مع استمرار إخفاق نتنياهو وكيانه في تحقيق نصر حقيقي على ثلة مقاتلة في غزة رغم عمليات القتل والإبادة التي يمارسها هذا الكيان المحتل ضد أهلنا في فلسطين عموماً وغزة خصوصاً، تأتي عملية اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري ورفاقه في بيروت بحثاً عن نصر ولو بعمليات غدر واغتيال عابرة للحدود ترفع شيئاً من معنويات يهود المنهارة بسبب عملية طوفان الأقصى التي شكلت نقطةً فارقةً في الصراع مع هذا الكيان المحتل.
ورغم فداحة المصاب والألم الذي يعتصر القلب أن يقوم هذا الكيان المسخ المرعوب بالاستئساد على أمة الإسلام! لأنه متمكنٌ من تقنيات زوده بها الغرب الكافر المستعمر وعلى رأسه أمريكا، ولأن الحكام العملاء في بلاد المسلمين باعوا كرامتهم وعزتهم بثمن بخس وصاروا أذناباً للغرب بعد أن باعوا دينهم بدنيا غيرهم، ولأن من زعموا من الأنظمة والحركات قتالاً ليهود صاروا يمارسون امتصاص الصدمات، وما يسمونه الصبر الاستراتيجي، والرد في المكان والزمان المناسبين! رغم كل ذلك إلا أن المسلمين أمةٌ حيةٌ تتمثل حياتها وحيويتها في أنها على استعداد أن تقدم أبناءها شهداء لتحقيق أهدافها ولا تتوانى عن ذلك رغم كل المشقات والصعوبات لأنها تؤمن بقول الله عز وجل: ﴿إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ﴾.
والمتابع للأوضاع بعد دخول عملية طوفان الأقصى شهرها الرابع، وهذا التخاذل من المحيط من حكام الدول وقادة جيوشها والحركات المقاتلة حول فلسطين يرى أنه لا تداعيات سياسيةً أو عسكريةً يمكن أن تحدث بسبب عملية الاغتيال في هذا الجو الملبد بالخيانة والتبعية والعمالة!
فهي عملية اغتيال وقتل من عدو مطمئن على ما حوله، ينفذ أجندته الأمنية! ولسان حاله فيها طالما لم تؤثر المجازر بحق أهل فلسطين وغزة، ومشاهد الاعتداء على الحرائر في الأقصى في قلوب المتثاقلين إلى الأرض، فلن يؤثر فيهم قتل بضعة أفراد بدم بارد!
أما لمن يظنون أن حزب إيران في لبنان سيرد على هذا العمل بتوسيع دائرة الحرب، أو بعمل يشبه طوفان الأقصى، فإنهم واهمون لم يفقهوا أو لا يريدون أن يفقهوا ما وصل إليه حزب إيران من ارتباط وثيق بالمشروع الأمريكي في المنطقة عبر إيران الدولة الدائرة في فلك أمريكا، بعد أن امتلأ جوفه بدم أهل الشام والهيمنة على السلطة في لبنان!
أفلا يرى هؤلاء الواهمون أن حزب إيران ومعه حلفاؤه في لبنان قد رسموا الحدود البحرية مع كيان يهود، مقرين بذلك بحق لكيان يهود في حدود ووجود؟! وأنهم رغم عملية طوفان الأقصى ما زالوا يسيرون في مشروع ترسيم الحدود البرية معه حتى اللحظة تحت غطاء الدولة اللبنانية التي استولى عليها الحزب وحلفاؤه؟! بل أما سبقه بسنوات التزام الحزب بما يسمى قواعد الاشتباك المبنية أساساً على القرار 1701 الذي وافق عليه بعد حرب تموز 2006م؟!
ولمن لم ير كل ذلك فليستمع لخطاب الأمين العام للحزب الذي ألقاه يوم 3/1/2024م بعد اغتيال العاروري ورفاقه، وفي ذكرى مقتل قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس التي حدثت في 3/1/2020م، الخطاب الذي كان عبارة عن سردية صحفية لنظرات في طوفان الأقصى وفوائده يلقيها حزب عسكري مسلح! بل أكثر من ذلك يتحدث فيه عن مستقبل يهود الأمني والمعيشي بدل أن يتحدث عن الدخول في المعركة بكل قوته وقوة إيران التي تحولت من إزالة الكيان في سبع دقائق وبالضربة القاضية، إلى الصبر الاستراتيجي وتسجيل النقاط كما جاء في خطابات سابقة للأمين العام للحزب ولخامنئي!
