(مترجم)
في خطابه الأخير أمام الكونغرس، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن: "لقد حان الوقت لإنهاء أطول حرب لأمريكا". وأضاف "لا يمكننا مواصلة دورة تمديد أو توسيع وجودنا العسكري في أفغانستان على أمل خلق الظروف المثالية لانسحابنا، وتوقع نتيجة مختلفة. ولا يمكننا تبرير الإبقاء على وجودنا العسكري في أفغانستان، بيد أننا سنواصل مساعداتنا الدبلوماسية والإنسانية في أفغانستان".
على مدى ما يقرب من عقد من الزمان، مرت الحرب في أفغانستان بمأزق خطير حيث لم تتمكن أمريكا من هزيمة حركة طالبان كما لم تتمكن طالبان من الإطاحة بالحكومة الأفغانية المدعومة من أمريكا. وبالتالي فإن أمريكا تحاول كسر هذه التعويذة من خلال متابعة محادثات السلام مع طالبان من أجل تجنب فشلها الكامل في أفغانستان.
إن السبب الذي جعل أمريكا تعتزم اتخاذ مثل هذا القرار الصعب يرجع في الأساس إلى أنها من ناحية، كانت تعاني من هزيمة ملحوظة في حرب غير تقليدية مع الأفغان، ومن ناحية أخرى، تغير الرأي العام حول الحرب في أفغانستان حتى الآن في أمريكا والعالم منذ عام 2001. والواقع أن حرب أمريكا وحلف شمال الأطلسي لا يدعمها الناس في أمريكا الآن فحسب، بل إنها فقدت شرعيتها أيضا في المنطقة والعالم بأسره. وفوق ذلك فإن أمريكا لم تكن معنية، بعد أزمة كوفيد، بإنفاق المزيد من المال للمضي قدما في الحرب الأفغانية غير المتكافئة التي كان من غير المرجح أن تضمن النصر لها. وإلى جانب ذلك، خرجت حركة طالبان من عزلتها السابقة من خلال تطوير علاقات دبلوماسية مع بلدان في المنطقة.
كان صعود تنظيم الدولة في أفغانستان قضية أخرى أرادت أمريكا من خلالها نقل نيران الحرب إلى آسيا الوسطى بدعم من الحكومة الأفغانية وباكستان والاستخبارات الأمريكية والمرتزقة، ولكن هذا السيناريو تعرض لضربة قاسية من جانب طالبان، مما أدى إلى إقامة طالبان علاقات دبلوماسية مع بعض دول المنطقة. وقد أثار مثل هذا الجهد مخاوف في أمريكا من أن يتم تزويد طالبان بالمعدات العسكرية والأسلحة من دول المنطقة، وخاصة روسيا والصين، ما من شأنه في يوم من الأيام أن يغير ميزان الحرب ويضمن هزيمة مطلقة لأمريكا وحكومتها العميلة في أفغانستان.
وعلى الرغم من أن الجيش الأمريكي والسياسيين يختلفون حول آفاق الحرب في أفغانستان، إلا أن المؤسسات السياسية والدبلوماسية الأمريكية تمكنت من التفوق على القطاع العسكري الأمريكي في حالة الحرب الأفغانية. ولهذا السبب، يضغط الساسة الأمريكيون بجدية من أجل انسحاب القوات من أفغانستان.
من ناحية أخرى، لا ينبغي ترجمة انسحاب القوات الأمريكية وقوات حلف شمال الأطلسي على أنه نهاية النفوذ الأمريكي في أفغانستان. وكما ذكرت أمريكا صراحة، فإنها ستستمر في دعم الحكومة الأفغانية من خلال ضمان المساعدات المالية والعسكرية والدبلوماسية والاستخباراتية والإنسانية. وهناك احتمالات بأن تقود أمريكا أفغانستان من خلال أزمة حادة ربما حرب أهلية قاسية، كما أظهرت الضوء الأخضر في الوقت نفسه للهند وإيران والإمارات والسعودية والدول الأوروبية لمواصلة دعمها للحكومة الأفغانية. أما بالنسبة للهند، فقد كانت توزع الأسلحة على بعض عناصر التحالف الشمالي من خلال الحكومة بهدف إعدادهم لحرب محتملة.
ومن ناحية أخرى، فإن أمريكا لديها حوالي 20,000 متعاقد دربتهم وكالة الاستخبارات المركزية في أفغانستان، 7000 منهم أمريكيون معروفون بين الأفغان باسم "القتلة المأجورين أو المرتزقة الأمريكيين" بسبب تدابيرهم الوحشية وإرهابهم، بينما بقية المتعاقدين هم من الأفغان المدعومين من وكالة الاستخبارات المركزية. وقد سلمت أمريكا مؤخرا عددا كبيرا من هؤلاء (الأفغان) إلى حكومة أفغانستان. كل هذه الخطوات تشير إلى أن الحرب بين الحكومة وطالبان سوف تزداد حدة إذا لم يكن من المرجح أن تصل عملية السلام، وخاصة مؤتمر إسطنبول، إلى النتائج المرجوة.
في أعقاب الإذلال والفشل العالميين من خلال أجندة "الحرب على الإرهاب" المستمرة منذ 20 عاما، يبدو أن أمريكا قد حولت الآن سياستها ضد الصين وروسيا. وبأخذ ذلك في الاعتبار، لا تزال أفغانستان تحتل موقعا مركزيا واستراتيجيا في السياسة الخارجية لأمريكا. وبما أن أمريكا تسعى إلى تطويق الصين من خلال دول قوية مثل الهند وكوريا الجنوبية واليابان، فإن هذا يدل على أن احتمالية قيام أفغانستان مستقرة وقوية من غير المرجح أن يتحول إلى حقيقة واقعة في هذه الأثناء. لذلك، ستشتد حدة عدم الاستقرار وحتى شكل من أشكال الحرب الأهلية ما لم تصل عملية السلام إلى نتيجة ناجحة مع مشاركة طالبان تدريجياً في الحكومة. ولهذا السبب، تحاول أمريكا تحويل أفغانستان إلى ممر لتصدير النار وانعدام الأمن إلى الصين وآسيا الوسطى تحت ستار محادثات السلام من أجل تعريض المشاريع الاقتصادية الصينية والتقدم السياسي والنفوذ في المنطقة للخطر.
مع انسحاب أمريكا عسكريا من أفغانستان فإن الوضع لن يتحول إلى ما يريده أهل هذه البلاد المسلمون. وهذا يعني أن نفوذ أمريكا الكافرة سيظل نشطا بقوة، ولن يستند حكم الحكومة، أيا كانت، إلى الإسلام وحده. وبالتالي، فإن مصير أفغانستان وغيرها من البلاد الإسلامية لن يعود إلى أيدي المسلمين ما لم تتم إقامة الدولة الإسلامية الحقيقية (الخلافة الراشدة على منهاج النبوة) التي ستقضي على الاحتلال والاستعمار بكافة أنواعه مثل المساعدات المالية والعسكرية والاستخباراتية والثقافية والإنسانية الغربية، وتقطع دابر الغرب الكافر المستعمر من بلاد المسلمين.
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية أفغانستان
رأيك في الموضوع