ليس من المبالغة القول إن قضية كشمير تتشابه إلى حدّ كبير مع قضية فلسطين، تشابهاً يصل حدّ التطابق من ناحية التفريط في الأرض لصالح العدو وفي التصريحات والتعبيرات المستخدمة من السياسيين الذين يدّعون تمثيلهم للقضيتين، من مثل: (أشاد، وأعرب، وتعهّد، وأوصى، وشجب، واستنكر، وطالب...الخ)! في هذا السياق نذكر أن رئيس وزراء باكستان عمران خان أشاد بشعب كشمير المحتلة على بقائه "شجاعاً في كفاحه من أجل تقرير المصير"، وتعهّد بمواصلة رفع صوته من أجل حقوق الشعب "حتى يُسمح للكشميريين بتقرير مستقبلهم وفقاً لقرارات مجلس الأمن الدولي". القضيتان بدأتا في وقت واحد تقريبا (في عام 1948م)، والشعبان المسلمان يواجه كل منهما عدوّاً لدوداً حاقداً على الإسلام والمسلمين، يسعى لتفريغ البلاد من سكانها الأصليين وإبادتهم، ويقوم بممارسات تغتصب حقوقهم المشروعة، وكما شهد المسلمون في فلسطين مذابح بشعة على أيدي دولة يهود عبر ما يزيد على سبعين سنة، شهد المسلمون في كشمير كذلك العديد من المذابح التي ذهب ضحيتها الآلاف منهم، والقضيتان شهدتا تواطؤاً دوليّاً في مجلس الأمن ترتب عليه ضياع البلاد وضياع حقوق المسلمين، وقد صدرت عشرات القرارات التي تؤيد حق الشعبين في تقرير مصيريهما، والإدانات لاعتداءات دولة يهود في فلسطين والدولة الهندوسية في كشمير، لكن هذه القرارات لم تنفّذ حتى اليوم ولن تنفّذ، فالأمم المتحدة هي نفسها التي تراخت ولم تسعَ باتجاه تنفيذ القرارات الدولية التي أصدرتها لصالح المسلمين في كشمير، على الرغم من اطّلاع المجتمع الدولي وعلى رأسه الأمم المتحدة على ممارسة القوات الهندية لجرائم وحشية لا مثيل لها في التاريخ، من قتل وتعذيب وتشريد للمسلمين وهتكٍ للأعراض وحرق للمنازل والمتاجر والحقول...
إن معنى كلمة كشمير هو "جنة الله على الأرض"، ويطابق المعنى وصفَ رسول الله ﷺ للأرض المباركة فلسطين، حيث ورد عن ابن عباس قوله مرفوعاً: «من أراد أن ينظر إلى بقعة من بقاع الجنة فلينظر إلى بيت المقدس»، وكما دنس يهود بيت المقدس وعاثوا فيه الفساد، فقدت كشمير في ظل الاحتلال الهندوسي زخرفها ورونقها، وتحولت إلى قفار منعزلة وقبور موحشة مهجورة، بعد أن بلغ عدد القوات الهندية فيها أكثر من مليون جندي هندوسي يمثلون نحو نصف تعداد الجيش الهندي، جلّ همهم القتل والتنكيل بأهل كشمير. لعلّ الفارق الوحيد بين البلدين هو في تعداد السكان، حيث يصل عدد سكان كشمير إلى أكثر من 60 مليونا، بينما يصل عدد سكان فلسطين الذين بقوا فيها بعد التهجير نحو 6 ملايين.
