إن القيادة السياسية هي إحدى أهم الركائز في النظام السياسي ولها الدور الفعال والحيوي في عملية التغيير وخاصة التغيير الجذري؛ وهي التي تضطلع بدور صياغة وتنفيذ السياسات العامة على الصعيد الداخلي والخارجي، وهي من خلال هذا الدور تعكس طموحات الشعب وتطلعاته من خلال العمل لإيجاد الكيان السياسي الذي يقوم بتطبيق مجموعة المفاهيم والمقاييس والقناعات التي تبناها، وبعد إقامة الكيان التنفيذي (الدولة) تقوم القيادة السياسية برعاية شؤون رعاياها بالدستور والقانون المنبثقين من عقيدة الأمة، وبذلك تتم صياغة حياة الشعب العامة والخاصة على قاعدة واحدة وأساس واحد.
ولا يخلو عصر من العصور من وجود قيادة سياسية تتبنى مصالح الناس وقضاياهم المصيرية، وترعى شؤونهم، وتطبق عليهم الأنظمة والقوانين، وتدافع عن الثغور، عن أَبي هريرةَ رضي الله عنه قَالَ: قالَ رَسُول اللَّه ﷺ: «كَانَت بَنُو إسرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأَنْبياءُ، كُلَّما هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبيٌّ، وَإنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي، وسَيَكُونُ بَعدي خُلَفَاءُ فَيَكثُرُونَ»، قالوا: يَا رسول اللَّه، فَما تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: «أَوفُوا بِبَيعَةِ الأَوَّلِ فالأَوَّلِ، ثُمَّ أَعطُوهُم حَقَّهُم، وَاسأَلُوا اللَّه الَّذِي لَكُم، فَإنَّ اللَّه سائِلُهم عمَّا استَرعاهُم». متفقٌ عليه.
ولعل من أهم الصفات التي يجب أن تتصف بها القيادة السياسية، الوعي والإخلاص، بحيث تعي على مخططات الأعداء فتتخذ المواقف الكفيلة بإفشالها، أضف إلى ذلك الإحساس العالي بالمسؤولية عن الغير، بحيث تتحلى بحس الرعاية العالي والمسؤولية العظيمة، قال رسول الله ﷺ: «أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».
كما يجب أن تتحلى القيادة السياسية بالشجاعة والجرأة في اتخاذ المواقف، والصبر والثبات، ووضوح الهدف، ووضوح الطريق الموصل للهدف.
وهذه الصفات لازمة سواء أكانت القيادة السياسية قيادة دولة أو قيادة جماعة سياسية.
وتؤثر العقيدة السياسية التي تحملها القيادة السياسية ووجهة النظرة عن الحياة التي تحملها على القيادة السياسية، وعلى طبيعة رعايتها أو حلها للمشاكل.
فالقيادة السياسية عند الغرب تقوم على أساس فصل الدين عن الدولة، وتطبق عليهم الأنظمة والقوانين المنبثقة عن هذه النظرة، وتحمل في سياستها الخارجية المبدأ الرأسمالي إلى العالم عن طريق الاستعمار.
أما القيادة السياسية الإسلامية فتقوم على أساس العقيدة الإسلامية تطبق أحكامها وترعى شؤون الناس بأنظمتها وتحملها إلى العالم رسالة هدى ونور بالدعوة والجهاد.
وبغير وجود القيادة السياسية عند الأمة أو الحزب أو الجماعة أو الثورة لا يمكن أن يقوم كيان ولا أن ينجح في تحقيق أهدافه أو يبقى متمسكا بفكرته ثابتا على طريقته متمكنا من التصدي لمؤامرات أعدائه. فهي تعتبر بمثابة الرأس من الجسد، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لا إسلام إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمارة، ولا إمارة إلا بطاعة).
وقال الشاعر:
لا يصلح الناس فوضى لا سَراة لهم *** ولا سَراة إذا جهالهم سادوا
وعندما نتحدث عن حاجة الأمة الإسلامية وحاجة ثورة الشام إلى قيادة سياسية واعية ومخلصة؛ فلأن الأمة الإسلامية فقدت قيادتها السياسية القائمة على أساس العقيدة الإسلامية، منذ أن أسقط الغرب الكافر دولة الإسلام على يد المجرم مصطفى كمال في الثامن والعشرين من رجب سنة ١٣٤٢ هجرية، فتسلط عليها حكام عملاء، قادوا الأمة الإسلامية على أساس مخالف لعقيدتها الإسلامية، وصاغوا الحياة بما يتوافق مع وجهة نظر الغرب عن الحياة، القائمة على أساس فصل الإسلام عن الحياة وعن الدولة، وغيروا بذلك الوسط السياسي، ولم تعد القيادة السياسية قائمة على أساس الرعاية وتبني مصالح الأمة، وإنما أصبحت قائمة على أساس الجباية وتبني مصالحها الشخصية ومصالح أسيادها الذين سلطوها على رقاب المسلمين.
