تحدثنا في الحلقة السابقة عن أعمال كيان يهود الإجرامية؛ لطمس معالم مدينة القدس، وما حولها من أرض مباركة، وفي هذه الحلقة نكمل الحديث عن أعمالهم الإجرامية؛ لتهويد المسجد الأقصى المبارك، وطمس معالمه من حوله. وقد تمثلت محاولات اليهود ومعهم العالم الصليبي بأكمله وحكام المسلمين في تهويد الأقصى، والسيطرة عليه بأعمال كثيرة منذ اغتصابهم لهذا المسجد سنة 1967، وهذه الأعمال تسير بالتوازي مع تهويد المدينة المقدسة، ومن هذه الأعمال:
1- القرارات الدولية بخصوص القدس، والأماكن الدينية في المدينة ومنها الأقصى. فقد صدر أول قرار عن هيئة الأمم المتحدة في ظل الانتداب البريطاني بخصوص تقسيم فلسطين إلى ثلاثة كيانات، وإقرار اليهود على جزء منها 29/11/1947. وقد كانت المسرحية لهذا القرار هي: إنهاء الانتداب، وتسليم فلسطين لأهلها. وكان لمدينة القدس والأماكن الدينية في المدينة نصيب من هذا القرار؛ حيث كان أحد الكيانات الثلاثة ما يتعلق بالقدس والأماكن الدينية، وقد نصّ القرار على: "تقسيم فلسطين، بعد إنهاء الانتداب البريطاني عليها، إلى دولتين مستقلتين تجمعهما وحدة اقتصادية، على أن تكون القدس والأماكن المقدسة فيها تحت وصاية دولية"!! فهذا القرار عدا عن اعترافه بحق يهود في فلسطين فإنه يُقدّم لطمس هوية القدس والأماكن الإسلامية فيها كمقدمة لتهويدها مستقبلا؛ لأن الأماكن الدينية أو الأماكن المقدسة كما عبر عنها القرار تشمل الأقصى وما حوله من ساحة البراق.
2- السيطرة على جزء من الأقصى تحت ذريعة كاذبة ملفقة؛ بأنه مكان ديني لليهود. وهذا الجزء هو حائط البراق من الجهة الغربية للمسجد بجانب حي المغاربة المدمر. فاليهود ليس لهم أي حق ديني في هذا الحائط كما يدعون، إنما هو جزءٌ لا يتجزأ من المسجد الأقصى المبارك، وقد قامت ثورة كبيرة على أثر احتلال اليهود لهذا الحائط وتهويده، سميت آنذاك بثورة البراق سنة 1929م، وامتدت لتشمل كل فلسطين. وقد تشكلت لجنة دولية ثلاثية صادرة عن عصبة الأمم 14/1/1930م تضم أعضاء من السويد وسويسرا وإندونيسيا. وقد كان القرار الذي صدر عن هذه اللجنة مقدمة لتهويد حائط البراق لليهود؛ حيث أوصى التقرير بأحقية اليهود في أداء الصلاة فيه في جميع الأوقات، مع مراعاة شروط معينة ليست ذات قيمة.
3- بعد حرب سنة 67 قام اليهود بالسيطرة على حائط البراق بالكامل، وتدمير حي المغاربة، وتهجير أهله منه بالكامل. في العاشر من شهر 6 حزيران؛ أي بعد حرب 67 مباشرة، حيث كانت تسكن في هذا الحي حوالي 150 عائلة، جاءوا من بلاد المغرب مع الفتح الصلاحي لمدينة القدس 1187م. وقد أكرمهم صلاح الدين رحمه الله بفضل مساهمتهم بالجهاد ضد الصليبيين، فأسكنهم بجوار الأقصى من الجهة الغربية الملاصقة لساحة البراق. حيث قامت جرافات كيان يهود بهدم الحي بالكامل وكانت فيه حوالي 130 عائلة، وقد دفنت بعض العائلات تحت الردم عندما رفضت الإخلاء، وقدر عدد من رحلوا من ذلك الحي بحوالي سبعمائة شخص، وكانت فيه أربعة مساجد منها مسجد البراق. لقد أصدر مؤسس كيان يهود بن غوريون أوامره بهدم الحي، وترحيل أهله، ومن ثم توسيع المكان المخصص لليهود للصلاة في ساحة البراق. وقد ضرب اليهود عرض الحائط بكل القرارات الدولية السابقة، خاصة القرار الصادر عن عصبة الأمم سنة 1930، وقاموا بتغيير كل معالم ساحة البراق وحي المغاربة المجاور.
