(مترجم)
لقد أعلنت طالبان أنها تحاول تشكيل حكومة جديدة في أفغانستان، حكومة ستسعى لإقامة علاقات دبلوماسية صديقة قائمة على "الاحترام المتبادل" مع أمريكا وبقية العالم. حيث قال بلال كريمي، وهو مسؤول رفيع في طالبان وعضو في اللجنة الثقافية، لفويس أوف أمريكا: "إن الدولة الإسلامية تريد إقامة علاقات سياسية واقتصادية وتجارية جيدة مع أمريكا، قائمة على الاحترام المتبادل والمساواة".
مع التطورات الأخيرة لتاريخ السياسة البشرية حتى يومنا هذا، وقبل ظهور القانون الدولي والتخلي عن التقليد الدولي، كانت كل دولة تحصل على شرعيتها بشكل طبيعي من خلال قوتها وقدراتها السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية. لكن بعد قيام أسرة الدول النصرانية بالاتحاد ضد دولة الخلافة العثمانية خلال التحول إلى القانون الدولي؛ ونتيجة لذلك، فإن النظام العالمي الذي تقوده أمريكا ظهر أخيرا بعد العديد من النجاحات والإخفاقات.
في نظام عالمي يحكمه القانون الدولي، فإن هذه القوانين تسنّها قوى عظمى من خلال العديد من المنظمات الدولية؛ مؤتمرات، قرارات، إعلانات، وسياسات يتم فرضها على الدول الضعيفة التي نالت عضوية في مثل هذه المنظمات من خلال عمليات مكر وخداع. بينما لا توجد أية قوى تنفيذية تقوم بفرض هذه القوانين على أولئك الذين يخرقونها.
مع العلم أنه لحصول الشرعية لأي دولة منظمة، سيكون عليها وبشكل قطعي الاعتراف بالقانون الدولي الذي تقوده أمريكا والأعضاء الدائمون لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وهنا يبرز سؤال فيما إذا كانت تدعي الحكومة أنها دولة إسلامية، فهل إظهار نموذج دولة رسول الله ﷺ وخلفائه، يمكن أن يتماشى مع القانون الدولي القائم على العلمانية والعقلية الغربية، وإقامة العلاقات مع جميع دول العالم على أساس "الاحترام المتبادل"؟! فلو كان الجواب نعم، يجب عندها الإجابة عن هذه الأسئلة: ألم تجعل الدولة الإسلامية سياستها الخارجية قائمة على أساس حمل الإسلام إلى العالم بالدعوة والجهاد؟! ألم تصبح البلاد الإسلامية الشاسعة هذه دار إسلام بدماء المجاهدين؟! وأليس بسبب هذه السياسة الخارجية للدولة الإسلامية على مرّ التاريخ نحن الآن مسلمون كما كان أجدادنا؟!
لهذا، يجب على قادة الدولة القائمة (للإمارة الإسلامية) أن يدركوا أنه يجب على الدولة الإسلامية أن تطبق الإسلام فقط في كل مناحي الحياة، وأن تستمر بذلك من خلال سياستها الخارجية - الدعوة والجهاد - كواحدة من واجبات الأمة أمام العالم بأكمله. ولو تم تطبيق جزئية من الإسلام داخل الدولة، بينما تطبيقه على البشر كان محصورا بنظام من صنع البشر والقانون الدولي، فهذا من شأنه أن يدمر شرعية الدولة الإسلامية ويجعلها دولة غير إسلامية. ويجب علينا أن نحذر القيام بذلك، لأن الله سبحانه وتعالى حذرنا من ذلك بوضوح في القرآن الكريم حيث قال سبحانه: ﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾.
في صراع الشرعية، فإن الدول الغربية وخصوصا أمريكا، قلقون جدا من أن تقيم طالبان الإسلام في كل مجالات حياة المسلمين، وأن تخرق النظام والقانون الدوليين من خلال السياسة الخارجية للدولة الناشئة، ومن أن تدعو الأمة الإسلامية في جميع البلاد الإسلامية للدخول في كنف دار الإسلام. ولا تقتصر مخاوف الغرب وأمريكا من عدم وقوع الإمارة الإسلامية في فخ الشرعية التي تنصبها الصين وروسيا، لكنها تخشى أيضا من تعرّض دول الغرب إلى موجة هجرة كبيرة في حال مارست طالبان الاضطهاد والدكتاتورية. كما أن طالبان قلقة حول العقوبات، والمشاكل الاقتصادية، والعزلة كما حدث مع أمثالها؛ لهذا لا تريد أن تسير في الطريق نفسه بحثا عن الاعتراف الدولي والشرعية، ولتظهر مرونة معقولة مع حذر مستمر.
فمن جهة، لو اعترفت أمريكا والغرب بالإمارة الإسلامية لطالبان، عندها فإن شرعية الحرب التي استمرت ٢٠ عاما ستدور حولها الشكوك والتساؤلات. ومن جهة أخرى، لو ابتعدت طالبان عن هذا المسار، فسوف تواجه تصادمات داخلية شديدة. لهذا، فإن كلا الجهتين تواجهان تحديات صعبة وشديدة. ولهذا أيضا فإن كلتيهما اتخذتا خطوات حذرة لتحل المشكلة بشكل تدريجي، لكن الغرب يحاول جاهدا تطويع طالبان للنظام العالمي ونظام الدول الوطنية، جاعلة من أفغانستان في نهاية الأمر، وبدلا من الغزو العسكري، تحت الاستعمار استخباراتيا واقتصاديا تابعة للدول الاستعمارية. لهذا، فإن الخطوة الأولى، يجب على العناصر المخلصة في طالبان عدم السماح لها بالتوجه نحو التراجع والمرونة مع الغرب؛ والخطوة الثانية، يجب على المسلمين المخلصين في الأمة أن لا يسمحوا لطالبان أن تُعيد التجربة الفاشلة نفسها لغيرها من الجماعات الإسلامية في أفغانستان. فنحن المسلمون ملتزمون بتحقيق رضا الله سبحانه وتعالى ونؤمن أن الله سبحانه فوق كل فتن البشر ووعود الشرق والغرب. فلو فضلنا رضا الناس والمجتمع الدولي على رضا الله سبحانه وتعالى، فعندها سيتركنا سبحانه نتخبط بأيدي الاحتلال والمجتمع الدولي. قال رسول الله ﷺ: «مَنِ الْتَمَسَ رِضَاءَ اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ، وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَاءَ النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ».
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية أفغانستان
رأيك في الموضوع