أطلق جيش الاحتلال فجر الأربعاء الماضي عملية عسكرية في مدن شمالي الضفة قال إنها الأوسع منذ عملية "السور الواقي" عام 2002، حيث اقتحمت قوات كبيرة مدينتي جنين وطولكرم ومخيماتهما. كما اقتحم جيش الاحتلال مخيم الفارعة قرب طوباس، قبل أن ينسحب فجر الخميس من مخيم الفارعة، ومساء اليوم نفسه من طولكرم، بينما لا تزال العملية مستمرة في جنين لليوم الخامس.
وبعيدا عن التصريحات التي خرجت عن وزير مالية الاحتلال سموتريتش التي قال فيها إنه ملتزم بتوسيع العملية العسكرية لتشمل الضفة الغربية كاملة وتوسيع الاستيطان ووضع خطة استراتيجية لإحباط الدولة الفلسطينية وسيتم تقديمها للحكومة، كونها تعبر عن أحلام وطموحات ليست واقعية حاليا، وإن كانت تعكس العقلية التوراتية التي تتشكل مؤخرا لدى الشارع اليهودي، فإن باقي التصريحات من قادة يهود تعبر عن الأهداف من تلك العملية الإجرامية، حيث نقل عن مسؤولين عسكريين أن "الأجهزة الأمنية تستعد لزيادة الوتيرة من أجل القضاء على الإرهاب الذي يهدد مواطني (إسرائيل)، بعد فترة عنيفة للغاية تصاعد فيها الإرهاب في جميع أنحاء الضفة الغربية وغور الأردن وامتد أيضا إلى داخل البلاد". وكذلك قال رئيس أركان يهود هرتسي هاليفي خلال زيارة لجنين السبت، إن قوات يهود "لن تسمح للإرهاب في الضفة الغربية بأن يرفع رأسه" لتهديد كيان يهود.
وأشار بيان مشترك لجيش يهود وجهاز الشاباك إلى أن العملية واسعة النطاق "تهدف لاعتقال المطلوبين وتدمير البنية التحتية في شمال الضفة، في مخيمي جنين ونور شمس للاجئين بالقرب من طولكرم". وكان وزير خارجية يهود، يسرائيل كاتس، قال الأربعاء 28 آب/أغسطس في تغريدة له على صفحته بموقع إكس إن "جيش يهود يشن عملية عسكرية مكثفة في مخيمي جنين وطولكرم للاجئين الفلسطينيين ضد ما سماها "البنى التحتية الإرهابية الإسلامية الإيرانية التي أقيمت هناك".
فتكاد تكون كل التصريحات الصادرة عن كبار المسؤولين في كيان يهود تتحدث عن السبب نفسه للاجتياح، فكيان يهود صار يرى في مجاهدي الضفة تهديدا مزعجا له، وخطورة تتصاعد يوما بعد يوم، في ظل تلقيه الضربات والعمليات الموجعة من المجاهدين في شمالي الضفة، ولذلك يسعى إلى القضاء على البنية التحتية أو الكتلة الصلبة من المجاهدين المتركزين في طولكرم وجنين وطوباس، خاصة في مخيماتها، في ظل أنه أيضا يلاحق المجاهدين في غزة من مربع إلى مربع، ومن نفق إلى آخر، حيث يظن الاحتلال بقيادته الحالية أن ذلك من شأنه أن يمكن ليهود في الأرض المباركة فلسطين، بعد أن يقوم بتصفية أغلبية المجاهدين أو سجنهم، ولا يبقى سوى سلطة خانعة تنسق أمنيا معه وتسهر على حماية كيانه.
وهذا بالطبع لأن يهود لا يدركون حقيقة الإسلام والمسلمين، ولا يدركون معنى أن الجهاد جزء من الإسلام الذي تغلغل في عروق أطفال وشباب وشيوخ المسلمين، وأنهم مهما فعلوا لن يتمكنوا من خلع الإسلام من قلوب وعقول المسلمين وأهل فلسطين، ولهم فيما حدث في العقود الثلاثة الأخيرة مثال حي، فعلى الرغم من ثلاثة عقود من السلام والتطبيع ومشاريع الخيانة والتفريط والإفساد إلا أن الجيل الجديد الذي نشأ في فلسطين خرج وكأنه ليس وليدا لتلك الحقبة ولم يعايشها.
