بحضور نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي، إيثان غولدريتش، اختتمت يوم الأحد 6/2/2022م فعاليات ندوة أقامتها "المعارضة السورية" الخارجية، المصنعة على عين أمريكا، في العاصمة القطرية الدوحة، تحت عنوان: "سوريا إلى أين"، "لمناقشة الملف السوري والخروج بتوصيات"، بدعوة من رئيس الوزراء السوري الأسبق، رياض حجاب، الذي ترأس الندوة التي استمرت لمدة يومين، بمشاركة نحو 80 شخصية ممثلة لبعض مؤسسات "المعارضة السورية" ومراكز الفكر ومنظمات المجتمع المدني، كما ضمت عدداً من الشخصيات السورية "المستقلة". بالإضافة إلى ممثلين عن الجالية السورية، وسط حضور دبلوماسي قطري وتركي وأمريكي. وقد ترأس بعض جلسات الندوة رئيس الائتلاف، سالم المسلط، ورئيس هيئة التفاوض، أنس العبدة، والرئيس المشترك للجنة الدستورية، هادي البحرة.
وقد أصدرت الندوة، في ختام أعمالها، التي قسمت على ثماني جلسات، 17 توصية عامة معلَنة مع حديث عن توصيات خاصة غير معلنة. وتضمنت التوصيات 17 بنداً، الأول منها، تحدث عن "التوافق على جملة من المبادئ التي تعمل جميع أطراف قوى الثورة والمعارضة تحت مظلتها"، ومنها "تأسيس نظام ديمقراطي يقوم على قيم: المواطنة المتساوية والتعددية، وعلى تداول السلطة في مناخ من الحريات العامة، واحترام حقوق الإنسان، والفصل بين السلطات، واعتماد نظام اللامركزية الإدارية وفق سياسات وطنية تحقق التنمية المستدامة".
ومن التوصيات "إعادة هيكلة مؤسسات قوى الثورة والمعارضة، والارتقاء بأدائها، وتنمية وتوظيف كافة الخبرات المتاحة في الداخل السوري وخارجه، والاستفادة من الاستشارات التي تقدمها مراكز الفكر الوطنية".
كما تضمنت التوصيات "العمل على صياغة خطاب وطني جامع، ودعم الجهود التي تبذلها مؤسسات الإعلام السورية فيما يسهم في محاربة خطاب الكراهية والتمييز".
إضافةً إلى "تكثيف جهود التوعية بالانتهاكات والجرائم التي يرتكبها نظام أسد.. ورفع القضايا في المحاكم الدولية". و"توحيد الجهود لتحقيق الانتقال السياسي وفق القرارات الأممية". و"الالتزام بالعملية السياسية عبر بيان جنيف، والتمسك بمرجعية القرارات الأممية ذات الصلة... وقرار مجلس الأمن 2254 والقرارات اللاحقة التي تدعو لتحقيق مطالب الشعب السوري واحترام رغبته في الانتقال السياسي".
إضافة لـ"نبذ الإرهاب والتطرف"، و"تكثيف الجهود المبذولة لتنمية مناطق سيطرة قوى الثورة والمعارضة، مرحلياً، ولحين استعادة سائر الأراضي السورية وتحريرها، من الاستبداد وتحقيق الانتقال السياسي في سوريا الموحدة، ووضع خارطة طريق للنهوض بها على الصعد الاقتصادية والإدارية، وتحقيق الاستقرار فيها بما يزيد من الاعتماد الذاتي في تلك المناطق، ويوفر فرص العمل فيها، ويفعّل المؤسسات التنفيذية للحكومة المؤقتة..".
ولنا في السطور القادمة وقفات مع هذه الندوة وحاضريها وأسباب انعقادها وظروف انعقادها وما تمخض عنها من بنود وتوصيات خبيثة تنضح بسمومها.
تأتي هذه الندوة في ظل افتضاح عجز وارتباط كل من يزعمون نفاقاً تمثيل أعظم ثورة في التاريخ المعاصر، وسقوطهم المدوّي من أعين أهل الشام بعد أن أزكمت رائحة مكرهم الأنوف، وبات واضحاً للجميع أنهم الوجه الآخر للنظام، ومعول هدمٍ بيد أعدائنا ضد ثورتنا حاولوا تنصيبه رأساً لهذه الثورة المباركة وقيادة سياسية لها تقودها إلى حتفها، تمهيداً للتصالح مع نظام الإجرام، أي العودة لحضنه وقهره وبطشه.
