(مترجم)
منذ أن سيطرت حركة طالبان على السلطة، والعشرات من وسائل الإعلام، ومراكز البحوث، ومراقبو حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ومنظمات دولية أخرى، بما في ذلك الأمم المتحدة، تتضافر جهودهم لتصوير الوضع الإنساني في أفغانستان على أنه خطير للغاية وحرج.
بينما كان الوضع الإنساني في أفغانستان أسوأ في معظم مجالات الحياة تحت حكم الجمهورية مما هو عليه اليوم. وفي الأيام الأخيرة من الجمهورية، قُتل عدد كبير من الأفغان (يتراوح بين 300 إلى 500 شخص) بشكل يومي في جميع أنحاء البلاد. ومع ذلك، فإن طيفاً محدّداً من الأشخاص، الذين ارتبطت مصالحهم بشكل مباشر أو غير مباشر بوجود الاحتلال، اعتادوا أن يتمتعوا بوضع اقتصادي أفضل، لم يُشاهد مثل هذا الوضع إلاّ في بعض العواصم الرئيسية في أفغانستان. في الواقع، فإن الأموال الضخمة التي ضخّتها آلة الحرب الأمريكية وحلف شمال الأطلسي قد خلقت اقتصاداً وهمياً للأفغان اختفى تماماً بعد انسحاب الاحتلال، ما جعل الناس يرون عودة الاقتصاد الأفغاني الحقيقي. بينما لم يكن للوضع الاقتصادي للأشخاص الذين يعيشون في المناطق الريفية في أفغانستان تأثير كبير. ومع ذلك، خلال فترة الجمهورية، كانوا يعانون بشكل كبير من الحرب والفساد وانعدام الأمن والإكراه أكثر مما يعانون منه اليوم.
كان السبب الرئيسي لمثل هذه الدعاية، من ناحية، هو الانتقام الذي أرادت أمريكا أن تنتهجه من شعب أفغانستان لمجرد هزيمتها العسكرية فيها، ومن ناحية أخرى، فإن القوة الناعمة لأمريكا والغرب هي بالفعل لتغيير سلوك الإمارة الإسلامية وفقاً للمصالح الغربية. هذه القوة الناعمة، التي تُمارَس بمساعدة وسائل الإعلام وحقوق الإنسان وحقوق المرأة ومؤسسات حقوق الأقليات، والمجتمعات المدنية، والأمم المتحدة، وما إلى ذلك، تحاول تسهيل عودة الاستعمار إلى أفغانستان بطريقة مختلفة. لهذا السبب جمدت أمريكا 10 مليارات دولار من الأصول الأفغانية وفرضت عقوبات مختلفة على الشعب والنظام الجديد في أفغانستان. لذلك شنّ الغرب حرباً جديدة على الشعب الأفغاني من خلال مقاربات ناعمة في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والنفسية والاستخباراتية.
وإدراكاً لذلك، فقد مضى أكثر من خمسة أشهر على تولّي الإمارة الإسلامية إدارة شؤون الحكم، لكنها حتى الآن لم تنتزع "البيعة" من الناس لإعطاء سلطتها الشرعية القانونية والعرفية القائمة على الطريقة الشرعية الوحيدة، أخذ السلطة في الإسلام. وعلى العكس من ذلك، فإن الدستور الذي يحتاجون له لتنظيم شؤون الناس وإقامة علاقات مع الدّول الأخرى لا يزال في حالة من الغموض، بينما كل الطبقات في الإمارة الإسلامية تروّج للإسلام وتطبيق الشريعة. ومع ذلك، فقد تأخّر تطبيق الشريعة لمجرد اعتراف الأمم المتحدة ودول أخرى بالإمارة.
للأسف، لا تزال الإمارة الإسلامية تحكمها على أساس الهياكل والمؤسسات التي خلفتها فترة الجمهورية بينما تعتزم تطبيق الإسلام ضمن النظام الإداري للدّولة مثل هذه الرؤية غير قابلة للتحقيق وغير عملية بشكل شفاف. والسبب الرئيسي لذلك هو عدم وضوح هيكل الحكم الإسلامي في المناهج التعليمية بالمدرسة في سياق أفغانستان وباكستان والهند، حيث يتصور المتأثرون بمثل هذه الفكرة أن إدارة شؤون الناس من منظور إسلامي غير قادرة دون ذلك، وهو الاعتراف بالواقع الحالي للدول القومية. لذلك، فإن معالجة المشكلة بهذه الطريقة لن تكون مضيعة للوقت فحسب، بل ستهدّد التضحيات التي بُذلت لصدّ الاحتلال وترسيخ الإسلام.
علاوةً على ذلك، فإن عدم وجود فهم واضح للخدمات العامّة لدى الإمارة الإسلامية، وإدارة الشؤون العامة والبيروقراطية هو مشكلة رئيسية أخرى بين الجماعات الإسلامية المختلفة والتي تحتاج إلى معالجة، لأن شؤون الدّولة الإسلامية في جميع مجالات الحياة التي تقوم على النظرة الإسلامية للعالم تتمّ في هياكل فريدة للنظام الإسلامي، لذلك لا يمكن جعل الإسلام قابلاً للتكيف مع هيكل الجمهورية التي تقوم على أساس نظرة الغرب للعالم. لذلك، يبدو أن نظرة الإمارة الإسلامية إلى تطبيق الشريعة تشبه ما يسمى بالممارسات الإسلامية التي اتخذتها السعودية وإيران، والتي بدورها ستحطّم مرةً أخرى آمال الأمة المعلقة بفتح الإمارة الإسلامية.
وللأسف فإن السياسة الخارجية للإمارة الإسلامية تقوم على فكرة وأساليب الدولة القومية، حيث إن الشغل الشاغل للسياسة الخارجية لها هو متابعة المصالح الوطنية وكذلك الاعتراف بها من الأمم المتحدة والدول الأخرى، وممارسة الدبلوماسية العلمانية؛ بينما تقوم السياسة الخارجية للدولة الإسلامية على فكرة حمل الإسلام إلى العالم بالدعوة والجهاد، ولا يمكن تقييد الدولة الإسلامية داخل الحدود الوطنية.
بالنظر إلى العوامل المذكورة أعلاه، ستقع أفغانستان مرةً أخرى تدريجياً في أيدي الكفرة إذا لم يتمّ تطبيق الإسلام بالكامل، بينما تمتلك الأمة الإسلامية القدرة على تحديد كل من هذه المشاكل بدقّة ومعالجتها بناءً على النظرة العالمية للإسلام. في هذا الصدد، قام حزب التحرير، بصفته أعظم قيادة فكرية وسياسية للأمّة بما يقرب من 70 عاماً من الخبرة في النضال من أجل الإسلام، بصياغة دستور يتكون من 191 مادة قائماً على القرآن والسنة وإجماع الصحابة والقياس الشرعي ويهدف إلى معالجة شؤون الأمة الجارية.
هذا الدستور إلى جانب القدرة السياسية لأعضاء حزب التحرير ووصولهم إلى الموارد في جميع أنحاء الأمة الإسلامية لديه القدرة على تنظيم النظام الجديد تحت قيادة الدولة الإسلامية داخل مؤسسات الخلافة لمواجهة شؤون الأمة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والصناعية وكذلك السياسة الخارجية القائمة على الإسلام. لذلك استجيبوا لنداء حزب التحرير بشأن إقامة الخلافة الراشدة الثانية لاستعادة دولة الأمة العظيمة بتوحيد أفغانستان وجنوب ووسط آسيا.
* رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية أفغانستان
رأيك في الموضوع