(مترجم)
لقد مر ما يقرب من شهرين منذ أن سيطرت طالبان على كابول. ومع ذلك، يبدو أن المحرك الذي كان يحقق تقدما سريعا في الساحة العسكرية يسير ببطء شديد في منصة الحكم لمعالجة شؤون الشعب.
وخلال الشهر الماضي، أعلنت حركة طالبان عن تشكيل حكومة مؤقتة بتعريف النظام بأنه "إمارة إسلامية". وقد عارضت الإعلانات والقرارات الإقليمية والدولية الأمر؛ ومع ذلك، لم تتخذ أي دولة حتى الآن أي موقف قوي بشأن عودة الإمارة.
ولم يعد عمل نظام طالبان إلى طبيعته لأن المشكلة الاقتصادية تزداد سوءا يوما بعد يوم. ومن الواضح أن الطوابير الطويلة في الجزء الخلفي من البنوك، حيث يسمح للناس بسحب 200 دولار فقط في الأسبوع من البنك بعد أيام قليلة من التصارع مع المتاعب والازدحام، تتحدث عن وضع اقتصادي غامض. وعلى الرغم من أن جزءا من المشكلة هو ما تركته الإدارة السابقة، فإن حركة طالبان لم تتمكن بعد من إيجاد آلية لمعالجة المشكلة السائدة.
وبدلا من ذلك، قال وزير العدل بالإنابة في اجتماع مع السفير الصيني في أفغانستان: "خلال الفترة الانتقالية، ستضع إمارة أفغانستان الإسلامية دستور محمد ظاهر شاه، الحاكم السابق لأفغانستان، موضع التنفيذ، من خلال إلغاء بنوده المخالفة للشريعة الإسلامية ومبادئ الإمارة الإسلامية".
ومع ذلك، فقد أعقب هذا الإعلان موجات من خيبات الأمل بين الشعب الأفغاني، ولا يمكن إنكار الضغوط العالمية التي تؤثر على طالبان لوضع نصب أعينهم ذلك الدستور كأساس. وقد أثار هذا القرار معارضة من داخل طالبان وخارجها. إن وضع هذا الدستور كأساس، ولو لفترة مؤقتة، أمر بالغ الخطورة ويحرض على عدم الثقة لأن دستور ظاهر شاه ليس أكثر من قانون علماني وضعي تم التصديق عليه بناء على أصوات الشعب من خلال لويا جيرغا. والواقع أن هذا القانون، بدلا من الشريعة الإسلامية، قد أخذ الشرعية من الشعب؛ وبدلا من العقيدة الإسلامية، يقوم على الأفكار العلمانية وكذلك فصل دين عن الحياة.
وبذلك، تحاول طالبان أن تنقل نهجها الأكثر مرونة إلى العالم. إنهم لا يريدون أن يكونوا معزولين سياسيا واقتصاديا كما حدث في التسعينات؛ وبالتالي، فهم يحاولون الدخول في علاقة ودية وبناءة مع العالم. وكما قال عبد الغني برادار، النائب الأول لرئيس وزراء طالبان، خلال مأدبة مع السفراء والدبلوماسيين الأجانب في كابول: "لا تنتهج الإمارة الإسلامية سياسة الإضرار بدول العالم الأخرى وتريد إنشاء علاقات جيدة معها جميعا". ودعا الدول الأجنبية إلى فتح سفاراتها في كابول. وقال وزير الخارجية بالإنابة أمير خان متقي "إننا نريد فتح فصل سياسي جديد للحكم الجيد في الداخل والعلاقات مع المنطقة والعالم". كما أكدت حركة طالبان للسفراء الأجانب كفالة أمنهم وأمن الرعايا الأجانب الآخرين في أفغانستان.