وإنه لمن أخطر ما تمخضت عنه هذه الندوة هو سعي المؤتمرين لعكس الحقائق وفرض رؤية أمريكا وتصورها للحل في سوريا، من سلخ لهوية الثائرين الإسلامية وسعيهم لإسقاط نظام الكفر وإقامة حكم الإسلام مكانه، إلى نظامٍ علماني مسخ ودستورٍ يرسخ حكم الكفر والظلم والطغيان ويعلن الحرب على أحكام الإسلام وتضحيات الثائرين. وكانت كلمات رياض حجاب كافية لإثبات هذه الحقيقة، عندما قال إن هدف الندوة هو "تصحيح الأخطاء"... "لتحقيق دولة ديمقراطية حرة موحدة". وكأن تضحيات أكثر من مليون شهيد كانت لإرضاء حجاب وأسياده، الذين كانت إحدى توصياتهم في الندوة العمل "لنبذ الإرهاب والتطرف"، أي لكل ما له صلة بالإسلام والحكم به.
إن هذه الندوات وأمثالها من اللقاءات والاجتماعات والمؤتمرات إنما هي خطوة في خطة، وحلقة من سلسلة المكر والتآمر، لوأد ثورة الشام ورهن قرار الثائرين وتوسيد أمرهم إلى أعدائهم وأذناب أعدائهم، ورهن مصيرهم إلى من يستجدي الحلول الدولية والأممية التي فضحت سمومَها ألسنةُ مبعوثي الأمم المتحدة المتلاحقين إلى سوريا، وآخرها قول بيدرسون في سياق حديثه عن خطته الجديدة "خطوة مقابل خطوة" قبل أيام، إنه حصل خلال لقائه مع أعضاء مجلس الأمن، على "دعم صلب" من المجلس للمضيّ قدماً في خطته.. وصولاً إلى تطبيق القرار الدولي 2254. وأن أمريكا تخلّت عن سياسة "تغيير النظام" السوري، وتسعى إلى "تغيير سلوك النظام". وهو ما سبق أن تحدث به بوقاحة مبعوثو أمريكا السابقون إلى سوريا أمثال جيمس جيفري وروبرت فورد. مع تصريحات خبيثة منهم توحي أن الثورة قد انتهت وأن نظام أسد عميل أمريكا قد انتصر، لطمس حقيقة تهالك النظام وتآكله وتصدعه. علماً أن أمريكا هي من دعمت نظام الإجرام على الدوام ومدته بأسباب الحياة، وبجهود الأعداء و"الأصدقاء"، للحيلولة دون سقوطه.
وهذا ينسجم مع حديث حول تسريبات متعلقة بمسودة النظام الداخلي الجديد لـ"الائتلاف السوري"، بأن المادة الثانية من النسخة الجديدة تحمل دعوة الائتلاف إلى "تغيير" النظام، بعد أن كانوا يخادعون الناس سابقاً بالدعوة لإسقاطه.
ويكفي حضور نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي، إيثان غولدريتش، لتأكيد حقيقة مكر أمريكا وخطورة دورها وخبث أهدافها. فقد قال غولدريتش: "هذه الندوة ومثيلاتها مهمة جداً في تحقيق التوافق وفي تنفيذ القرارات الأممية المتعلقة بسوريا". ويقصد سعي أمريكا الدؤوب لفرض حلها السياسي القاتل الذي يثبت أركان النظام ويمهد لإعادة الثائرين لقهره وبطشه، أمريكا التي تسعى لتعويم النظام عبر عملائها وأدواتها في المنطقة.
وبغض النظر عن أدوات تنفيذه، فإن من أخطر أهداف الندوة هو جعل المطالبة بالحل السياسي الأمريكي ومقررات مؤتمر جنيف، القرار الأممي 2254، أمراً بديهياً عند الناس على أنه المخرج والخلاص، رغم أنه يحمل الموت الزؤام لأهل الشام. وهذا ما يؤكده البند الحادي عشر من التوصيات.
وعليه، كان لزاماً علينا أن ندرك يقيناً أن خلاصنا بأيدينا لا بأيدي من يتربصون بنا الدوائر، وأن أنصاف الثورات قاتلة، وأن تسليم قضايانا لغيرنا والبحث عن حلول من أعدائنا المتدثرين بثوب أممي هو انتحار سياسي.
كما أن مشاركة مراكز الدراسات والأبحاث وأطياف وتيارات الفكر العلماني والمجتمع المدني، المعادي للإسلام كنظام حياة، في هذه الندوة، لتؤكد حقيقة خطرها وخطر ما تبثه من سموم لزعزعة ثقة الثائرين بقدرتهم على إسقاط النظام ودفعهم للقنوط والاستسلام لما يمليه علينا أعداؤنا من حلول. وإن اجتماعهم لتبادل الخبرات والأفكار تحت مسمى "العصف الذهني" يؤكد حقيقة الصراع أنه صراع مبادئ ومفاهيم يسعى الغرب لأن تكون له الغلبة فيه وأنّى له ذلك؟!
وختاماً، فإننا نؤكد أن وعي أهل الشام سيبطل بإذن الله سحر المجرمين المتآمرين على ثورتنا، فكلهم لنا أعداء وقلوبهم سوداء، هدفهم وأد ثورتنا، مهما بدلوا جلودهم وغيروا نسخهم وأغلفتهم وتسمياتهم.
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
رأيك في الموضوع