قامت غرفة عمليات أمريكية بريطانية مشتركة ليلة الجمعة 12 كانون الثاني/يناير الجاري يقودها الأمريكي دوغلاس سيمز، باستهداف 16 موقعاً للحوثيين بـ72 غارة بصواريخ كروز وتوماهوك وطائرات حربية في كلٍّ من صنعاء، الحديدة، تعز، زبيد، صعدة، حجة باليمن، وقد أدت إلى مقتل خمسة عسكريين وإصابة ستة آخرين، ولم يُعلن عن ضحايا من المدنيين. وتكررت الضربات في الليلة التالية، بعد إطلاق الحوثيين صاروخاً باليستياً مضاداً للسفن يوم الجمعة.
تأتي أعمال الاعتداء الغربي هذه بعد تسعة أيام على صدور بيان حلف "حارس الازدهار" الذي تقوده الولايات المتحدة وبريطانيا و10 دول أخرى هي ألمانيا وإيطاليا وبلجيكا وهولندا والدنمارك ونيوزيلندا وكندا وأستراليا واليابان والبحرين يوم الأربعاء 03 كانون الثاني/يناير الجاري، طالب فيه الحوثيين بالوقف الفوري للهجمات على السفن في البحر الأحمر، وبعد يومين على صدور قرار مجلس الأمن الأربعاء 10 كانون الثاني/يناير الجاري، الذي يعتبر نسخة مكررة من بيان حلف "حارس الازدهار"، وعلى الهجوم الحوثي بالصواريخ الباليستية وصواريخ كروز المضادة للسفن، والطائرات بدون طيار بلغ مجموعها 21 استهدفت يوم الأربعاء 10 كانون الثاني/يناير الجاري حاملة الطائرات الأمريكية يو إس إس أيزنهاور وثلاث مدمرات بريطانية؛ إم إس دايموند، وإتش إم إس ريتشموند وإتش إم إس لانكاستر.
وكانت طائرات أباتشي أمريكية قد اعتدت في البحر الأحمر يوم الأحد 31/01/2023م وأطلقت نيران صواريخها على ثلاثة زوارق حربية فدمرتها وقتلت عشرة ممن كانوا على ظهرها من القوات التابعة لقوات الحوثيين. وكان الحوثيون في الفترة من 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2023م وحتى 13 كانون الثاني/يناير الجاري قاموا بـ12 هجوماً في البحر الأحمر منها احتجاز السفينة ليدر جالاكسي في ميناء الحديدة، واستهداف أُخرياتٍ بالصواريخ البحرية والطائرات بدون طيار، بينهن بريطانية ونرويجية لم يمتثلن للنداءات اللاسلكية الموجهة إليهن، حتى يتم رفع الحصار عن غزة.
بريطانيا التي استهدف الحوثيون إحدى سفنها في البحر الأحمر بصاروخ بحري يوم 03 كانون الأول/ديسمبر 2023م حذر وزير دفاعها غرانت شابس في بيان له يوم الأربعاء 10 كانون الثاني/يناير الجاري من أن "المملكة المتحدة وحلفاءها أوضحوا في السابق أن هذه الهجمات غير القانونية لا يمكن قبولها على الإطلاق، وإذا استمرت فإن الحوثيين سيتحملون العواقب". وقال في وقت سابق في مقابلة مع صحيفة التايمز البريطانية: "يجب أن نظل ملتزمين بصد هذه الهجمات لحماية التدفق الحر للتجارة العالمية، ومصممون على أن تظل بريطانيا طرفاً رئيسياً في صد الهجمات التي تهدد الأمن البحري". وكرر الوزير نفسه في بيان له عقب هجوم الحوثيين الثلاثاء 10 كانون الثاني/يناير قوله "الهجمات التي يشنها الحوثيون غير مقبولة وستكون عواقبها وخيمة". وأضاف: "سنتخذ الإجراءات اللازمة لحماية أرواح الأبرياء والاقتصاد العالمي". من جانبه قال وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون إن الضربات التي استهدفت مناطق للحوثيين في اليمن "ضرورية وقانونية ومتناسبة"، وأضاف "يجب أن يكون واضحاً للحوثيين أننا جادّون حين نقول إن أفعالهم التي تستهدف سفناً بريطانية وسفناً أخرى غير مقبولة بتاتاً".