كما ملّكت بريطانيا فلسطين ليهود بعد انتدابها، قامت بريطانيا ببيع كشمير لغلاب سينغ بمبلغ 5.7 مليون روبية بموجب اتفاقية أمريتسار في آذار/مارس 1846م، غداة الحرب الأولى التي نشبت بين الإنجليز والسيخ، وقد علّق بريم ناث بزاز على هذه الصفقة، وهو أحد الوجوه السياسية المعروفة في كشمير بقوله: "مليونا فردٍ في وادي كشمير وجلجيت بيعوا كما تباع الشياه والأغنام لمقامر غريب، دون أن يكون لهم أدنى رأي في الموضوع"، وقد استطاع غلاب سينغ بمزيج من البطش والدبلوماسية أن يسيطر على جامو وكشمير، بما فيها مناطق لاداخ وبلتستان وجلجيت، وأنشأ نظام حكم لعائلة دوغرا التي حكمت كشمير حتى سنة 1947م.
بالنسبة لمناداة عمران خان "بحق تقرير المصير"، فهذا المطلب طالب به مجلس الأمن منذ احتلال الهند لكشمير، حيث قام مجلس الأمن الدوليّ، قبل سبعين سنة، بعد مناقشة طويلة للقضيّة الكشميريّة بإصدار بعض القرارات لحل القضيّة بإجراء استفتاء لتقرير مصير الولاية، بانضمامها إلى الهند أو باكستان، وأهمّ هذه القرارات هو القرار رقم 47 المؤرخ في 21 من نيسان/أبريل 1948م، والقرار المؤرخ في 13 من آب/ أغسطس 1948م، والقرار المؤرخ في 5 من حزيران/يونيو 1949م، وتضمّنت هذه القرارات وقف إطلاق النار في كشمير، وأن تقرير مستقبل ولاية جامو وكشمير سيكون طبقاً لرغبة الشّعب الكشميريّ، لكن الهند لم تطبق أيّاً من هذه القرارات الدوليّة الخاصة بالقضيّة الكشميريّة، بل كسبت الوقت لترسيخ قواعدها وجذورها في الولاية، حتى وصل الحال إلى ضمها للإقليم بشكل رسمي في 5/8/2019م حين قام مودي بإلغاء المادة 370 من دستورهم المتعلق بكشمير.
إن مناداة عمران خان بحق تقرير المصير في كشمير هي آخر فصول قطع الصلة بين باكستان وكشمير، فقد أوصلتنا هذه السياسات المنبطحة إلى تجرؤ الدولة الهندوسية على إلغاء الوضع القانوني لكشمير بشكل رسمي في البرلمان الهندي، ولم يتبقَ لعمران أو من يأتي بعده من الوسط السياسي في باكستان إلا عقد مؤتمر للسلام يتم التوقيع فيه رسميا على تخلّيه عن كشمير، تماما كما فعل حكام العرب ومنظمة التحرير حينما وقّعوا في "مؤتمر السلام" للتآمر وصادقوا على تمليك يهود للأرض المباركة فلسطين. لذلك لا يُقبل من أي سياسي أو عسكري الادّعاء بأن السبل الدبلوماسية واللجوء للمنظمات الدولية يمكن أن تكون خياراً لتحرير كشمير، بل هي خيانة وتفريط وبيع وتمليك للأرض الطاهرة لدولة الهندوس، وهذا مع علم الجميع وتحت سمع وبصر كل ذي عقل.
إن مسئولية تحرير كشمير تقع على عاتق المجاهدين المخلصين في هذه الأمة، وعلى رأسهم المخلصون في الجيش الباكستاني، لكنّ النظام ورجاله في باكستان هم العقبة الوحيدة التي تقف أمام جهادهم لتحرير كشمير، لذلك كان واجباً على المخلصين في الجيش الباكستاني الإطاحة بهذا النظام العميل الخائن، وكنس رجاله، وتسليم السلطة لحزب التحرير، الرائد الذي لا يكذب أهله، حتى يقيم الخلافة على منهاج النبوة، التي ستقود الجيش الباكستاني لتحرير كشمير وكامل الهند من دنس الهندوس، فتعيد كشمير إلى حظيرة الإسلام، كما كانت عليه لقرون خلت، فلمثل هذا فليعمل العاملون.
رأيك في الموضوع