وعلى ما يبدو أن هذه العملية جرت بدون علم أمريكا، فقد نفى مسؤولون أمريكان علمهم المسبق بالعملية، وأكد مسؤول كبير في البيت الأبيض، أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن على تواصل مع مسؤولين من كيان يهود "لمعرفة أهداف (إسرائيل) من شنّ هجماتها على الضفة الغربية"، مؤكداً أن واشنطن "ترفض أي تهجير قسري للفلسطينيين". وخشية من أن تكون العملية مقدمة لإنهاء السلطة وتكرار تجربة غزة فقد قطع رئيس السلطة محمود عباس، الأربعاء، زيارته إلى السعودية لمتابعة العدوان والاجتياح، إذ خاف ألا يتمكن من العودة إن كان يهود ينوون إنهاء السلطة في تلك العملية، وهو ما يؤكد على أن أمريكا لم تكن على علم بالعملية أو حجمها أو أهدافها.
وهذا بالطبع لا يعني أن أمريكا تعارض ما يجري، فأمريكا بجانب كيان يهود في إجرامه بحق أهل فلسطين، فتحت عنوان الدواعي الأمنية لكيان يهود وما يسمونه بالنشاط الإرهابي، لا بأس عند أمريكا من سفك دماء المجاهدين وأهل فلسطين، ولا مانع لديها من اجتياح يهود مدن الضفة كما اجتاحوا غزة، وتدمير البيوت فوق رؤوس أهلها، وهدم المساجد وإحراقها، وقتل الأطفال والنساء والشيوخ، طالما أن ذلك يلبي الدواعي الأمنية لكيان يهود!
وكما فعلت أمريكا وأعلنت من قبل في غزة بأنها ضد التهجير القسري للسكان، فأصبح ثلاثة أرباع أهل غزة مشردين بلا مأوى ولا مسكن، ها هي تعيد العبارة نفسها فتقول إنها ترفض التهجير القسري في الضفة أيضا، فأمريكا هي الأب والأم والراعي لكيان يهود، ويجمعها مع يهود الحقد على الإسلام والمسلمين.
وما يمكن أن تعارضه أمريكا هو إنهاء السلطة وتقويض وجودها، لأن ذلك يعني نهاية حل الدولتين الأمريكي، ولذلك نرى أن أمريكا سكتت عن عملية الاجتياح ولم تدفع باتجاه وقفها أو إنهائها طالما أن كيان يهود لم يقترب من الخط الأحمر الأمريكي.
والخلاصة أن أمريكا تطلق يد يهود ليقتلوا ويدمروا ويهدموا ويعيثوا في فلسطين الفساد والإجرام، ولا ترى في ذلك إشكالية، فهم متفقون على إنهاء المجاهدين ومحاولة القضاء على روح الجهاد لدى أهل فلسطين، وتمكين يهود من أرض ورقاب أهل فلسطين، فهما ملة واحدة، وإن اختلفوا في التفاصيل وبعض الرؤى، ولكنهم متفقون على الخطوط العامة، واستباحة دماء ومقدسات وأرض المسلمين.
وقادة بهذا الإجرام والعقلية لا يمكن أن يردعهم قانون دولي صمم على مقاسهم، ولا مناشدات وشعارات كاذبة، بل لا بد أن يستشعروا خطرا أعظم يتمثل بإمكانية تحرك الأمة وجيوشها، ليتوقفوا ويؤثروا الرضا بما حققوه لغاية الآن على خسارة كل شيء.
وما من شأنه أن يتسبب في اندحار أمريكا بالكامل وهزيمة يهود إنما هو ثبات أهل فلسطين وبقاء عزائمهم قوية كما هي لغاية الآن، وتحرك جيش أو جيوش الأمة لتسقط عروش الحكام وتكمل صوب فلسطين وغزة والمسجد الأقصى، محررين مكبرين منتصرين. قال تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾.
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة (فلسطين)
رأيك في الموضوع