4- قام اليهود بالسيطرة على بوابات الأقصى من جميع الجهات، ووضع حراسات مشددة أثناء دخول المصلين وخروجهم من المسجد الأقصى. وهذا الأمر يهدف إلى أكثر من هدف لدى يهود، منها: تحديد أعداد المصلين داخل المسجد، وإفساح المجال أمام قطعان اليهود لدخول المسجد؛ عبر تعتيم إعلامي على الأمر، وذلك لأداء الصلاة فيه ومنع أي اعتداء عليهم من المصلين المسلمين. والأمر الثالث: هو إشعار المسلمين في داخل فلسطين وخارجها أن السيطرة على المسجد هي لجيش يهود، وليس لأية هيئة أو مؤسسة داخلية أو خارجية. وهناك أمور بعيدة المدى يرسمها يهود؛ وهي تقسيم المسجد زمانيا، كمقدمة لتقسيمه مكانيا. وقد سمح الكيان لجيشه بالتجوال ليلا ونهارا في باحات المسجد، حتى في أوقات الصلاة؛ بحجة المحافظة على الناحية الأمنية وعلى ما يسمى بحائط البراق. وقد مارس اليهود بالفعل مضايقات كثيرة للرجال وللنساء؛ بالتفتيش للداخل والخارج من المسجد، بحجة النواحي الأمنية، وكأن المسجد هو مكان مقدس لليهود وليس للمسلمين!
5- قامت حكومة الاحتلال باستصدار قرارات عدة تجيز لليهود الصلاة داخل حرم وساحات المسجد الأقصى، وذلك كمقدمات لتقسيمه زمانيا ومكانيا، ومن هذه القرارات: بتاريخ 28/1/1976 قررت القاضية دوث أود: "أن لليهود الحق في الصلاة داخل الحرم". وبتاريخ 21/8/1985 سمحت الشرطة للمتطرفين اليهود بأداء الطقوس في المسجد الأقصى، إذا طلب عشرة منهم ذلك. وبتاريخ 9/8/1989 سمحت الشرطة بإقامة صلوات للمتدينين اليهود على أبواب الحرم القدسي الشريف، وذلك للمرة الأولى رسمياً. وبتاريخ 11/3/1997 أصدر المستشار القضائي للحكومة قراراً يسمح لليهود بالصلاة في المسجد الأقصى، بعد التنسيق مع الشرطة. وبتاريخ 21/7/1999 أصدرت المحكمة العليا قراراً يسمح لما يسمى "بأمناء جبل الهيكل" بالدخول إلى الحرم القدسي الشريف... وهذه القرارات وغيرها هي مقدمات لتهويد المسجد الأقصى المبارك، وتقسيمه مستقبلا، والسيطرة على أجزاء من ساحاته؛ تماما كما جرى من قبل في ساحة البراق، وكما جرى في المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل.
6- يقوم اليهود بشكل رسمي وغير رسمي بأعمال الإرهاب والتنكيل بالمصلين والتضييق عليهم داخل المسجد وخارجه؛ وذلك كمقدمات لتحديد أعداد، ولبث الخوف في نفوس الناس كي لا يشدوا الرحال إلى المسجد. وكل ذلك هي مقدمات كما ذكرنا لتهويد المسجد وتقسيمه. ومن أبرز أعمال الإرهاب التي فعلها يهود: إحراق المسجد بتاريخ 21/8/1969؛ حيث قام دينيس دوهان بإضرام النار في داخل حرم المسجد الداخلي، وقد أتت النيران على أجزاء كبيرة من المسجد؛ ومن ضمنها منبر صلاح الدين!! وقد حدثت اعتداءات كثيرة وعمليات قتل للمصلين داخل المسجد كانت أشهرها المذبحة التي حصلت سنة 1990م؛ وذلك عندما سمحت الحكومة لما يسمى بجماعة أمناء جبل الهيكل بالدخول إلى المسجد وحاولوا وضع حجر الأساس لما يسمى بالهيكل المكذوب. وعلى أثر ذلك تصدى المسلمون لهم؛ ما أدى إلى حدوث مجزرة داخل ساحات الحرم استشهد فيها 21 مصليا، وجرح حوالي 200 من المصلين، ومن تلك الأعمال الإجرامية أيضا محاولة هدم المسجد فوق المصلين في يوم الجمعة سنة 1984 حيث تسلق أفراد من عصابة (لفتا) الصهيونية السور، ومعهم كمية كبيرة من المتفجرات لزرعها داخل المسجد ليلة الجمعة.
7- ومن أعمال يهود في مشروع تهويد المسجد تأسيس جماعة متطرفة صهيونية تسمى بأمناء جبل الهيكل.
هذه بعض الأمور التي يتبعها يهود لتهويد المسجد الأقصى المبارك. فما هو واجب أمة الإسلام تجاه هذا الإجرام وهذا الشر الكبير المستطير؟! هذا ما سنتحدث عنه في الحلقة القادمة بإذنه تعالى.
يتبع...
رأيك في الموضوع