ما إن صدرت قرارات محكمة العدل الدولية حتى بدأ الاحتفال بها والإشادة بها إعلامياً وشعبياً ورسمياً في الكثير من دول العالم ومنها بلاد المسلمين حتى وصفها البعض بالانتصار الحاسم! ولكن بإمعان النظر فيما صدر عنها يظهر أنه سراب وأنه عبارة عن تكرار لأسطوانة بدأت مع بداية الحرب حتى من دول تدعم كيان يهود وتمده بالمساعدات العسكرية وغير العسكرية في حربه المسعورة، وتلك الأسطوانة هي حماية المدنيين وإدخال المساعدات ومنع التحريض على الإبادة الجماعية وعدم ارتكاب جرائم إبادة بحق المدنيين... دون أي إجراء حقيقي يوقف حرب الإبادة الحاصلة فعليا والمستمرة في قطاع غزة، بل ودون مطالبة بوقف الحرب، وعلى الطرف الآخر كيان يهود يستمر في جرائمه ولا يأبه بتلك الدعوات ويمارس الكذب المفضوح للتقليل من نقمة الرأي العام العالمي على جرائمه الوحشية ويهاجم المحكمة التي سببت له بعض الحرج.
إن حقيقة محكمة العدل الدولية وكونها إحدى مؤسسات الأمم المتحدة التي شرعنت كيان يهود في فلسطين وأصدرت قرار التقسيم عام 1947 وغيره من القرارات التي ثبتت كيان يهود، وحقيقة أنها أداة في يد الدول الكبرى، تجعلها طرفا لا يؤمل منه خير أو إنصاف لمظلوم، إضافة لافتقادها الأدوات التنفيذية اللازمة لتنفيذ قراراتها، وبالتالي تصبح تلك القرارات أقرب للعتاب والضغط المعنوي أكثر منها تحركا حقيقيا لوقف الجرائم الوحشية ومنها الجرائم التي يرتكبها كيان يهود بغطاء ودعم من أمريكا صاحبة اليد الطولى في الأمم المتحدة ومؤسساتها!
إن ما يحصل في قطاع غزة من إبادة وإجرام لا يحتاج لتحقيق وبحث ونظر، فكيف والمحكمة قبلت مجرد النظر في الدعوى وليس اعتبار ما يحصل إبادة جماعية ولم تطالب بوقف الحرب؟! وكيف للنظام الدولي أن يبرئ نفسه بهذه الخطوة؟! وكيف للمؤسسات الدولية الادعاء أنها انتصرت لأهل فلسطين وأهل غزة؟!
إن قرار المحكمة ليس دفاعاً عن دماء المسلمين في غزة بل هو دفاع عن المبدأ الرأسمالي الذي يقوم على مفاهيم رئيسية منها حقوق الإنسان، ويصب تحركها في تدارك تهاوي الحضارة الغربية في نظر العالم أجمع ومنه الشعوب الغربية التي باتت تلعن حضارتها الكاذبة التي فضحتها حرب غزة، وهو تحرك يراد منه إظهار أن هنالك فرقاً بين مواقف الدول الكبرى المجرمة مثل أمريكا وبريطانيا وفرنسا... وبين موقف المبدأ الرأسمالي ومؤسساته الدولية من الذي يحصل في قطاع غزة، وكأن تلك الدول المجرمة لا ترتكز على ذلك المبدأ المتوحش في دعم كيان يهود والحفاظ عليه انطلاقا من قيمة المنفعة المادية وإطارها السياسي العملي القائم على الاستعمار للسيطرة ونهب الثروات!
إن المتابع لما يحصل في قطاع غزة من قتل وتجويع وتهجير وتنكيل يدرك مدى حاجة أهل القطاع لمن يرفع الظلم عنهم ويوقف هذه الإبادة الوحشية وبشكل فوري، وفي ظل نظام رأسمالي متوحش خالٕ حتى من القيمة الإنسانية التي دفعت بني البشر في محطات تاريخية لوقف جرائم بحق أبناء جنسهم في دول وممالك لا تدين بدينهم ولا تنتمي لحضارتهم كما فعلت دولة الخلافة العثمانية في مجاعة البطاطا التي أصابت إيرلندا التي كانت تتبع للتاج البريطاني، وكما فعل كفار قريش مع بني هاشم وعبد المطلب... في ظل هذا التوحش العالمي لم يبق لوقف هذه الإبادة سوى أمة الإسلام القادرة على ذلك إن هي تحركت خلف قيادة سياسية مخلصة وواعية قادرة على إسقاط الأنظمة العميلة الخائنة وإقامة دولة الخلافة وإعلان الجهاد لنصرة أهل غزة وتحرير فلسطين، وهذا ما يجب أن تنشغل به الأمة، ولتترك الحضارة الغربية تلعن بعضها وتأكل أصنامها، والدول تفضح بعضها والمؤسسات الدولية تحرج كيان يهود والداعمين له.
رأيك في الموضوع