ولأن الغرب الكافر يدرك أهمية القيادة السياسية ودورها وخاصة في توجيه الثورات نحو أهداف معينة، عمل منذ بداية ثورة الشام على صناعة قيادة سياسية لها مرتبطة به، وتسويقها على أنها الممثل الشرعي للثورة لتلعب الدور المرسوم لها وتحرف مسار الثورة وتدخلها في دهاليز المؤتمرات الدولية.
والذي يعنينا في هذا المقال هو الحديث عن أهمية وجود قيادة سياسية للمسلمين؛ تقوم على أساس مفاهيم الإسلام ومقاييسه وقناعاته، وبالتالي تقودهم نحو عملية التغيير الجذري الذي ينتشلهم من وحل الأنظمة السياسية الوضعية وقياداتها السياسية العميلة المصنعة على عين أجهزة الدول المتآمرة لتحقيق أهدافها ومصالحها.
لقد نشأت القيادة السياسية الإسلامية مع نزول قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ﴾، حيث أصبح رسول الله ﷺ القائد السياسي للمسلمين، وأخذ على عاتقه دعوة الناس إلى اعتناق العقيدة الإسلامية بوصفها عقيدة روحية سياسية، فأصبح الناس يدخلون في دين الله أرسالا، فنشأ بذلك حزب سياسي حمل على عاتقه إيصال الإسلام إلى سدة الحكم، وتجلى ذلك بخوضه الصراع الفكري والكفاح السياسي ضد الأنظمة القائمة وقياداتها السياسية في مكة، وما نتج عنه من تضحيات جسام، حتى استطاع إقامة كيان سياسي للمسلمين في المدينة المنورة، كان رسول الله ﷺ قائده السياسي، فأخذ يطبق أحكام الإسلام ومفاهيمه ومقاييسه وقناعاته التي أصبح لها رأي عام في المدينة وقوة تدافع عنها ووسط سياسي متمثل في الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.
ومن هذا المنطلق الشرعي الذي يعتبر طريقة لكل من ينشد التغيير الجذري، ندرك أهمية وجود حزب سياسي وقيادة سياسية واعية ومخلصة للمسلمين؛ تأخذ على عاتقها إيصال الإسلام إلى سدة الحكم، وتقيم دولة الإسلام الثانية، كما أقيمت دولة الإسلام الأولى؛ لأن إقامة الخلافة لا يمكن بعمل فردي، بل يلزمها عمل جماعي يوحد الجهود ويقود المسلمين للوصول إلى الهدف المنشود، ويحدد طريقة ثابتة مستقيمة ومحددة للعمل؛ تستند إلى الأحكام الشرعية، ولا تعتمد في سيرها على الارتجالية أو الطرق الملتوية.
ومن أجل ذلك نشأ حزب التحرير عام ١٩٥٣م وبنى شبابه ليكونوا شخصيات إسلامية ورجال دولة، وجعل استئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة قضيته المصيرية، ووضع مشروع دستور مستنبط من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله ﷺ، وهذا المشروع هو مشروع دستور لدولة الخلافة وليس مشروعا قطريا أو قوميا، وليس مشروعا لحزب، بل هو مشروع لجميع المسلمين، كما حدد طريقة العمل، مستنبطا إياها من طريقة رسول الله ﷺ التي أقام بها دولة الإسلام الأولى في المدينة المنورة.
وبذلك فحزب التحرير يعمل على قيادة الأمة الإسلامية نحو التغيير الجذري قيادة فكرية سياسية وليست قيادة شخصية أو حزبية ضيقة.
وثورة الشام لن تحقق أهدافها المنبثقة من عقيدة الأمة إلا بوجود هذه القيادة السياسية الواعية من أبنائها الذين خبرت مواقفهم وصدقهم في كل المواقف الحاسمة التي مرّت من عمر الثورة، فهي التي ستحفظ الثورة من تآمر المتآمرين على ثورة الشام، وتسير بها على بصيرة لإسقاط نظام القتل والإجرام وإقامة حكم الإسلام في ظل الخلافة الراشدة على منهاج النبوة وبذلك يتحقق الخلاص الحقيقي والتغيير الجذري، قال تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾.
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
رأيك في الموضوع