كانت أفغانستان دائما وسيلة للقوى العالمية وليست غاية بحد ذاتها. الأمريكيون أيضا يستخدمون أفغانستان في استراتيجيتهم الإقليمية كوسيلة أو أداة لتحقيق أهدافهم الأخرى. فالولايات المتحدة كانت منذ الحرب الباردة تتوق إلى دخول المنطقة والبقاء فيها طويلا. وباستغلالها لموقع أفغانستان الجيوسياسي، فإن الولايات المتّحدة تهدف إلى تحقيق أهدافها الاستراتيجية الاستعمارية. ومن ثم، فإن حادث 11/9 قد أعطى الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي الفرصة لغزو أفغانستان وإثارة الجماعات المسلحة الأخرى إلى الانضمام إليهم مما قد يساعدها على البقاء في أفغانستان لعقود. وبعد غزوها لأفغانستان، قامت الحكومة الأمريكية أولا بتوقيع اتفاقية استراتيجية ثم بعدها الاتفاقية الأمنية مع الأنظمة العميلة التي نصبتها في أفغانستان، مما منحها الوضع القانوني للبقاء.
ومن أجل بقائها لفترة طويلة في أفغانستان تستغل الولايات المتحدة سذاجة السياسيين والجماعات المسلحة، وتستفيد من أعمالهم. فعلى سبيل المثال، فإن الولايات المتحدة أشركت بعض الفئات في الحكومة ثم قامت بعد ذلك بطردهم، وبعضهم لم يُعطَوا حتى فرصة، وأُبقوا بعيدين عن المشهد السياسي تماما. كل ذلك كان من أجل كسر الوحدة والتأكد من عدم وجود مقاومة موحدة يمكن أن تقف ضدها.
الآن في هذه المرحلة من التاريخ، وللمرة الثانية، جاء دور حصار طالبان. كلا النظامين العميلين في أفغانستان وباكستان يحشرون طالبان في أحد الخيارات التالية: فإما مواصلة القتال (من أجل المصالح الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة) أو أنكم ستُقتلون في الضربات الجوية الأمريكية، وسوف تقضون بقية حياتكم خلف القضبان. وأما الخيار الثالث، فهو القبول بعملية السلام التي بدأتها الولايات المتحدة، وهي مفتوحة على مصراعيها، وقبول الدستور العلماني، وتسليم الأسلحة.
ومع ذلك، فإن هناك ما يجعل عملية السلام غامضة إلى حد ما، وهو إعلان ولاية "خراسان" ما يسمى "خلافة" تنظيم الدولة، وطلبهم من طالبان الاستسلام أو مواجهة الحرب. ولكن من المنظور السياسي فإنه من الواضح أن تنظيم الدولة في خراسان لديه العديد من جوانب الاختلاف مع تنظيم الدولة في العراق وسوريا. فإن فرع خراسان التابع لتنظيم الدولة كانت لديه فرصة محدودة للانتشار في أفغانستان، إلى حد أن الولايات المتحدة يمكن أن تستغلهم مثلما استغلتهم في الشرق الأوسط. واحدة من أكبر العقبات أمام تنظيم الدولة في أفغانستان هي أن الأغلبية الساحقة من الناس يتبعون المذهب الحنفي، الذي يتضمن بعض التأثيرات الصوفية التي تناقض عقيدة تنظيم الدولة "الوهابية". ومع ذلك، فإنه يمكن استخدام تنظيم الدولة باعتباره أداة فعالة للضغط على طالبان للقتال تحت راية التحالف الأمريكي-الباكستاني، وقبول عملية السلام وإعلان الاستسلام، وإلا حل تنظيم الدولة محلها في أفغانستان.
هذا هو السبب وراء تصعيد طالبان هجماتهم، وزيادة نطاق الهجمات في أفغانستان، حتى وصلت إلى مناطق الطاجيك والأوزبيك، وهو أمر لم يكن مألوفاً. كل ذلك من أجل التعتيم على الخلافات بين مختلف فصائل طالبان، بالإضافة إلى كسر البيئة المواتية لتنظيم الدولة التي هيأتها له الولايات المتحدة وباكستان وأفغانستان ووسائل إعلامهم. وعلاوة عن ذلك، تريد طالبان أن تثبت من خلال زيادة وتيرة هجماتها وجودها في أفغانستان رغم وفاة أميرها الملا عمر. هذه الهجمات المتفرقة سوف تساعد حركة طالبان على الجلوس في عملية السلام الغربية في موقف قوة وليس ضعفاً.
منذ الحرب الباردة وما بعدها تعمل الولايات المتحدة على تحقيق أهدافها الاستراتيجية طويلة الأجل، وتسعى إلى وقف جهود المسلمين الحثيثة في هذه المنطقة، ومنع ظهور الأيديولوجية البديلة؛ الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، مكان الديمقراطية العلمانية الغربية والرأسمالية. بالإضافة إلى احتواء تأثيرات كل من الصين وروسيا، وضمان السيطرة الكاملة على موارد النفط والغاز من بحر قزوين، وبناء أصول لنقل جميع مصادر الطاقة هذه. وبالتالي، فإن شمال أفغانستان سوف يكون محل تركيز في المستقبل المنظور، من قبل قوات الولايات المتحدة وحلف الناتو، وسوف يتم تحويله إلى منطقة من شأنها أن تساعد الولايات المتحدة والناتو على الاقتراب من أهدافهم الاستراتيجية.
رأيك في الموضوع