من الواضح أن هذه المواقف المرنة تكشف عن الجهود الجادة التي تبذلها حركة طالبان للحصول على اعتراف دولي حيث لم يعترف أي بلد بعد بها، وتحاول كسر الجليد. والواقع أن العالم بدأ لعبة الكيل بمكيالين مع طالبان، بما أنهم لم يعترفوا بها ولم يقطعوا علاقاتهم تماما معها، معترفين بشرعيتها "بحكم الواقع". وفي الوقت الراهن، يوجد سفراء وممثلون كبار من 12 بلدا أجنبيا في أفغانستان. وعلاوة على ذلك، تحاول منظمة إنغو، تحت ستار إيصال المعونات الإنسانية، استئناف أنشطتها في غضون أسابيع. ومن المرجح أن تعترف بعض الدول المجاورة لأفغانستان بحكومة طالبان بسبب المصالح السياسية والاقتصادية، ولكن الدول الأوروبية وأمريكا ليست في عجلة من أمرها للاعتراف بطالبان قريبا، بيد أن بعثتيهما الدبلوماسيتين في كابول والدوحة تعملان عن كثب معها.
يبدو أن الدول الغربية وجيران أفغانستان كانوا يشددون على حقوق المرأة وحقوق الإنسان وتشكيل حكومة شاملة كشرط مسبق للاعتراف، ولكن هذه هي الجوانب المرئية للقصة. والواقع أن الغرب وبلدان المنطقة تحاول تقييد الانتصار السياسي والعسكري لطالبان عبر الحدود الوطنية حتى لا تتبع أجندة تتجاوز أفغانستان لأن عددا من القادة العسكريين لطالبان على استعداد للقيام بذلك. وثمة مسألة أخرى تثير القلق وهي وجود مقاتلين أجانب في أفغانستان حتى لا يشكلوا تهديدا لبلدان المنطقة والغرب. وعلى الرغم من أن حركة طالبان أشارت مرارا وتكرارا إلى أن هذه المخاوف غير واقعية، إلا أن الغرب لا يزال متشككا، ما يثير موضوع احتمال عودة تنظيم القاعدة وجماعات أخرى في العام المقبل.
المهم لحركة طالبان الإسلامية أن تدرك أن عشرات الجماعات الإسلامية في جميع أنحاء العالم قد خرجت منتصرة في الصراعات العسكرية، لكنها فشلت في السياسة والحكم وتطبيق الإسلام؛ لأن تغيير النظام وتحويله إلى نسخة إسلامية لا يحدث فقط بتغيير الوجوه إلا إذا كان: 1- أساس ومعتقدات ذلك النظام يقوم على الإسلام، 2- الحاكم يتولى الحكم من خلال مبايعة الناس له ورضاهم به، و3- أن الحاكم ينفذ الإسلام داخليا وخارجيا. وإذا لم يتم استيفاء هذه الشروط الثلاثة، فإن أي نظام يسمى إسلاميا سيتعرض لأسئلة خطيرة. والواقع أن هذه الشروط تتناقض بوضوح مع مطالب الغرب، ما يحول دون تحقيق الشرعية الدولية.
كما تحاول طالبان إجراء تغييرات إسلامية تدريجية في المجتمع في حين إن التطبيق التدريجي لأحكام الشريعة الإسلامية غير مسموح به في الإسلام. وعلاوة على ذلك، تتمتع طالبان بسلطة التنفيذ الكامل للإسلام في المسائل القضائية والاقتصادية والسياسية والخارجية، بدلا من الإشارة إلى الممارسة التدريجية للإسلام.
أما الآن، فإن طالبان تواجه خيارين مصيريين للاختيار من بينهما: 1- إقامة نظام إسلامي خالص من خلال تطبيق الإسلام وحمله للآخرين لنوال رضا الله سبحانه وتعالى، أو 2- قصر أنفسهم على الحدود الوطنية من خلال التصارع من أجل الاعتراف بهم في المحافل الدولية للحصول على رضا الناس في نهاية المطاف. وإذا اختارت طالبان الخيار الثاني، فإنه سيؤدي بها إلى الموت التدريجي. قال رسول الله ﷺ: «مَنِ الْتَمَسَ رِضَاءَ اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ، وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَاءَ النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ».
* رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية أفغانستان
رأيك في الموضوع