(مترجم)
لقد أثبت التاريخ أن كل الاحتلالات المتعجرفة قد واجهت هزيمةً مذلةً في أفغانستان. فقط في الـ42 عاماً الماضية، اضطرت قوتان عالميتان (الاتحاد السوفيتي وأمريكا وحلفاؤها في الناتو) لتجرع مرارة الهزيمة على هذه الأرض.
وبالمثل، تجاهلت أمريكا قبل عشرين عاماً حقائق أفغانستان تماماً مثل تاريخها، وتضاريسها الصعبة، ونمط الحياة القبلي والبسيط، وجهاد أهلها وتضحياتهم. والأهم من ذلك، تجاهلت أن أهل هذه الأرض يعتزون بعقيدتهم، وعلى الرغم من معرفة كل شيء هاجمت بغطرسة وقامت باحتلال أفغانستان!
لقد استغلت أمريكا كل الأساليب لتخدع نصف العالم تحت الادعاء الكاذب بـ"الحرب على الإرهاب"، والتي كانت في الواقع حرباً ضد الإسلام والمسلمين، لتعبئتهم تحت شعارات فارغة هي الديمقراطية والحرية والأمة المتطورة، وبناء الدولة، وإعادة الإعمار، وحقوق الإنسان، وحقوق المرأة وحقوق (الأقليات). تحت هذه الذرائع، فرضت أقلية عميلة من بين ما يسمى بالقادة السياسيين والعسكريين على أهل هذه الأرض من خلال تشكيل حكومة شاذة، لولا دعم القوات المحتلة، لما استطاعت البقاء على قيد الحياة ليوم واحد بين مسلمي أفغانستان.
لقد أنفقت أمريكا أكثر من 2 تريليون دولار على هذه الأرض، وخسرت حوالي 2500 جندي وأكثر من 20 ألف جريح، وعشرات الآلاف منهم تركوا هذه الأرض بصدمات نفسية عميقة، وانتحر العديد منهم والبقية يعانون حياة مليئة بالشعور بالذنب والصدمات والندوب والجروح بسبب الجرائم والقسوة والإرهاب الذي ارتكبوه ضد الأبرياء العزّل.
عندما أدركت أمريكا هزيمتها العسكرية المهينة في أفغانستان، نسيت على الفور وعودها الكاذبة لدافعي الضرائب الأمريكيين وشعب أفغانستان وعملائها بإعلانها انسحاباً غير مشروط من البلاد.
إلى جانب ذلك، قادت أمريكا اللعبة على هذا النحو لتحقيق أهدافها، من خلال محادثات السلام والاتفاق مع طالبان، وهو ما عجزت عن تحقيقه خلال 20 عاماً من الحرب. لكن خداعهم فشل مرةً أخرى لأن طالبان، التي اعتادت أمريكا على تسميتها "جماعة إرهابية" بسبب عدم امتثالها للقيم الديمقراطية والإنسانية، أعطيت شرعية دولية. سافر بعض قاداتها إلى بلدان مختلفة وأقاموا علاقات معهم، لقد وسّعوا نفوذهم وسيطرتهم داخل البلاد وبرزوا كواحد من الأطراف الرئيسية للقضية الأفغانية التي وقّعت معها أمريكا أخيراً اتفاقية الدوحة فقط من أجل حفظ ماء وجهها.
أمريكا لم تكتف بذلك بل واصلت لعبتها المخادعة حيث اعترفت رسمياً وفي الوقت نفسه بكل من حركة طالبان وحكومة كابول. لقد افترضت أن حكومتها الدمية ستكون قادرة على مقاومة ومحاربة طالبان وتغيير تيار الحرب في ساحة المعركة، لكن تبين أن هذا خطأ آخر في التقدير. لم تدرك أمريكا أن حكومتها الدمية الخائنة والفاسدة ليست لها جذور بين الشعب المسلم في أفغانستان منذ اليوم الأول. لهذا السبب، لم تستطع البقاء لأكثر من بضعة أسابيع وفقدت بشكل مهين جميع مقاطعاتها وعواصم المقاطعات في فترة زمنية قصيرة. على الرّغم من مصالحه الشخصية ومصالح قلة من الأفراد، كان أشرف غني يحاول المقاومة، لكن مقاومته تضاءلت في اللحظة الأخيرة بسبب الفرار المخزي من البلاد، تاركاً أتباعه في المياه الساخنة. الآن أرسل الغرب 5000 جندي أمريكي إضافي و600 جندي بريطاني إضافي لمنع سقوط كابول بذريعة كاذبة هي الإخلاء الآمن لموظفي سفارتهم وعبيدهم وجواسيسهم ومرتزقتهم، لكنهم لم يتمكنوا من ذلك.
في غضون ذلك، يتبنى الغرب مواقف مبعثرة فيما يتعلق بأفغانستان. لدى أمريكا وبريطانيا وأوروبا ثلاث وجهات نظر مختلفة حول أفغانستان حيث لا يمكنهم التوصل إلى إجماع فيما بينهم ﴿تَحْسَبُهُمْ جَميعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى﴾. كما تشعر دول المنطقة بالقلق إزاء الوضع في أفغانستان وتحاول رؤية أحد الجانبين يسيطر على الشؤون في البلاد؛ خاصةً الروس القلقين من وصول انعدام الأمن إلى ساحتهم الخلفية في آسيا الوسطى، بينما الصين قلقة على مشاريعها الاقتصادية في باكستان وآسيا الوسطى.
علاوةً على ذلك، تضغط أمريكا والدول الغربية والأمم المتحدة على طالبان لمنعها من العودة إلى إقامة "الإمارة الإسلامية" من خلال تهديدها بأنها ستعزل طالبان وتقطع دعمها الاقتصادي إذا حاولت السيطرة عليها من البلاد بالقوة. لكن يجب على طالبان أن تدرك أن العديد من الأفخاخ الخطرة تُنصب أمامها من الآن فصاعداً. إن فخّ الدولة القومية وعدم الامتثال للشريعة والاعتراف بالاتفاقيات الدولية وحقوق المرأة وما إلى ذلك هي القيم التي يجب رفضها بشكل قاطع وصريح. يجب أن تتعلم طالبان من تجارب الحركات الإسلامية الأخرى وأن تنأى بنفسها عن المشاركة في الأنظمة غير الإسلامية والتي هي من صنع البشر، ويجب ألا تقبل أي شيء سوى الحق. وذلك لأن التسوية في تطبيق الإسلام ستؤدي إلى فقدان شرعيتها ومصداقيتها بين الناس، وبدون دعم المسلمين لا يمكن لأي حركة إسلامية البقاء بعد الآن. لا يمكن حصر الإسلام وتقييده في جغرافيا صغيرة وشعب واحد حيث لن يتمكنوا من توحيد المسلمين كأمة واحدة سلمهم واحد وحربهم واحدة.
على طالبان أن تدرك أن أمريكا والغرب والأمم المتحدة هدفهم هو دفعها لقبول حل مؤقت بين الإسلام والكفر، لكن ما يقع بين الحق والباطل هو الباطل فقط. وعليه، يجب على طالبان إقامة نظام الإسلام في ظل الخلافة على منهاج النبوة لكل المسلمين في العالم، وعليها أن تطبق دستوراً يقوم على الشريعة، وأن تكون سياستها الخارجية قائمة على نشر الإسلام بالدعوة والجهاد. هذه هي سبيل العز في الدنيا والفلاح في الآخرة.
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية أفغانستان
رأيك في الموضوع