أما أمريكا الطرف الأهم والقائد لـحلف "حارس الازدهار" في البحر الأحمر فقد صرح وزير دفاعها لويد أوستن، في بيان "إن الضربات استهدفت أجهزة رادار وبنى تحتيّة لمسيّرات وصواريخ"، وهدف الضربات هو "تعطيل وإضعاف قدرة الحوثيّين على تعريض البحارة للخطر وتهديد التجارة الدولية". وأردف وزير خارجيتها أنتوني بلينكن الأربعاء، قبيل مغادرته المنامة: "لقد ساعدت إيران وحرضت على هذه الهجمات "بتوفير" التكنولوجيا والمعدات والاستخبارات والمعلومات، وبات لذلك تأثير حقيقي". ناهيك عن التقرير الذي أصدره معهد كوينسي الأمريكي للدراسات الثلاثاء 26 كانون الأول/ديسمبر 2023م، تحدث فيه عن عمليات الحوثيين البحرية في البحر الأحمر وقال فيه: "هم سادة الحرب غير المتكافئة وقد حققوا أهدافهم إلى حد كبير ومن بين الأهداف فرض التكاليف على (إسرائيل) وحلفائها"، و"ليس لدى الولايات المتحدة وحلفائها خيارات جيدة عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع اليمنيين"، و"يمتلكون حتى الآن اليد العليا في مباراة ملاكمة الظل مع الولايات المتحدة"، و"الهجمات تحقق مكاسب سياسية وحتى استراتيجية كبيرة لليمنيين الذين ينتصرون في جبهة العلاقات العامة داخل اليمن وخارجه"، و"حتى الآن، لم يستخدم اليمنيون سوى جزء صغير من الطائرات المسلحة بدون طيار والصواريخ التي يمتلكونها حالياً"، وأن "اليمنيين لم يستخدموا طائراتهم بدون طيار وصواريخهم الأكثر تطوراً بعيدة المدى"، وأنهم "يمتلكون أعداداً كبيرة من الألغام البحرية، بما في ذلك الألغام النفوذية التي يصعب اكتشافها". فشتان بين الموقفين مع أنهما يقفان في خندق واحد، موقف بريطانيا وموقف أمريكا!
بريطانيا وأمريكا هما المتصارعان الدوليان على اليمن، إنهما يحضران معاً، لكن لأهداف سياسية متعاكسة تماماً. أما بقية الحضور، فلا حول لهم ولا قوة، وقد أوشكوا على الانسحاب من الحلف بعيد تكوينه، وغالبيتهم هو المتضرر الأكبر من إغلاق الملاحة في البحر الأحمر.
إن مخططات أمريكا للسيطرة على البحر الأحمر، قديمة جديدة، من عملائها في سبعينات القرن الماضي، الذين استهدفتهم بريطانيا وقتلتهم، لانخراطهم في السياسة الأمريكية، وتهديدهم سيطرة بريطانيا عليه، إلى عملائها في القرن الحالي. إن مخطط أمريكا حول البحر الأحمر اليوم في ظل ضعفها، هو الحيلولة دون قيام دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة في الشرق الأوسط، بتحويل العداء والمواجهة بين أهله المسلمين وكيان يهود إلى إشعال المواجهة بين أهله، وما تزامن من انسحاب حاملة طائراتها فورد في 02 كانون الثاني/يناير الجاري من الشرق الأوسط، وعبور المدمرة الإيرانية البرز باب المندب بخافٍ على أحد! كما أشعلت المواجهة بين أوروبا وروسيا بالحرب في أوكرانيا، لتتمكن هي من الانسحاب من العالم بهدوء دون أن يلاحقها أحد في عُقْرِ دارها، وأنى لها ذلك. فيما تعمل بريطانيا التي دب الضعف فيها بعد الحرب العالمية الثانية وباتت تفقد عملاءها في الشرق الأوسط الواحد تلو الآخر، للحفاظ على من تبقى لها منهم لتواجه بهم أمريكا التي تهدد المساس بمصالحها فيه.
إن التاريخ يعيد نفسه، فبالأمس كانت سفن البرتغال الحربية تهدد بلاد المسلمين، ويرحب بها لترسو في الموانئ الفارسية في مضيق هرمز، فإن السفن الغريبة اليوم في البحر الأحمر وبحر العرب لا يقوى على التصدي لها وطردها سوى دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة.
رأيك في الموضوع