ولبيان نعيم جنة الغرب ودوله! نأخذ فكرة الحكم والانتخابات في الغرب لبيان زيف فكرة أن الشعب هو من يأتي بالحكام في الغرب!.
فالحقيقة التي لا ينكرها أحد هي أن الشعوب تعطى إمكانية حرية الانتخاب للحاكم. نعم إن العملية الانتخابية تحدث بصورة حقيقية. فلا أحد يجبر الناخب على اختيار أحد المرشحين كما أن لدى كل شخص الحرية في الترشح للانتخابات. إلا أن الحقيقة الغائبة، بل قل المغيبة، هي أن أولئك المرشحين الذين يترشحون لحكم البلاد هم جاؤوا بدعم معين مكّنهم من الوصول إلى الناخبين.
ولتبسيط الأمر فإن كل مرشح يحتاج في حملته الانتخابية إلى أمرين اثنين ليقوم بحملته الانتخابية الرئاسية. الأمر الأول: برنامج مفصل لمخاطبة كل فئات المجتمع، الرجل والمرأة والشاب والعامل وصاحب العمل ومن لا يملك فرصة عمل والمزارع والطالب والأقليات في المجتمع والتاجر وغير أولئك من فئات المجتمع المختلفة ممن يتحتم على المرشح أن يخاطبهم ويجذبهم إليه في حملته الانتخابية لكي ينتخبوه. والأمر الثاني الذي لا يقل أهمية أبدا عن الأمر الأول وهو الداعم أو الممول للحملة الانتخابية. وهنا يظهر عمل الشركات الرأسمالية. فالشركات الرأسمالية هي التي تقف وراء تمويل وترويج المرشحين للانتخابات الرئاسية. وبهذا الشكل أيضا تقوم مجموعة الشركات الرأسمالية بترويج رجالاتها في مراكز القوة في أجهزة الدولة المختلفة. وبالتالي يحتل الرأسماليون الصفوف الأولى بين صفوف المرشحين ولذا فمن يملك القوة المالية يصبح هو الحاكم الفعلي.
ونضرب مثالا على ذلك الانتخابات الأمريكية التي فاز فيها الرئيس الأمريكي أوباما على منافسه وذلك فقط ليتبين للقارئ مدى عجز المرشح في أمريكا عن خوض الانتخابات بدون ممول أو ممولين من ذوي العيار الثقيل من أصحاب الشركات الرأسمالية الضخمة. فقد كلفت حملة الانتخابات الرئاسية للرئيس الأمريكي أوباما وحملة منافسه ميت رومني مبلغاً مقداره ستة مليارات دولار أمريكي خلال فترة سبعة عشر شهرا حسب ما نقلتهlhvnews.com في الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر 2012 على صفحتها في الإنترنت. تقول الصحيفة:
(ويلعب سلاح المال دورا فعالا حيث تتميز الانتخابات الأمريكية بأنها الانتخابات الأكثر تكلفة في العالم؛ حيث يستخدم المتنافسون في الانتخابات الرئاسية مبالغ طائلة من الأموال لتمويل حملاتهم الانتخابية، وتدوم هذه الحملات لأشهر عديدة يسعى المرشحون خلالها لتقديم أنفسهم ووجهات نظرهم للناخب الأمريكي من جهة، واستخدام الحملات الإعلانية لإضعاف مركز منافسهم من جهة أخرى ويلعب المال وممولو الحملات الانتخابية دورًا مؤثرًا في الانتخابات الأمريكية، مما يؤثر بشكل واضح على أجندة المرشحين.
وقال خبراء إن حجم الإنفاق على حملة انتخابات الرئاسة الأمريكية تجاوز 6 مليارات دولار، بزيادة قدرها 13% عن انتخابات 2008.) انتهى الاقتباس.
وهذا هو الحال في أفضل الدول تمثيلا للغرب ودوله وديمقراطياته وانتخاباته، نعم هذا هو الحال في أمريكا وعليه قِسْ على باقي دول العالم الغربي وأوروبا.
هذا مثال واضح ينطق بحقيقة مفادها أن الغرب ودوله تحكمه الشركات الرأسمالية الداعمة للمرشحين لسلّم الرئاسة. وإذا كان هذا هو الحال في أسمى وظائف الدولة وأعلاها مكانة وهو الحكم. فكيف يؤتى بالقضاة والمشرعين ورجال السياسة المؤثرين؟ إنهم يأتون إلى مناصبهم بالطريقة نفسها التي جاء بها حاكمهم لحكم البلاد والعباد. ولذا نعم فإن الناس من يختارون الحكام ولكن أي حكام؟ إنهم أولئك الحكام الذين ارتضتهم الشركات الرأسمالية أن يأتوا لحكم البلاد.
وقد أشار إلى ذلك الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر منذ أيام قليلة في حديث لبرنامج توم هارتمان الإذاعي حيث قال واصفا النظام السياسي الأمريكي: ".. إنه يخالف جوهر ما جعل أمريكا بلدًا عظيمًا في نظامها السياسي. الآن، هي مجرد حكم أقلية، وأصبحت الرشوة السياسية غير المحدودة جوهر الحصول على الترشيحات لمنصب الرئيس أو لانتخاب الرئيس. وينطبق الشيء نفسه على حكام الولايات، وأعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، وأعضاء الكونغرس. ولذلك، فقد رأينا الآن تخريبًا كاملاً لنظامنا السياسي بطريقة تشكل مكافأة للمساهمين الرئيسين، الذين يريدون، ويتوقعون، الحصول على فوائد لأنفسهم بعد الانتخابات".
وفي النهاية لا بد أن يتوارد إلى ذهن القارئ تساؤل بسيط، ألا وهو، ما الذي تريده هذه الشركات الرأسمالية في الغرب من الحاكم والقاضي ومن رجل الإعلام ورجل السياسة المؤثر مقابل دعمها له في الوصول إلى منصبه ومركزه؟ والجواب على ذلك بسيط للغاية، وهو أنها تريد من الحاكم أن يسخر مؤسسات الدولة لمصالح هذه الشركات التي أتت به، فحين يقول الحاكم أمثال جورج بوش إن هناك أسلحة دمار شامل في العراق فعلى جهاز المخابرات الأمريكي أن يصدق ذلك لأن الشركات الرأسمالية الجشعة تريد النفط وسوقا للسلاح. وماذا تريد الشركات الرأسمالية من القاضي؟ نعم إنها تريد من القاضي أن يسخر نظام القضاء لمصالح هذه الشركات، وواضح هذا جداً في عمليات تهرب الشركات الكبرى من دفع الضرائب. وماذا تريد الشركات الكبرى من الإعلامي والسياسي؟ نعم إنها تريد منهم أن ينطقوا باسمها وبمصالحها كي تتمكن هذه الشركات الرأسمالية الحاكمة فعلا من سوق البلاد وأجهزتها سوقاً طوعيا لتحقيق مصالحها ولترسيخ نفوذها. ولهذا اشتهر الإعلام في الغرب بكذبه واحتياله على الناس في أكثر القضايا حساسية لهم، وما الحادي عشر من سبتمبر إلا مثال صارخ على كذب الإعلام الغربي.
رأيك في الموضوع