تعدّ الصور التي التُقطت من مطار العاصمة الأفغانية كابول أنموذجاً جديداً لمصير العملاء المتعاونين مع أمريكا. فقد أعاد مشهد الحشود التي اجتاحت المطار صباح اليوم التالي لسيطرة حركة طالبان على العاصمة، الذاكرة نحو حوادث تاريخية مماثلة لعملاء أمريكا في فيتنام، والخيبة التي لحقت بهم بعد رحيل القوات المحتلة لبلادهم. فالتخلي عن العملاء وتركهم لمصيرهم ليس جديداً على السياسة الأمريكية، بل يعبّر عن تقاليد راسخة كثيراً ما انتهجتها أمريكا في علاقاتها مع عملائها.
وفي مشهد ما زال راسخاً في ذاكرة كل من تابع الانسحاب الأمريكي من فيتنام عام 1975، تقترب مروحية تابعة للجيش الأمريكي من سطح السفارة الأمريكية في سايغون لتخلي الدبلوماسيين والعسكريين الأمريكيين، وبينما يحاول العملاء حجز مقعد لهم على متن تلك المروحيات، كان يتمّ انتقاء الأمريكي ودفع العملاء بعيداً لكي لا يعيقوا سحب الأمريكيين، فالأولوية للأمريكي!
وتعدّ عملية "الريح المتكررة" التي خُصّصت لإجلاء الدبلوماسيين والعسكريين الأمريكيين من سايغون واحدة من أكبر عمليات الإجلاء الجوي في العالم، وبينما أعطيت الأولوية للأمريكيين احتشد العملاء الفيتناميون، الذين أصابتهم حالة هستيرية من الخوف في المطار ومحيط السفارة الأمريكية، في محاولة للحصول على مقعد، لكن عقب سحب آخر جندي أمريكي من سطح السفارة اكتشف كثير من العملاء أن مشغليهم غادروا وقد تخلوا عنهم بالفعل بلا رجعة.
لقد دأبت أمريكا على التخلي عن حلفائها عندما يصلون إلى وضع لا يستطيعون أن يقوموا فيه بالأدوار التي تدعمهم لأجلها، وسياسة أمريكا أن العميل كعود الثقاب يستخدم لمرة واحدة ثم ينتهي بالنسبة لهم، وتاريخ أمريكا حافل بالغدر والخيانة لعملائها، لأن سياستها الخارجية قامت على أنه لا صداقات دائمة ولا عداوات دائمة، وإنما هي مصالح دائمة.
وقائمة غدر أمريكا بعملائها طويلة صعب حصرها، ولكن للأسف لا زال هناك من يثق بها ويضع كل بيضه في سلتها، وينفذ كل أوامرها وإملاءاتها. ومن خلال الآلة الإعلامية الأمريكية تستطيع قلب الحقائق من أجل أن تنهي حاكماً وتأتي بحاكم آخر، ولقد غدرت بالكثير من الحكام العرب وغير العرب لا مجال لذكرهم. وفي ظل مأزق أمريكا الحالي، فإن احتمال تخليها عن المزيد من العملاء كبير، وهناك مقولة تنسب لرئيس مصر المخلوع حسني مبارك "المتغطي بالأمريكان عريان"! وربما تمثل عبارته هذه، لسان حال العديد من حكام المسلمين العملاء لأمريكا، في هذه المرحلة بالتحديد.
وبرأي عدد من المراقبين، فإنه يحق للأنظمة الحليفة لواشنطن في المنطقة العربية، أن تخشى المستقبل، في ظل توجه أمريكي عام، بدأ في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، واستمر في عهد ترامب، وصولا إلى عهد بايدن.
فكم من حكام المسلمين تفانوا في خدمة أمريكا بكل إخلاص ولكنهم لم يجنوا منها غير غدرها بهم وتخليها عنهم؟! فهذا حسني مبارك سمسار أمريكا الأكبر قد تخلت عنه فخلع من حكمه وصار حقيرا ذليلا، ومات بحسرته، وكذلك الرئيس السابق للسودان عمر البشير الذي قدم لأمريكا الكثير الكثير ففصل الجنوب بإيعاز من أمريكا جريا وراء سرابها الذي حسبه ماءً فلم يجده شيئا، مع الوعود الكاذبة التي وُعد بها، وها هو يقبع منذ قرابة العامين خلف القضبان حبيسا ذليلا.
إن أمريكا لا حليف لديها ولا صديق لها، فهذه هي السياسة التي دأبت عليها منذ نشأتها، إلا أن كثيرين من العملاء لا يتعظون؛ إذ ظنوا، وهم واهمون في ظنهم، أن أمريكا هي قوة عظمى ويمكن أن تضمن لهم الاستمرار في السلطة، ولكن انتهاء أطول حربين في تاريخها بهذا الشكل أظهر تصرفاً متكرراً لها بالتخلّي عن عملائها في اللحظات الحرجة، وعدم الاهتمام بسلامتهم في أثناء الانسحاب.
فيا جيوش المسلمين! إن الكافر المستعمر لا عهد له ولا ذمة وهو يستخدم حكامكم وقادتكم لمصلحته ثم يستغني عنهم بكل سهولة، وهناك العشرات من الشواهد إلا أن هؤلاء لا يتعظون، فهلا انفككتم أنتم من حبل أمريكا الواهن، بل ومن كل دول الكفر، وتمسكتم بحبل الله المتين الذي من تمسك به أفلح وفاز وغنم، وأعلنتموها خلافة على منهاج النبوة ترضون بها ربكم وتنالون بها عز الدنيا والآخرة وتسطرون صفحات مضيئة في تاريخكم مثلما فعل أسلافكم الأنصار رضي الله عنهم؟!
بقلم: الأستاذ عبد الخالق عبدون علي
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع