إن كيان يهود هو مشروع استعماري غربي أنشأته بريطانيا وترعاه أمريكا، وهي لا ولن تدخر جهدا في رعايته وحمايته قطعا بما يبقي عليه خنجرا في خاصرة الأمة ولا يتعارض مع مصالحها بل يرعاها ويرسخها، ولكن هذا لا يمنع من وجود أهداف ومشروع خاص ليهود وهم يسعون من أجله، فيهود الذين كانوا يصرحون برغبتهم في حل الدولتين قبل سنوات، تخلوا عن هذا الحل بل لم يعد مقبولا عندهم رغم إغراءات أمريكا وتطمينات شركائهم من حكام بلادنا الحراس الفعليين لكيان يهود، وأمريكا وإن كانت معنية بحل الدولتين الذي يمثل مشروعها وتصورها لتصفية وحل قضية فلسطين إلا أنها لا تعبأ بالدماء التي تسيل ولا بالدمار الحاصل، بل كل ما يشغلها أن لا تتسع دائرة الصراع ورقعة الحرب بالشكل الذي قد يهدد مصالحها ووجودها في المنطقة، فيعنيها في المقام الأول أن تكون كل التحركات بيدها وهي صاحبة القرار فيها بحيث توقفها متى أرادت أو هكذا تظن.
الجولة الأخيرة لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى المنطقة بغاية منع اتساع رقعة الصراع ومنع دخول أطراف أخرى، فبلينكن، الذي زار تسع دول والضفة الغربية المحتلة في أسبوع، جاء يغري كيان يهود بتصور مبدئي مفاده أن تسهم دول الجوار (4 دول إضافة إلى مصر وتركيا) في إعادة تأهيل قطاع غزة بعد الحرب وتواصل التكامل الاقتصادي مع كيان يهود، أي دمج وتطبيع مع الكيان، بشرط التزام يهود بالسماح في نهاية المطاف بقيام دولة فلسطينية مستقلة، أي أن هذه الدول ستكون ضامنة لأمن يهود قائمة على حراسته، وهو ما عبر عنه الرئيس المصري عندما تكلم في مؤتمر صحفي سابق عن دولة فلسطينية منزوعة السلاح، وعبر عنه أردوغان سابقا عندما تكلم عن استعداده أن يكون ضامنا ضمن اتفاق حل الدولتين، بخلاف دولة آل سعود والتطبيع معه وهو هدف غاية في الأهمية بالنسبة لكيان يهود، وقد كان التطبيع مع آل سعود يتم على قدم وساق، لم يوقفه إلا الحرب على غزة التي أيقظت روح عداء يهود في الأمة كلها وقتلت كل محاولات التطبيع تلك، ولهذا فما حمله بلينكن مغر جدا لكيان يهود ورغم هذا رفضوه كله ومستمرون في تدمير كامل غزة وحصار أهلها ومنع الغذاء والدواء عنهم لإجبارهم على الهجرة طوعا أو قسرا، حتى إن يهود أعلنوا أنهم لن يسمحوا بعودة المهجرين إلى شمال غزة إلا بعد عودة المستوطنين إلى غلاف غزة.
جولة بلينكن التي تطلع البعض إليها منتظرين حلا من خلالها وكأن أمريكا هي صاحبة الأمر والنهي، وهكذا تُوهم الناس، إلا أنها جولة فاشلة لا فائدة منها، أفشلها كيان يهود برفضهم طلب أمريكا وعزوفهم عما قدمت لهم من إغراءات عبر عملائها في المنطقة، وأمريكا وإن كانت تضغط على يهود من أجل إنشاء دولة فلسطينية ضمن إطار حل الدولتين ورؤية أمريكا لتصفية قضية فلسطين إلا أنها ليست معنية بإجبارهم على القبول بل تضغط من أجل إقناعهم بالقبول ولن تعاقبهم على رفضهم للحل الأمريكي بل ستتخذ ما من شأنه منع عقابهم وعدم اعتبار جرمهم في حق أهلنا في فلسطين جرائم حرب، ولا عزاء لمن يقدمون القضايا للمحاكم الدولية ضد كيان يهود، ففي النهاية لن يتم تجريم كيان يهود وستصطدم قرارات هذه المحاكم بفيتو أمريكا.
