تنتشر اليوم فكرة بين الناس أن الأمور أصبحت بيد الدول ولا نستطيع أن نفعل شيئاً فلا الحاضنة تؤثر على أحد ولا القائد المخلص قادراً على كسر الخطوط الحمراء لأنه سيكون بمواجهة المنظومة الدولية الراعية للاتفاقيات، وبمواجهة المنظومة الفصائلية المرتبطة بها والتي جعلت من نفسها أداة بيد الدول المتآمرة على ثورة الشام.
لقد وصل بعضهم إلى هذه القناعات عندما نقل سند ثورته اليتيمة من حضن الأمة إلى قاتل أبيها والمتآمر على أبنائها الذي يُطلب منه الثأر ولا يُطلب منه النصر.
ولا بد هنا أن نتناول ثلاثة جوانب: الأول فيما يتعلق بدوافع الحاضن الحالي، والثاني بإمكانية استعادة المولود وإعادته لحضن أمه، والثالث يتعلق بكيفية الاستعادة وتنمية صحة المولود.
أما الجانب الأول فإن المنظومة الدولية التي سارعت لتبني الثورة، فهي ما فعلت ذلك إلا لضمان عدم تحقيق هذه الثورة أهدافها ثم كان الاحتضان من زاوية أخرى ناتجاً عن إدراك المنظومة الدولية لخطورة هذه الثورة عليها، لذلك سارعوا لترويضها وجعلها تسير تحت ظلهم وتوجيهاتهم لأنهم عجزوا عن ذلك بالقوة العسكرية التي استخدمها عميلهم بشار أسد.
ولو أدرك الثوار نقطة الضعف هذه في عدوهم لاستطاعوا الانتقال بسلاسة إلى الجانب الثاني الذي يدعم فكرة قدرتهم على استعادة ثورتهم من حضن عدوها لإدراكهم مكامن قوتهم التي أوهمهم عدوهم أنها غير موجودة ثم زاد في الوهم ليقنعهم بأنهم غير قادرين على الخروج من حضنه وعباءته.
فإمكانية الخروج موجودة لأن العدو لم يتمكن من كسرها إلى الآن.
أما عن كيفية الخروج من مظلة المنظومة الدولية في ظل حزمة الأفكار الخبيثة التي يتم ضخها بين الناس كفكرة صداقة المجتمع الدولي لنا، وفكرة وجود تقاطع مصالح بيننا وبينه، وفكرة أن المجتمع الدولي يسعى لحقن الدماء، وفكرة أن الثورات لا تنجح بدون حلفاء، وغيرها من الأفكار الخبيثة التي يتم بثها ضمن حاضنة الثورة من خلال القنوات وبيانات الفصائل وخطب المشايخ التابعين لها والإعلاميين السائرين في الخط نفسه... أما عن كيفية هذا الخروج في ظل كل هذه الأفكار فإنها تبدأ بتوعية الناس على الحكم الشرعي الذي يحرم الارتماء في حضن الغرب والاعتماد عليه حيث يقول تعالى: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ﴾ وتثبيت هذه الفكرة في أذهان الحاضنة لتكون حصناً لهم أمام ما في جعبة هذه المنظومة من خبث جديد متجدد.
قد يدور في ذهن البعض أن هذا الطرح نظري فكري غير عملي ولكننا نقول: إنّ الصيال الفكري الثقافي التبشيري لا يواجهه إلا رد صيال من الجنس نفسه، فالفكرة تواجهها فكرة والسياسي يواجهه سياسي، وهذا الجانب الفكري كنقطة أولى في كيفية الخروج من عنق الزجاجة الدولية هو الأساس الذي ينبغي الانطلاق منه للنقطة الثانية ألا وهي إعادة تعريف الثورة بعد أن شابها ما شابها من لوثات الداعمين وأدواتهم من قادة وشرعيين ومرقعين ومطبّلين؛ وهذا التعريف سيكون كفيلاً بفسططة الصفوف وتعرية أعداء الثورة في الداخل والخارج وسيكون أهم بنود الميثاق الذي تستطيع الحاضنة بواسطته محاسبة من يحيد عنه عن بينة.
وعليه فإن نقطة تبني الحاضنة لتعريف الثورة والتي تعني التغيير الجذري الانقلابي على المنظومة القائمة والإتيان بنظام جديد؛ هذا التعريف سينسف المنظومة الدولية من أساسها كونها الراعي والأب للنظام الذي خرجت الثورة عليه. وإن تبني هذا التعريف مع ثوابت الثورة سيضع الصراع في السكة الصحيحة وهي أنه صراع وجود وصراع حق وباطل وصراع مع منظومة دولية وليس مع ناطور ذليل كبشار أسد.
ولكن إن لم نصل لإدراك حقيقة الصراع بهذا الشكل فسوف يأتي يوم نصفق فيه لنصر عدونا علينا ونحن نظن أننا قد انتصرنا!
يلحق بهذه النقطة صنع رأي عام يقضي بتجريم كل من يطالب المجتمع الدولي بالتدخل واعتباره عدواً للثورة وشريكاً حقيقياً للنظام.
أما النقطة الثالثة والتي لا غنىً عنها فهي الضرورة الملحة لبناء الحاضنة وترتيب صفوفها خلف وجهائها وشبابها وشخصياتها المؤثرة المخلصة الواعية التي تتبنى الثورة بتعريفها الصحيح وثوابتها المتمثلة بإسقاط النظام بدستوره وأركانه ورموزه، وقطع الارتباط بالغرب الكافر، وإقامة نظام بديل منبثق من عقيدة أهل الشام يليق بهم أمام الله ويليق بتضحياتهم التي لم يقدموها لإعادة إنشاء نظام عميل للمنظومة الدولية من جديد.
وإن ترتيب وبناء الحاضنة يعني أن يتخلى رجالها عن عقلية أصحاب الخطوة الثانية وعن عقلية "سنتحرك إذا تحرك الناس"! لأن هذه العقلية ليست عقلية ثائر يستطيع القيام بالتغيير الجذري بل هي عقلية انهزامية ستجعل الكل من أصحاب الخطوة الثانية التي لن يصلوا إليها لغياب أصحاب المبادرة والخطوة الأولى.
وعليه فإن على كل فرد من هذه الحاضنة أن يعي مسؤولياته تماماً ويتحملها، ويدرك قبل ذلك أن تأخره وصمته سينتج نظاماً عميلاً للمنظومة الدولية لن يكون الخروج عليه سهلاً على المدى القريب؛ ولا بدّ أن يدرك الجميع أن الثورة بلا مشروع كالريشة في الهواء تتقاذفها الرياح، وكالسن في دولاب الغرب تدور معه حيث دار، ولذلك فإن من أوجب الواجبات لتحقيق كل ما ذكر أعلاه أن يتم نزع القيادة السياسية للثورة من أصحاب المشاريع الغربية وتسليم القيادة السياسية لأصحاب المشروع السياسي المنبثق من العقيدة الإسلامية والمنبثق من مفاهيم دقيقة لمعنى الثورة وثوابتها، ولا بد أن يدرك الجميع بأن أنصاف الثورات مقتلة، وبأن فاتورة التحرك اليوم أقل بكثير من فاتورة التحرك غداً، وبأنه لا يوجد نصف ثورة ولا يوجد نصف إسلام.
رأيك في الموضوع