فإن لم يكفِ كل هذا ليظهر الحقيقة للواهمين، فلينظروا إلى الصواريخ الخجولة التي يطلقها الحزب ضمن قواعد الاشتباك على موقع حدودي أو يزيد قليلاً! ليعلم أن الرد لن يكون أكثر من استهداف قوي لموقع عسكري حدودي ليعتبره الحزب رداً أو بداية رد على مقتل العاروري؛ لتكون كالرد الإيراني على مقتل قاسم سليماني والمهندس بصواريخ دقيقة أبلغوا بها أمريكا - كما صرح جواد ظريف وزير خارجية إيران في حينه - قبل إطلاقها على قاعدة عين الأسد في العراق، فلم تصب جندياً واحداً، بل قال عنها ترامب: "لقد أصابت جنودنا ببعض الصداع فقط"!
فإن كانوا أمثل طريقةً فقد يستهدفون قائداً أو وزيراً يهودياً أو مصلحة له، كما فعل تنظيم الجبهة الشعبية في قتل وزير السياحة (الإسرائيلي) رحبعام زئيفي في 2001م رداً على قتل قائدها أبو علي مصطفى باغتيال بواسطة طائرة أباتشي في مكتبه في رام الله.
وبالرغم من أن هذا يعتبر رداً مماثلاً على قتل قائد، إلا أننا هنا نعلق على إمكانية توسعة الحرب من عدمها ضد كيان يهود والقيام بعمل يشبه طوفان الأقصى، فهذا مرجوحٌ حتى اللحظة، لما أشرنا إليه من معطيات أعلاه.. والراجح استمرار عمل أمريكا على عدم توسع المعركة إقليمياً حفاظاً على مصالحها في المنطقة، ومنعاً لمرور أي عمل مخلص في ضباب المعركة يؤدي لقلب الأوضاع لصالح خلع الحكام وإقامة دولة إسلامية يخسر الغرب فيها المنطقة؛ وهو العمل الذي يعمل عليه حزب التحرير وما زال.
ثم إن الموقف الأمريكي واضحٌ من عدم قبولهم بالعملية، بل محاولتهم تقليص حركة نتنياهو ومن معه، فقد جاء في موقع أكسيوس عن مسؤولين أمريكيين كبيرين قولهم: "(إسرائيل) هي التي اغتالت العاروري لكنها لم تبلغ الولايات المتحدة مقدماً"، رغم أن يهود لم يتبنوا العملية رسمياً! وهذا من أمريكا ليس حرصاً على دماء المسلمين، بل لخلافهم العميق مع نتنياهو وحكومته المتطرفة بشأن وقف الأعمال القتالية والسير في عملية تفاوضية!
أما أهل غزة ومنهم كتائب القسام، فإنهم من أمة ولادة لا يوقفها قتل قائد، بل يمضون بمعركتهم بإذن الله تعالى كما ثَبَتَ أصحاب غزوة مؤتة حين قُتل قادتهم الثلاثة رضي الله عنهم، فاستمروا في القتال والثبات حتى حققوا ما أرادوه من نصر على يد خالد بن الوليد رضي الله عنه الذي ارتضاه المسلمون قائداً لهم في أرض المعركة تحت قرع السيوف.. لكن الحذر يجب أن يكون بارزاً عند المجاهدين من أهل غزة وقادتهم من عدو أبرز صفاته الغدر حتى مع الأنبياء والرسل عليهم صلوات الله وسلامه.
وهنا نذكر أهل غزة ومجاهديها، بل نذكر كذلك من زعموا مقاومة ليهود في محور مقاومة وما زال ردهم خجولاً! نذكرهم بكلام الشهيد العاروري ليهود قبل مقتله: "لسنا في مجال امتصاص ضرباتكم، ولا في مجال الصبر الاستراتيجي، ولا في سياسة أننا سنرد في المكان والزمان المناسبين، نحن نرد، نبادر بالرد، ولا نقبل العدوان...".
رأيك في الموضوع