زيارة بلينكن لم تكن لإقناع الحكام بدعم يهود ولا لمجرد التشاور معهم حول أحداث غزة، بل كانت تهدف إلى إغراء يهود، فقط ليقبلوا الحل الأمريكي وتصفية القضية، وطمأنتهم لوجود ضامنين لأمنهم من حكام المنطقة كحراس من داخل قطاع غزة قبل خارجه، فكل من طاف عليهم بلينكن ليسوا إلا عملاء يحركهم الغرب ويملك قرارهم السياسي، وهم في الحقيقة داعمون لكيان يهود شركاء جرمه في حق أهلنا في الأرض المباركة؛ فمصر تضيق الخناق وتحاصر أهل غزة بينما يمكنها أن تزيل الحدود وتضم غزة إليها بل إن جيشها قادر على تحرير فلسطين كاملة في سويعات أو على حد مقالة الرئيس المصري (مسافة السكة)، أما تركيا فتصدر للكيان الحديد والملابس والمواد الغذائية، فهي الأخرى قادرة على تجويع الكيان وقادرة على حصاره بحريا بل وقصفه إن أرادت، والأكثر أنها بجيشها القوي الذي يتوق للجهاد قادرة على تحرير فلسطين كاملة ونصرة أهلها.
عندما يعلن بلينكن اتفاقه مع كيان يهود على إرسال بعثة أممية لشمال غزة بينما يعلن يهود أنهم لن يسمحوا بعودة سكان الشمال الآن وبينما يواصلون القصف والتدمير والقتل فلا ريب أنهم عازمون على التهجير وإجبار أهل غزة عليه، وأمريكا تغض الطرف عن جرمهم لعلمها أنه لا يوجد من يستطيع التصدي لها أو للكيان الذي تدعمه وهي لا تمانع تدمير قطاع غزة بل على العكس جهزت من سيبنون كل ما هدمه يهود ومن أموال الأمة، فبلينكن لم يأت من أجل حقن دماء أهلنا في فلسطين بل جاء لإنقاذ يهود، فالحرب التي يخوضها يهود أشبه بحرب عصابات لا نصر لهم فيها ولا لأمريكا نفسها لو خاضتها، واستمرارهم في الصراع يستنزفهم ويمرغ أنوفهم في التراب وقد يشعل المنطقة كلها في وجه أمريكا ويهود، بينما صمود أهلنا في غزة هو نصر يحرك روح الجهاد والفداء في الأمة ويزيدها سخطا على حكامها الذين لم يعد شيئا يخفي سوأتهم حتى إنها فضحت المخادعين منهم.
عندما يصرح وزير الخارجية الأمريكي أن السعودية والأردن وقطر والإمارات وتركيا ستبحث المشاركة باليوم التالي للحرب بغزة فهذا معناه أن هذه الدول ستكون هي الضامن لأمن يهود وهي التي ستمنع هجمات أهلنا في الأرض المباركة تجاه كيان يهود، وستدعم اقتصاده بما يعني سيرها سيرا حثيثا في مسار التطبيع ومن بينهم آل سعود الذين يظن الكيان أن تطبيعهم سيكون تطبيعا للشعوب المسلمة بينما هو في الحقيقة يهلكهم ويعجل بسقوط عرشهم المعوجة أركانه.
وهذه الزيارة للوزير الأمريكي لم تكن الأولى، وكلها غايتها حماية كيان يهود وتأبيده ودمجه في المنطقة، ولكنها فشلت وتفشل أمام طوفان الأمة الذي لا يهدأ ولن يهدأ حتى يزول هذا الكيان وتقام للمسلمين دولة ترعاهم بالإسلام.
إننا لا نتعجب من موقف أمريكا الداعم لكيان يهود والمؤيد لمواقفهم على الدوام رغم إفشالهم لخطط أمريكا، ولا نعجب من مواقف الحكام فهم عملاء حبالهم بيد الغرب الذي يحركهم ويتلاعب بهم كما الدمى، وإنما نعجب من حال الجيوش والشعوب وعلى رأسها جيش الكنانة وشعبها الذي يحب الإسلام ويغضب لمقدساته! فجيش الكنانة واجبه الأول تحرير كامل فلسطين لكونها أرضاً خراجية ملكاً لكل الأمة ووجوب تحريرها يقع على الأمة الأقرب فالأقرب، وليس أقرب من مصر وجيشها؛ لذا فواجب الجيش التحرك من فوره نصرة لأهل فلسطين وتحريرا لأرضها، وعلى أهل مصر أن يمارسوا ضغطهم خروجا للساحات مخاطبين الجيش المصري ضباطا وجنودا ومطالبينهم بتحرير فلسطين كاملة كما أوجب الله، حتى ينفضوا عنهم ثوب الخذلان الذي أُلبسوه بصمتهم على جرم يهود.
﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر
رأيك في الموضوع