لا تزداد قضايا الأمة مع السنين إلا استعصاء ومشكلاتها وآلامها إلا تعقيدا في ظل عدم وجود دولة جامعة للمسلمين على الرغم من الجهود الهائلة المبذولة والتضحيات الضخمة وكثرة الفصائل والمجاميع العاملة، ليظهر ذلك جليا في قضيتي الأرض المباركة والشام، فالتغيير الأساسي ليس إلا في تعمق تلك المشكلات كميا ورقميا، فالضحايا وقضم الأرض والاستيطان والظلم وغطرسة العدو تزداد وقوى الأطراف الرسمية المقابلة تضعف وتتردى، والتنازل سيد الموقف.
والسبب في ذلك كله أن أسباب المشكلة لا زالت قائمة، فالمنظومة التي تكونت مع قيام كيان يهود لا زالت تتوارثها الأجيال، ولا زالت تخدم الهدف نفسه، كما أن الأدوات والتصورات للحلول التي اعتمدتها معظم القوى لا زالت هي هي، تعيد تدوير نفسها وتعيد تكرار التجارب الفاشلة.
فالقوى والأنظمة التي سلمت فلسطين وثبتت وجود كيان يهود عام 48 لا زالت هي نفسها ولا زال المشغل لها وهو الغرب، ولا زال هاجسها الحفاظ على بقائها وبقاء الكيان، ليتكرر الأمر في كافة محطات قضية فلسطين من الأنظمة ذاتها في عام 67 وما بعده، ولكن دون تعلم الدرس، حيث دأبت الفصائل والقوى العاملة على اتخاذها ركنا وحضنا دون إدراك واقعها الصارخ، وهي أنها لم تكن سوى أدوات احتواء ليس أكثر.
فالمنحة السعودية لفصائل الشام مثلها مثل المنحة القطرية لغزة، تتوقف أو تتوظف للغرض ذاته، وقد كانت العلاقة بين الفصائل السورية مع أصدقاء الشعب السوري والدول الداعمة مثالاً صارخاً مستنسخاً من الحالة الفلسطينية، كما أن اللاجئين السوريين مثال مستنسخ من الحالة الفلسطينية.
فأوجه التشابه الكبيرة بين الحالتين، وأوجه التشابه بين الماضي والحاضر في الحالتين يدل على عقم الرؤية عند تلك الفصائل وسيؤدي إلى النتائج نفسها والمصير ذاته. ففي كامب ديفيد لم يكن أنور السادات والنظام المصري شاذا إلا في السبق بالصلح مع يهود، وقد عادت الأنظمة لتحتضنه وسار قطار التطبيع لأن الظرف أصبح مناسبا.
وقد عاد النظام العربي إلى النظام السوري لأن الظرف أصبح مناسبا كذلك، وبالتالي فإن انخراط الأنظمة في مآسي الشعوب، واصطفافاتها ليست إلا أدواراً لحين انتهاء المهمة والرجوع إلى الوضع الأصلي.
إن غياب هذا الدرس وتجاهل هذه الحقائق أوقع الفصائل فيما هي فيه الآن، من رأس الحربة في محاربة كيان يهود والتطبيع معه، إلى أوسلو ومدريد والقمع لصالح المطبعين والارتماء في أحضان قتلة المسلمين، إلى رأس الحربة للعمل لصالح المطبعين في الشام وقمع الأصوات المعارضة.
إن الأنظمة القائمة في بلادنا وكيان يهود هم منظومة واحدة يثبت بعضها بعضا، ومصالح الأنظمة يحددها المستعمرون، وهي حتما ليست مع من يريد التحرر أو تحرير الأرض المباركة، ولذلك كان الوعي على هذه الحقيقة السياسية فيه النجاة للعاملين والحركات من الوقوع في الفخ، وقلة الوعي على ذلك أوقعها في هذا الفخ فسخرتها الأنظمة ووظفتها - وليس العكس - حتى صارت تناقض اليوم مطالبها بالأمس كما حصل مع هيئة تحرير الشام عندما تحولت إلى حارس للدوريات الروسية وخادم للسياسة التركية التي تسعى لتعويم نظام الأسد المجرم والتطبيع معه.
لذلك كله، من كان جديا في خلع كيان يهود وخلع نظام طاغية الشام؛ فإن ذلك يحتم عليه العمل على خلع مسامير تثبيتهما وإلا فستظل التحركات والجهود لا تعني إلا خسارة الوقت والجهود والتضحيات بسبب انعدام الوعي على حقائق لا ينطق التاريخ أو الواقع بغيرها.
وما ينتظر هيئة تحرير الشام ومثيلاتها في اليمن وفلسطين ليس إلا انتهاء وظائفها أو انتهاء المرحلة، حتى تذبح على مذبح مصالح الأنظمة ومن يقف خلفها كما حصل في مصر وتونس. وإن إغلاق أردوغان للقنوات الإعلامية المعارضة لنظام السيسي وإقفاله لملف الصحفي المغدور جمال خاشقجي هو خير مثال على سهولة التخلص من الأدوات المرحلية عند هذه الأنظمة.
إن الوعي على طبيعة الأنظمة وعلاقاتها ببعضها وطبيعة العلاقة معها هو من الوعي المتحتم بل الوجودي في ما يتعلق بالجماعات وقضاياها، وغيابه لا يعني إلا أن تتحول هذه الجماعات إلى بندقية تطلق النار على أمتها وعلى أهدافها بل وعلى نفسها حتى تهلك. فالإسلام باق والأمة منتصرة بوعد الله سبحانه وتعالى، وعلى المخلصين من أبناء الأمة الإسلامية من أهل القوة والمنعة وضباط الجند وقادة الكتائب أن يقتلعوا هؤلاء الحكام العملاء الخونة ويعطوا النصرة لحزب التحرير ليقيم الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة على أنقاض عروشهم؛ فتخرج الأمة من هذه الدائرة لتحرر الأرض المباركة ومقدساتها وتعود لتحمل الإسلام رسالة نور وعدل للبشرية جمعاء.
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة (فلسطين)
رأيك في الموضوع