قوات التحالف الدولي موجودة في العراق منذ احتلاله عام 2003م، وأصبح وجودها رسميا عام 2008م بعد اتفاقية الإطار الاستراتيجي التي ربطت العراق والولايات المتحدة، ونظمت هذه الاتفاقية العلاقات بين البلدين على مختلف الأصعدة السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية وغيرها، وتقضي بانسحاب جميع قوات الولايات المتحدة من جميع الأراضي العراقية في موعد لا يتعدى 31 كانون الأول عام 2011 ميلادي.
ثم عادت القوات الأمريكية إلى العراق بطلب من بغداد لمساعدتها في هزيمة تنظيم الدولة عام 2014م إثر اجتياح التنظيم لثلث مساحة البلاد في الشمال والغرب بعد أن أوشك الجيش العراقي على الانهيار.
ومنذ ذلك التاريخ وإلى الآن كلما قامت أمريكا بعملية وضربة موجعة لقادة المليشيات، تعالت الأصوات بخروج قوات التحالف؛ فعلى إثر مقتل قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني، ورئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، بضربة صاروخية في مطار بغداد، ظهرت هذه الأصوات حتى من قبل المرجع الديني السيستاني، وصوت البرلمان حينها بضرورة خروج قوات التحالف من العراق.
فجاء الرد الأمريكي برفض طلب العراق لسحب قواتها، وقالت إنها تدرس توسيع وجود حلف شمال الأطلسي هناك، وقال ترامب حينها خلال المقابلة مع فوكس نيوز إنه إذا أراد العراق مغادرة القوات الأمريكية فسنقول له "عليكم أن تدفعوا لنا الأموال التي دفعناها"، وأضاف "أعتقد أنهم سيوافقون على الدفع، وبغير ذلك سنبقى هناك".
ولقد كان لعملية طوفان الأقصى الأثر الكبير في إحراج هذه الفصائل كما أحرجت حزب إيران في لبنان والحوثيين في اليمن، فتعالى الضجيج وقاموا بضربات محدودة لا ترتقي ومستوى الحدث، بالرغم من الضربات الموجعة التي تقوم بها أمريكا وكيان يهود في سوريا ولبنان واليمن والعراق، وهذا ما صرح به محمد عبد السلام الناطق باسم الحوثيين صباح الجمعة لقناة الجزيرة، "إن ضرباتنا فقط للسفن المتجهة لـ(إسرائيل)، وإن ضرباتنا نظيفة فلم يصب أي شخص باستهدافها"، ونقول محدودة جدا قياسا بما فعلوه من قتل المسلمين في اليمن والشام.
وهذه الأيام تعالت الأصوات مرة أخرى بإخراج قوات التحالف من العراق على إثر مقتل القائد طالب علي السعيدي معاون آمر لواء 12 / حركة النجباء ومرافقه، وجرح 6 آخرين بضربة أمريكية وجهت لأحد مقرات الحشد في بغداد، فأعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الجمعة الموافق 12/1/2024م عن رغبة بلاده "الثابتة" في رحيل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، بعد "انتهاء مبررات وجوده". ووصف العراق هذه الغارة بأنها اعتداء على سيادته، في حين عدتها الولايات المتحدة دفاعا عن النفس وردا على الهجمات التي تشنها "المقاومة الإسلامية في العراق" وفصائل أخرى على قواعد تضم قوات أمريكية في العراق وسوريا.
وكما هو متوقع جاء الرد الأمريكي بالرفض فقالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) إنها لا تخطط حاليا لسحب قواتها من العراق على الرغم من إعلان بغداد قبل أيام أنها بدأت إجراءات لإنهاء وجود التحالف الدولي.
والمدقق في الواقع يرى حقائق عدة:
الحقيقة الأولى: أنه ليس هناك عداء بين الولايات المتحدة وإيران، وهذه الحقيقة أثبتها الواقع، وأن كل ما نسمعه من صراخ العداء بينهما يكذبه الواقع والأعمال، فإيران دولة تدور في فلك أمريكا، وقد قدمت لها خدمات كبيرة في احتلال العراق وتثبيت قدمها فيه، فهي التي أنقذت أمريكا من المقاومة العراقية، وحولتها إلى حرب طائفية بين أبناء البلد، وهي التي دفعت قواتها ومليشياتها في العراق إلى سوريا للحفاظ على حاكمها العميل الأمريكي، وقتل الشعب السوري المنتفض، وهي التي حولت اليمن السعيد إلى جحيم بدعمها للحوثيين خدمة للشيطان الأكبر.
الحقيقة الثانية: إن العراق بلد فاقد للسيادة بكل ما تعنيه هذه العبارة، فالنظام السياسي فرضته أمريكا وأعلنت أنه نظام فيدرالي، والدستور صاغته أمريكا وجعلته المرجع لكل الخلافات السياسية بين الكتل، وأموال العراق تحت سلطة البنك الفيدرالي الأمريكي، فعن أية سيادة يتحدث ساسة العراق المأجورون؟!
الحقيقة الثالثة: إن هذه القوات لا تخرج إلا بقرار من عندها، وما ينسجم مع مصالحها، أو مرغمة على يد أبناء البلد المخلصين، بانتفاضة عارمة عن وعي، تطيح بنظام الحكم وساسته العملاء، عندئذ يخرج المحتل من البلاد مرغما ذليلا.
يا أهل العراق، يا أحفاد المعتصم وصلاح الدين والزنكي: لقد انفجر إخوانكم في غزة على المحتل الصهيوني، وبينوا لكم أن الأمة إذا قررت الجهاد غدت سيلاً لا يمكن إيقافه، فبالرغم من القوة المادية لعدوهم وتحالف قوى الكفر قاطبة معهم وتخاذل حكام المسلمين الخونة، وسبات جيوش الأمة في نوم عميق، ووحشية هذا العدو الغاشم، الذي أهلك الحرث والنسل، ها هي غزة العزة صابرة وصامدة، غايتهم النصر أو الشهادة، وقد دخلت الشهر الرابع وهي رازحة تحت قصف وحشي طال البشر والحجر والشجر.
فقد آن الاوان لتعودوا إلى الله وتستجيبوا لدعوة المخلصين من إخوانكم لإسقاط هؤلاء الحكام الخونة، ونسف حكم الطاغوت، ومبايعة الإمام الذي يحكم بشرع الله، لطرد المحتل وقطع دابر الكفر من بلاد المسلمين، فـ «الْإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ» كما قال عليه الصلاة والسلام.
فإلى عز الدنيا وسعادة الآخرة ورضوان من الله ندعوكم أيها المسلمون، فهل من مجيب؟
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾
بقلم: الأستاذ أحمد الطائي – ولاية العراق
رأيك في الموضوع